مصيبة اهل السودان أنهم ليسوا على قلب رجل واحد

 


 

 

هل سأل السودانيون أنفسهم يوما... لماذا يسهل للعسكريتاريا الاستيلاء على الحكم؟ ولماذا لا تستطيع الأحزاب الثبات على كراسي الحكم وسرعان ما تدب الخلافات بينهم... ولماذا في السودان الحكم في وادي والشعب في وادٍ آخر... فالى متى لعبة العسكر والحرامية بين العسكر والاحزاب؟ فهؤلاء قد إستمرأوا لعبة الكراسي منذ فجر الاستقلال وبنفس عقلية أسلافهم دون تغيير حتى... نفس النمط ونفس التفكير في القفز على السلطة فكأنما التاريخ وقف عند الاستقلال وبدأ يعيد نفسه بذات الطريقة التي بدأ بها لأول مرة فالذي لا يستطيع أن يتحكم في حزبه ويجدد دماءه لا يمكن أن يحكم شعبا مختلف الثقافات والاعراق فهذه من البديهيات أو أبجديات الحكم... فالاثنان (العسكر والأحزاب) قد أثبتا فشلهما في حكم السودان ولا يمكن لهذا الشعب ان يرضى بهما إلا أن تنفجر من ركامهما دماء جديدة بافكار نيرة لخلق سودان جديد معافى من كل السوالب الاجتماعية والسياسية والثقافية الماضية...
فطيلة السنوات الثلاثين العجاف أفرغ نظام المؤتمر الوطني المدارس من محتواها الأكاديمي والوطني فاتجه بالطلاب لمعسكرات الجيش الشعبي لتفريخ كوادره من هناك وكان المعيار الوحيد لتسنم الوظيفة هو الولاء وليست الكفاءة فالشباب اليوم بغض النظر عن حماسهم وثوريتهم التي لا يختلف حولها إثنان، إلا أنهم يفتقدون بل ويفتقرون الى الخبرة والوعي الكافي بالإضافة الى الاحزاب التي تبحث لها عن موطئ قدم وسط هذه المعمعه لاقتسام السلطة والثروة فالسودان منذ نيله للاستقلال أصبح كالبقر الحلوب ... فالذي يأتي للحكم يأتي لكي يغرف من الذي يليه فهو يعلم في قرارة نفسه أن أغلبية الشعب السوداني ليسوا على قلب رجل واحد وهم مختلفين في كل شئ تقريبا، لذا فمن السهل الولوغ في المال العام فمن أمن العقاب أساء الأدب فهذا بالضبط الحاصل في السودان الآن من قبل من بفترض أنهم مسئولين ... فالآن من ينظر الى هذا الوضع في السودان يتيقن أن من يحكمون السودان الآن هم مجموعة عصابات إنتهازية، فالذي يجمعهم هو الانتهازية وجمع المال ليفترقوا في حب الوطن وخدمة الشعب الذي جعلوه مطية لاغراضهم ومآربهم الوضيعه... فلطالما يجمعون المال ويكنزون الذهب من شركات المعادن المنتشرة على ربوع الوطن ويتطاولون في البنيان وكأنما لسان حالهم يقول فليذهب الشعب الى الجحيم ولكن هؤلاء لا يتورعون في بيع الكلام على الهؤاء مباشرة مثلما كان يفعل النظام المباد ولكن ما تهم المواطن ليست الأقوال بقدر ما هي الافعال وتصرفاتهم على ارض الواقع وعلى الشعب أن يعي بآذان صاغية كيف يتصرفون لا عن ماذا يقولون فما أسهل رمي اكلام على عواهنه...
مصيبة أهل السودان أنهم ليسوا على قلب رجل واحد... كلٌ يغني على ليلاه... فالانتهازيون سواء كانوا من العسكر أو المدنيين يتخذون من تفرقكم واختلافاتكم قوة وهم أضعف مما تظنون بهم... فقد رأيتم بأم أعينكم كيف يجتمع الأضداد في السودان بكل سهولة من أجل المال والسلطة فإذن كيف نفسر أعداء الأمس وقد أصبحوا أصدقاء اليوم... فمن كان يصدق أن حركات دارفور المسلحة تضع يدها في يد حفنة من نظام المؤتمر الوطني ويصوبون أسلحتهم ضد الشعب الذي انتفض لحريته... أوَليس هم من كانوا يحاربون نظام المؤتمر الوطني، فالآن أكثر من 50% من كوادر المؤتمر الوطني يتحكمون في مصير البلاد والعباد... فهؤلاء يعلمون أن أغلبية الشعب السوداني متفقين على أن لا يتفقوا، لذا فقد اتخذوا من هذه البديهية لكي يعيثوا في ارض السودان فسادا ولكن إذا اجتمع هذا الشعب ولو للحظه من اجل هذا السودان فهؤلاء العُصبة سيتفرقون أيدي سبأ ....
ألم تسمعوا بقول المهلّب بن أبي صفرة الأزدي وهو أحد ولاة الأمويين على خراسان وقد عينه الحجاج بن يوسف الثقفي عاملا على خراسان ويروى أنه حين حضره الموت استدعى أولاده السبعه وأمرهم باحضار رماحهم مجتمعة فطلب منهم أن يكسروها فعجزوا عن كسرها ثم فرقها واعطى لكل واحد منهم رمحه وطلب منهم ان يكسروها ففعلوا ذلك بكل سهولة ويسر وحينئذ قال لهم ان مثلكم مثل هذه الرماح فاذا اجتمعتم لا يستطيع الاعداء النيل منكم واذا اختلفتم وتفرقتم فمثلكم مثل هذه الرماح التي تسهل كسرها إذا تفرقت فانشد يقول هذه الابيات التي صارت مثلا تتناقلها الاجيال جيلا بعد جيل :
كونوا جميعاً يا بنيّ إذا اعترى خطبٌ ولا تتفرقوا آفرادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسُّراً وإذا افترقنَ تكسّرت آحادا

sabryhilal67@gmail.com
//////////////////////////

 

آراء