مصر تصحو على وقع الحوافر
15 November, 2009
بدأ القلق المصري يتصاعد من سرعة توتر إيقاع الساحة السياسية السودانية. فالسياسة المصرية التي تنتبه الآن لما جرى في جنوبها، تصعد من اتصالاتها وتحركاتها الدبلوماسية وتختار توقيتا بدأت فيه الملفات الخطرة، والاحتمالات مفتوحة على كافة الاتجاهات. هذه الانتباهة من قمة الجهاز الرئاسي المصري والأمني، تأتي في أعقاب عدة تطورات على الساحة الداخلية السودانية، وعقب إصدار الاستراتيجية الأمريكية تجاه السودان.
لنبدأ بملاحظة مهمة، ولعلها هي التي دفعت مصر لتصعيد حملتها الدبلوماسية، وهي أن الولايات المتحدة أهملت الدور المصري في السودان تماما، إذ خلت الاستراتيجية من أية إشارة لمصر أو لدورها في السودان، وهذه سابقة تاريخية، بل لي أن أقول إنه ومنذ أكثر من قرن لم يستطع الإنجليز ولا ورثتهم الأمريكان، تجاوز الدور المصري في السودان. مصر غاضبة غضبا مكتوما من السياسة الأمريكية التي انتهجتها إدراة بوش، منذ أن تمّ نقل الملف السوداني للدوحة، بمباركة أمريكية واضحة، ثم إن التحركات الامريكية في المنطقة عظّمت دور تشاد وليبيا، وتجاهلت تماما أي دور لمصر في الشأن السوداني، وهاهو اوباما يواصل تهميش الدور المصري.
مصر تنظر بقلق للسياسة الأمريكية وهي تضع مزيدا من الضغوط على حكومة الشمال، بينما تشجع سياستها الانفصاليين في الجنوب، أو هي على الأقل تقف في الحياد من مسألة انفصال الجنوب. فى قضية مياه النيل اتهمت مصر في أكثر من مرة، أن هنالك أيادي تعبث بأمن مصر، وتدفع بعض دول الحوض لاتخاذ مواقف عدائية ضد القاهرة. هذه التقاطعات بين السياسة المصرية والأمريكية تتصاعد الآن، والرسالة التي بعث بها واضعو الاستراتيجية الأمريكية التي صدرت الأسبوع الماضي للقاهرة، هي أن تبقى بعيداً عن ملف السودان، صعدت القلق المصري.
من هنا كان لابد للقاهرة من الرد بسرعة وذكاء. دعوة سلفاكير للقاهرة تأتي في هذا السياق، زيارة سلفا لم يُكشف النقاب عن أجندتها، التقى فيها الرئيس مبارك ووزير خارجيته أبو الغيط. التصريحات التي صدرت بعد اللقاءين لاجديد فيها، واكتفت بالهمهمة حول الوحدة، وبالقطع ما دار لاعلاقة له بملف الوحدة والانفصال، إذ الخيارات معلنة فالحركة كانت تعلن دائما ان الوحدة ليست بيدها انما بيد شعب الجنوب وهو حديث مخاتل ولكن الحركة تتدثر به. لم يكن في أجندة السيد سلفا زيارة القاهرة، فالسيد سلفا عاد من رحلة طويلة في أدغال أفريقيا، ولم تكن مصر في حساباته، ولكن حسابات مصر الداخلية وتقاطعاتها مع السياسة الأمريكية، هي التي عجّلت بقدوم سلفا الى القاهرة.
مصر لم تكتفِ بدعوة سلفاكير، بل دعت إليها في ذات التوقيت السيد محمد عثمان لتجسير العلاقة بينهما، ثم للاستفادة من عرض مشهدي لتوافد القادة السودانيين للقاهرة، فالسيد الصادق المهدي والسيد نافع في الطريق إليها لحضور مؤتمر الحزب الحاكم الجمعة المقبل.
الرسالة التي ترغب مصر في ابلاغها لمن يهمه الأمر في طي هذه التحركات الدبلوماسية النشطة، أن ملف السودان لايمكن نزعه بين يدي مصر بهذه السهولة، فالكروت التي بحوزة القاهرة من شبكة علاقات تاريخية، وقدرة على التأثير في مجريات الأمور في السودان لايمكن الاستهانة بها. على أمريكا أن تقرأ التاريخ جيدا، وتدقق في سياستها الرامية لعزل مصر عن الملف السوداني. هذا هو جوهر الرسالة. ليس مسموحا ولا مقبولا أن تلعب تشاد والدوحة أدوارا مركزية في قضايا السودان، وتغيب مصر.!!
السودان بالنسبة لمصر ليس أرضا بلقعا، مسموحا اللعب بفنائها دون ضوابط، فلا الجغرافيا ولا التاريخ، ولا المصالح تسمح بعزل السودان عن مصر، كما تسعى السياسة الأمريكية. السودان ليس ملفا أمنيا، بل هو ملف سياسي بالدرجة الأولى، وملف سياسي تملك القاهرة فيه مفاتيح لعب أخطر مما تملكه أمريكا وكل دول الجوار، فالدور المصري يجد ترحيبا من كافة القوى السياسية الحاكمة والمعارضة، وماينقص الدبلوماسية المصرية تجاه السودان هو الفعالية. الدبلوماسية النائمة والغافلة عن عمقها الاستراتيجي المهدد بالتتشظي تصحو الآن على وقع حوافر الخيول الأمريكية تتجاوزها، وتغزو عمقها سياسيا واستراتيجيا. مصر ماذا ستفعل الآن؟ هذا ما ستجيب عليه الدبلوماسية المصرية في هذا الهزيع الأخير من الأزمة التي تكاد تعصف بالسودان ووحدته.!! إذا تلكّأت مصر فسترى خيول الأمريكان وإسرائيل تستبيح عمقها، كما استباحت من قبل خيول نابليون ساحة الأزهر.