مشروع الكيان النوبي الجامع: قراءة في دعوة لجمع الصف النوبي

 


 

 

omem99@gmail.com
انا لا احب مشاريع الكيان الكذا والمشروع الشامل وغيرها من هذه المفردات، وهذا لاسباب مفهومة، لكني سوف استثني هذا المشروع الجديد من هذا الحكم، وسوف يكون المقال كله في هذا. كما اشارت "دعوة لجمع الصف النوبي" في (http://www.nubianradio.net/index.php/news/78-nubainradio/news/125-2013-04-12-09-10-11) موقع كدنتكار، الدعوة جاءت في ما يطلق عليها "المختصر المفيد" وتطرقت بعمق وحساسية للقضايا النوبية المعقدة وتفاعلت معها واتخذت مواقفاً شجاعة وحاسمة.  
القضية المحورية للنوبيين، كما اشارت الدعوة "هي قضية غياب جسم نوبي موحد يمكن اعتباره ممثلاً للنوبيين ومعبراً عن طموحاتهم وهمومهم". إن هذا لايعني تذويب الكل في واحد، فالتنوع في تواجد منظمات وتكوينات متعددة صحي ويعكس حيوية هذه المجتمعات، وقد اشرت في مقالة عن الشباب نشرت في حريات "وتتعالى في احايين كثيرة المطالبة بتوحدها وهؤلاء يأملون ان تقود عملية التغيير، لضعف التكوينات السياسية التي من مهامها القيادة. هذه الدعوات تتجاهل حقائق التنوع وتريد فرض تكوين "الكتلة الحرجة" بدون تواجد ظرفها الموضوعي". لكننا دائما نحتاج لجسم تنسيقي جامع ومؤثر واعتقد أن هذه هي اصل الدعوة.
ربما اكثر ما يميز الدعوة هو مسه المباشر لقضايا الحاضر والمستقبل، مع محاولات لمحاولة الوصول لاطار عام للسير في الطريق، ويخلو من البكاء على اطلال الماضي الجميل وقرون بعد ذلك كثيراً. هناك القضايا المباشرة والعملية التي تم اتخاذ موقف واضح حولها (رفض القرار الجمهوري 206/2005م، مشروعات السدود، شهداء كدنتكار، مصادرة مشروع غرب القولد، إعادة ترسيم حدود الولاية الشمالية). 
عالجت الدعوة بدقة وعمق هموم المواطن النوبي الحالي (الحفاظ على الهوية والتراث والتاريخ والثقافة واللغة النوبية، النصيب العادل من الثروة والسلطة، تنمية المنطقة النوبية وحسن استغلال مواردها السياحية والزراعية والتعدينية والسمكية الى جانب مواردها البشرية و السعي لإحياء نظام التعاونيات على أسس تحقق العدالة الاجتماعية، اعادة تعمير منطقة وادي حلفا وقيادة حملة مكثفة لتشجيع الهجرة المعاكسة، مراجعة ودراسة وترقية الخدمات التعليمية والصحية ومراجعة بعض السياسات والممارسات ذات الآثار السالبة على مواطني المنطقة النوبية - اتفاقية الحريات الأربعة وتخصيص أراضي الاستثمار الزراعي والتعديني على الشركات الأجنبية وسياسة ما يعرف بالتنقيب الأهلي (العشوائي) التي تفتح المجال واسعا لسرقة كنوزنا الأثرية).
هناك قضية هامة يتم طرحها عند قيام مثل هذه التجمعات، وهي الاتهام بالجهوية سواء عن حق او باطل، وقد اجابت عنها الدعوة بوضوح " حقيقة جوهرية طالما ظل النوبيون حريصون على تأكيدها كلما لاحت الفرصة لذلك وهي أن خدمة القضايا النوبية تتوافق وتنسجم تماما مع خدمة قضايا الوطن الكبير- السودان- وعليه فان الكيان النوبي المقترح يعنى بالقضايا الوطنية العامة بذات القدر الذي تعنيه القضايا النوبية". 
منذ عقود طويلة تنشأ مثل هذه الدعوات وتنفض، وقد ظللنا عمرنا نشارك فيها ونتحمس لها ولكنها سارت في الطرقات قليلاً ثم تراخت عضلاتها وتوقفت. وربما تَحَدثَ كثير من الذين تم الاتصال بهم في القرى عن المجموعات التي تحضر لقراهم، تناقش مشاكلهم وتعدهم ثم تختفي. هذا محظور قد يحدث إذا لم يتم تداركه، واعتقد أن بعض استراتيجيات الاستدامة التي طرحها الاعلان تبشر بخير، غير أنها ليست كافية، ولنها أيضاً طرحت طرق تجويدها.
كرست حياتي لمشروع يبحث عن مستقبل السودان، جاوبت فيهما عن سؤال أين نحن الأن؟، إلى أين نريد الذهاب؟ وكيف؟ على الرابط  (https://independent.academia.edu/AmrAbbas3). وعندما اقرأ أي برنامج أقيس نجاحه بمدى اقترابه من معالجة المستقبل. الاعلان يتحدث عن هذا المستقبل بعلانية واضحة، فقد تبدل حالنا الأن من مواجهة "مشاكل" في الماضي من مثل مشكلة الطريق، التسويق وغيرها، إلى أزمة وجود. سببان هامان أديا بنا إلى هذا الحال، اولهما الاهمال المزري من انظمة السودان طوال الست عقود الماضية، التي وصلت حدها الاقصى مع الانقاذ، والسبب الاخر هو من كثرة نزوع اهلنا إلى الاهتمام بالتعليم، الذي أدي للهجرات الواسعة وسطنا إلى المراكز المدنية في انحاء السودان. إن حصر قضايا المنطقة بالتنمية صائب في اجماله، لكنه ليس كافياً لمنطقة اكثر من 90% منهم خارجها.
عندما نظرت للمستقبل في كتاب " الرؤية السودانية: إطار عام للرؤية: إلى أين نريد الذهاب وكيف"، نظرت للمستقبل في اجماله لكل الوطن، لكن كان في بالي أن وطناً بهذا الحجم وهذا التنوع يحتاج لمعالجات مفصلة لمناطقه. وقد لامست هذه الرؤية في مرثية لاحد الحالمين في منطقتنا المغفور له حسن عبد الماجد (نِسَرَوُنِي "حلمنا"). جاءت الدعوة واقترحت الماكينة التي يمكن أن تطور هذه الافكار "مجموعة المتحاورين اوالمجموعة الكترونية تحت مسمى (مشروع الكيان النوبي الجامع) واجتماعاتها. 
طوال تأريخنا لم تعتمد المنطقة في تنميتها على الحكومات، المشاريع الكبرى مثل عبرى الزراعي، البرقيق، السليم كانت مشاريع تعاونية، المدارس اغلبها بنيت وتدار من العون الذاتي حالياً، اغلب المستشفيات جهد ذاتي وهكذا. والتسويق كان يتم تعاونياً. المسألة اساسها شعبي في إعداد الرؤية وتحتاج لإرادة البشر والتوحد حولها. وكما اشارت الدعوة بحق فالمسالة لابد أن تكون شاملة ومفتوحة لكافة أبناء المنطقة بكافة مشاربهم السياسية. وهي ليست عفو الخاطر ولكن قرارات واعية بالتمثيل من كافة القطاعات، المهم فيها لا اقصاء ولا تمكين.
نحن منطقة تتميز بتجانس سكاني، لغوي، حضاري، ثقافي وبييئ. لدينا كفاءات اساسية Core competencies  من: الموارد الطبيعية من اراضي ومياة وثروة حيوانية، القوى البشرية، المعادن والتنوع البيئي. تخلو المنطقة الان من مشروع زراعي ذو بال، خالية من الصناعة اوالصناعات الزراعية والحيوانية، تخلو من مصادر الطاقة بالرياح او الشمسية، ليس هناك استغلال للحوض الجوفي النوبي ، نتعرض لنهب ذهب الاثارات وهكذا. 
كما اشارت الدعوة نحتاج لبروفايل دقيق عن المنطقة تدرس حال وطننا الصغير بشكل علمي. لدينا آلاف يعملون في القطاع الحكومي، المنظمات المحلية والدولية، الجامعات، واعتقد حتى في ناسا لدينا ابناء من المنطقة. البروفايل دراسة ميدانية من خبراء متطوعين من جميع المجالات بالاستعانة بخبراء منتشرين في جميع العالم ومن ثم نضع رؤيتنا جميعاً. عندما نمتلك الرؤية في ايدينا، سوف تعطينا هذه الرؤية مسارات تحقيقها وكيفية تمويلها.
اخيراً
يعلمنا التأريخ أن المستقبل يبدأ بالاحلام الكبيرة والوحدة، وقد جمع المشروع كليهما. احي القائمين بهذا العمل الذي يتخطى الصعوبات والهموم الصغيرة، فقد اعادوا الينا الامل في حياة جديدة لارض الاجداد بواقعية، بهدوء وبمباشرة. الاعلان جيد في حد ذاته، لكن تموت الافكار إذا لم ترتبط برؤية لكيفية الانتقال من الاعلان إلى خطوات عملية تجعل كافة النوبيين يحسون أن هذا الكيان يمكن أن يثقوا فيه كمعبر عنهم. وإذا استطاع الاخرون فلماذا لانستطيع نحن؟.

 

 

آراء