مفاوضات الدوحة للسلام الضرورة والتحديات (2) … بقلم: حـــاج علي

 


 

حاج علي
17 February, 2009

 

hajalijuma@yahoo.com

" الإعلام المضاد "
ناقشنا في الحلقة الأولى من هذه السلسلة الضرورة التي حتمت على حركة العدل والمساواة الجلوس إلى طاولة التفاوض التي تجري فعالياتها الآن بالدوحة وذكرنا أنه إذا كانت للحرب آلامها وتبعاتها فإنَّ للسلام أيضاً تبعاته وتحدياته , كما وعدنا بأننا سوف نناقش تلك التحديات التي حصرناها في ثلاثة محاور هي : الإعلام المضاد , الانفلات الأمني المصاحب , وتداعيات المحكمة الجنائية الدولية , و في هذا المقال سوف نواصل طرح رؤيتنا حول الزخم الإعلامي المصاحب لسير المفاوضات الآن وتأثيراته المرحلية والمستقبلية , من البديهي بمكان أن يكتنف أي حدث عالمي أو إقليمي مؤثر حملة صاخبة من الإعلام ـ بشتى وسائله ـ له وعليه نعني مع ذلك الحدث دعماً وتعضيداً أو عليه نقداً مؤثراً إيجاباً حيناً وسلباً أحياناً أُخرى إلى مرحلةٍ تصل لدرجة التطفيف والبخس بالأشياء ! , أنفذ من هذه المقدمة إلى صلب الموضوع الذي نحن بصدد مناقشته على أنني أيضاً سأمهد لذلك بالديباجة الآتية : " من حق حركة العدل والمساواة أو أي من الحركات المقاتلة  الأخرى أن تنحى المنحى الذي تراه مادام ذلك النهج يحقق لها مكاسب سياسية أو عسكرية أو الاثنان معاً ومادام يحقن الدماء ولا يمس بالتالي بجوهر القضايا التي يناضل من أجلها الآخرين أو يحط من قاماتهم الطبيعية " , المتتبع لما يجري في وسائل الإعلام وعلى وجه الخصوص المكتوب منه سواء أن كانت الصحافة الورقية أو شبكة الانترنت قبيل انطلاق مفاوضات الدوحة وأثناء انعقادها ـ الآن ـ يمكنه الخروج بالعديد من سياط النقد التي وجهت لحركة العدل والمساواة ولقيادتها بما انتهجته من أسلوب لحل أزمة دارفور حسبما يزعم أولئك القادة , على الرغم من أنَّ الكتابات التي دونتها  أقلام متباينة منها الهاوي ومنها المحترف ومنها المحايد ومنها المنتمي إلا أنها جميعاً قد لامست محاور متقاربة إن لم نقل متحدة يمكننا إجمالها في النقاط التالية ( علماً بأننا نتحدث عن تلك الأقلام التي تكتب في مواجهة الحركة ورؤيتها ) : أولاً : مهاجرية : معظم الذين كتبوا عن هذا الحدث وصفوا ما تم بأنه مسرحية محكمة الإخراج بين حركة العدل والمساواة ومليشيات و جيش المؤتمر الوطني لأجل إضعاف جهات بعينها..(؟) , النقطة الثانية : وصفت تلك الأقلام بأن ما يحدث في الدوحة ما هو إلا صفقة أعدت مسبقاً بين المؤتمر الوطني وحركة العدل والمساواة لتحقيق أهداف بعينها منها إطلاق سراح المعتقلين في أحداث العاشر من مايو , النقطة الثالثة : ذهبت تلك الأقلام إلي وصف ما يحدث من مفاوضات سلام ما هو إلا مؤتمر لتوحيد شقي الحركة الإسلامية , النقطة الرابعة والأخيرة : ذهبت بعض الرؤى إلي أن ما قامت به حركة العدل والمساواة سيترك آثاره السالبة من الناحية الإستراتيجية على القضايا الأساسية التي يناضل من أجلها أهل الهامش وعلى وجه الخصوص أبناء دارفور , ولعلنا قبل أن نقوم بتفصيل رؤيتنا بشكل أكثر وضوحاً نود أن ننوه بأننا لم نورِد هذه النقاط في هذا المقال بقصد الرد عليها حيث من هو أجدر بالرد ودفع التهم هو الناطق الإعلامي للعدل والمساواة , وحيث أننا نتأثر بما يجري سلباً إذا كان سالباً وإيجاباً إذا موضوعياً وفاعلاً كان لزاماً على قادة الحركة من الاستماع لما يدور بقلبٍ مفتوحٍ وعينٍ مبصرة التزاما منهم تجاه جماهيرهم وأهل الهامش الذين رفعوا السلاح من أجلهم , من جانبنا نحن على يقين بأنَّ حركة العدل والمساواة حركة مؤسسية تتكئُ على إرث نظري متميز مقارنة بالحركات الأخرى دون التقليل بقدر أي منها , الأمر الذي يؤهلها ـ أي العدل والمساواة ـ من لعب دور فاعل ومؤثر في إعادة صياغة الخارطة الجيوسياسية السودانية على أنّ ذلك يقتضي أن تصيخ السمع للأصوات الدار فورية الأخرى والتي أحسب أنَّ لها رجاحة العقل وعمق الفكرة رغم اختلاف الانتماء : وسأورد هنا بعض النماذج لتلك الأقلام التي أشرتُ إليها :
النموذج الأول : الأستاذ/ عبد الجبار دوسة : كتب الأستاذ عبد الجبار دوسة مقالاً بعنوان : " مفاوضات قطر ـ بذور الفشل " جاء المقال طويلاً في تسع صفحاتٍ تقريباً وعلى الرغم من أنَّه قد يبدو للقارئ بأن المقال مثبطاً للهمة أو محبطاً إلا أنَّ الواقع خلاف ذلك تماماً فقد أنتقد الرجل ما رأى أنه يستحق الانتقاد بموضوعية وأنصف بكل شجاعة حين كان الإنصاف مستحق وأحسب أنَّ تلك فضيلة كان حقيق بأن تنسب إليه , جاء في ذلك المقال الفقرة التالية : { ثقافة العمل الإستراتيجي لم تجد طريقها إلي عقول قيادات حركات دارفور بما يجعلها توغر وتستقر ثباتاً , بل تغشاهم أحياناً وتغيب عنهم كثيراً , فبينما يؤثرون التباري على استصغار بعضهم وحركاتهم ساعتين , يستأسدون على من يحبس حقوق دارفور عنهم دقيقتين } , هذا جزء مما جاء في المقال وغيره الكثير من الفقرات الناقدة يمكن الرجوع إليها , ونحن حينما نورِد هذه الفقرة هنا فليس بغرض التعريض أو الاستعراض وإنما نريد أن نقول كي يتطور الإنسان بما هو إنسان وخصوصاً الثوري الذي يحمل هموم شعبه وقضايا وطنه لابد له من مجهر دقيق يُمَكِنَه من الفحص المستمر عن كل عيوبه ومعرفتها والإسراع في علاجها , إذ أنَّ المنطق يحتم عليك وأنت تبني أمة وتخطط لمستقبلها أن ترسي الأساس وبشكل سليم من أول لبنة , وهنا أتجه مباشرة لقادة العدل والمساواة بالأسئلة التالية : هل جلست الحركة إلي قادة الحركات الدار فورية المقاتلة عندما أقدمت إلي مفاوضات الدوحة أم أن ذلك كان قراراً فردياً لا يحتمل الاستشارة ؟ هل أحاطت الحركة المفكرين الأحرار والأكاديميين من أبناء دار فور وما أكثرهم , علماً بما تنوي القيام به ؟ ذكرت في مقدمة هذا المقال أنَّ حركة العدل والمساواة حركة مؤسسية وأؤكد ذلك مرات ومرات لكنني أحسب أنها تحتاج وبشكل عاجل ـ اليوم قبل الغد ـ أنَّ تشكل جسماً موازياً ومن أميز مفكريها بالتحرك السريع وسط جميع الحركات الأخرى والشخصيات الدار فورية المؤثرة سياسياً وفكرياً وإدارةً أهليةً وجميع القطاعات الحيوية الأخرى , لبلورة رؤيتها للسلام إذ أن السلام سيمفونية متكاملة الأوركسترا وليست عزفاً منفرداً , وإلا فأنني أحسب أن هنالك تحدياً كبيراً سيواجه الحركة والذي قد بدأت نُذره تلوحُ في الأفق بهذه الحملة الإعلامية التي نحن بصدد تسليط الضوء عليها في هذا المقال .
النموذج الثاني : وهو ما كتبه الأستاذ / عبد العزيز سام في أول فبراير الجاري وقبيل انطلاق مفاوضات الدوحة ببضع أيام , حيث طرح الأستاذ عبد العزيز سام عدة تساؤلات في مقالة المنشور تحت عنوان " المبادرة القطرية : سيناريوهات محتملة ( 1) " , جاءت التساؤلات التي طرحها الرجل معبرةً عن خبرة إرث نضالي يستحق التوقف عنده مهما كانت أوجه الاختلاف والخلاف حسب رأينا , بيد أننا سنكتفي هنا باقتباس تساؤلين فقط من أطروحاته العديدة و المتنوعة التي بذلها في المقال المذكور , التساؤل الأول : { ما موقع اتفاق سلام دارفور 2006 ـ أبوجا ـ والحركة الموقعة عليه في هذه العملية السلمية التكميلية ؟ وكيف يتم تكيفيه ودمجه في محصلة العملية السلمية الشاملة في مرحلة التنفيذ ؟؟ } , هذا ما جاء في المقال المذكور وبرغم علمنا من موقع حركة العدل والمساواة من اتفاق أبوجا وبرغم علمنا أيضاً بما يعانيه اتفاق أبوجا من تعثرات داخلياً من حيث مماطلة حزب المؤتمر الوطني وخارجياً من حيث نكوص الممولين بوعودهم تجاه الإتفاق إلا أننا على يقين بأن ما تم في أبوجا يعدُ مكسباً كان يمكن البناء عليه , وبالتالي فإننا نلتمس الأستاذ سام عذراً ونطرح ذات السؤال لقادة حركة العدل والمساواة : أين أبوجا ؟ , في اعتقادنا أن حركة العدل والمساواة أمامها لحظة تاريخية لا نقول أنها لن تتكرر ولكن نحسب أنها الأنسب لتحقيق مكتسبات أخفق الكثيرون تاريخياً في إنجازها بشرط واحد هو أن لا يتم إهدار ما تم بناءه بأيدٍ دار فورية خالصة وأنَّ حركة العدل والمساواة نفسها كانت شريكاً فيه و في جُلِ مراحله !! , السؤال الثاني الذي سنقتبسه من مقال الأستاذ سام : { ما هي آليات وضمانات تنفيذ أي اتفاق قد يصل إليه الأطراف في قطر أو غيرها من مدن العالم ؟ } , هذا ما ورد بحرفه في المقال المشار إليه , وبدورنا نتبعه بالتساؤلات التالية : أليست العقلية نفسها التي وقعت اتفاق أبوجا هي التي ستوقع اتفاق الدوحة ؟ نعني بالطبع حزب المؤتمر الوطني , أليست الحركات المقاتلة في فيافي دارفور برغم قلة إمكاناتها هي الأكثر حرصاً على مصالح أهلها من نخبٍ سامتها سوء العذاب ؟ والسؤال الأخير الذي نطرحه : هل قرأت العدل والمساواة ما ستتكشف عنه الأيام القادمة أي بعد أن يتضح موقف المحكمة الجنائية وما يستتبع ذلك من سيناريوهات سوف يمارسها المؤتمر الوطني ؟ في رأينا أن هذه كلها أسئلة مشروعة والأبواب أمامها مشرعة أي أنها محتملة الحدوث فضلاً عما سيصاحب ذلك من انفلات أمني سيكون نصيب دارفور منه وللأسف وافراً وأليماً , هذا ما سنناقشه إن شاء الله في الحلقة الثالثة والأخيرة من سلسلتنا هذه... نواصِّل ..
hajalijuma@yahoo.com
حـــاج علي
Tuesday, February 17, 2009  

 

آراء