من الذي سيحكم السودان بعد الحرب؟

 


 

 

زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن الأسئلة الصعبة التي دائما تطرح في ظل الأزمات الكبيرة و الحروب، و التي يراد بها استشراف المستقبل، لا تجاوب بشعارات و هتافات، أو عبر عواطف الانتماءات الحزبية و المناطقية و الإثنية الضيقة، و التي تحد من عملية التفكير السليم، و الإجابة يجب أن تؤسس على عملية الرصد و البحث العلمي للمجتمع، و معرفة الميكانيزمات المحركة للقوى الفاعلة في المجتمع، و معرفة توازن القوى فيه و دراسة التحالفات التي تؤسس داخله، إذا كان بين الأحزاب و المكونات الاجتماعية التقليدية، أو بين القوى الحديثة و القوى الشبابية في المجتمع.. خاصة أن الحرب غيرت كثيرا في طبيعة التحالفات التي كانت قد ظهرت أثناء و بعد ثورة ديسمبر2018م، و هذه التغييرات بالضرورة سوف يكون لها أثرا كبيرا في عملية الحكم في البلاد، و أيضا بروز القيادات الجديدة التي تتطلبها المرحلة..
قبل الحرب و بعد الحرب؛ كان الخطاب السياسي يتغير باستمرار وفقا لعمليات الاستقطاب الجارية في البلاد، حيث كان الاصطفاف واضحا و معلوما، و أيضا كانت تتغير الأجندة وفقا للموقف العملياتي.. في اليوم الأول للحرب كانت الميليشيا تطالب بإعتقال أو قتل البرهان.. و عندما فشلت في ذلك، و تم تدمير مراكزها الرئيسية للسيطرة، عندها تغيرت أجندتها إلي الدعوة إلي تصفية " الكيزان و الفلول" و عندما ضربت أغلبية قياداتها المؤثرة في الميدان، بدأ خطابها ينادي بالتفاوض.. هذه المتغيرات في أجندة الميليشيا حدثت وفقا للتغييرات الحادثة في ميدان القتال.. و حتى الجيش في البداية كان لا يرفض عملية التفاوض عبر منبر جدة، و لا دعوات لإيغاد و الاتحادي الأفريقي، باعتبار أن المؤامرة على البلاد كانت كبيرة، و من أغلبية دول الجوار ماعدا دولتين، و حتى وصلت المؤامرة إلي المنظمان مثل الاتحاد الأفريقي و الإيغاد، و كانت البعثة الأممية و أمريكا و الاتحاد الأوروبي يريدون رفع قوى " الإتفاق الإطاري" للسلطة عبر التفاوض و تسوية تعيد أجندة ما قبل 15 إبريل.. لكن الاستقبال الذي كان يجده قائد الجيش ثم القيادات الأخرى من عامة الناس في العديد من الولايات، و هي التي غيرت أجندة الجيش الذي جمد عضويته في الإيغاد و بدأ يعلو صوت الرفض للتفاوض إلا وفق شروط..
طول فترة الحرب كشف عن ضعف أداء قيادات الأحزاب في إدارة الأزمة، و اسرعت الدول التي كانت في الرباعية و الثلاثية إلي جانب الاتحاد الأوروبي أن تحدث تغييرا في القيادات و جاءت بفكرة " تقدم" من الخارجية الأمريكية الأمر الذي جعل القيادات السياسية تفسح مواقع القيادات لعناصر مستقلة هي التي تقود العملية السياسية، و كانت ترفض توسيع قاعدتها و تضع شروطا كأنها هي التي تشرف لوحدها على العملية السياسية، و عندما رفض الجيش كل الدعوات للذهاب للتفاوض، كان لابد أن تغير " تقدم" إستراتيجيتها و تسمح لنفسها الجلوس مع الكتلة الديمقراطية و عدد من المكونات السياسية الأخرى و الذي حدث في مؤتمر القاهرة.. و حاولت تقدم أن تضع شروطا لحوار أديس أبابا الذي دعا إليه الاتحاد الأفريقي لكنه لم يقبل الشروط و تم عقد الحوار.. و حتى السفير نور الدين ساتي الذي كان أحد العناصر المؤسسة لتقدم و قدم استقالته حضر مؤتمر أديس أبابا بتوصية من وزارة الخارجية الأمريكية.. و معلوم أن بيان إعلان مباديء القوى المدنية الذي بموجبه كونت " تقدم" كان أيضا تحت رعاية وزارة الخارجية الأمريكية مسؤولة عنه " مولي في" أن إدارة الفعل السياسي الذي تقوده " تقدم" هو أدى إلي تغيير القيادات السياسية و أيضا تغيرت فيه الأجندة،
أن الخطاب السياسي للميليشيا بدأت تخفت حدته، و حتى إعلام الميليشيا الذي كان يصدر عشرات البوسترات و الفيديوهات في اليوم الواحد بدأ الإنتاج يضعف بسبب ما يحدث في مسرح العمليات.. و الغريب أن القيادات السياسية و المدنية خارج السودان تعتقد أنها وحدها يجب أن تدير العملية السياسية، و نسيت أن الحرب داخل السودان سوف تؤدي إلي بروز قيادات من المستنفرين و المقاومة الشعبية في القرى و المدن، و هؤلاء سوف بتظهر وسطهم قيادات فاعلة و مؤثرة بقوة في محيطها، الاجتماعي، و هم الذين سوف يشكلون ملامح المستقبل في البلاد.. و القوات المسلحة لن تكون بعيدة عن مفاصل الحكم العشرة سنوات القادمة.. أن القيادات السياسية الجديدة التي سوف تبرز بعد وقف الحرب، أغلبيتها سوف تكون من الشباب الذين حملوا السلاح و قاتلوا مع القوات المسلحة و القوات النظامية الأخرى، و هؤلاء سوف يشكلون تناغما تفرضه روح الرفقة القتالية في الحرب بينهم، و الثقة التي نتج داخل ميادين القتال.. أن بندقية الحرب ضد المرتزقة و العملاء سوف تصنع أعلى درجات الوعي السياسي عند هؤلاء الشباب..
أن الشباب الذين ذهبوا طوعا لتقديم أرواحهم فداء من أجل الوطن سوف يكونوا أحرص الناس على سلامته، و سلامة شعبه، و بعيدا عن الوقوع في مستنقع العمالة للخارج أو خدمة جندته، أن هؤلاء الشباب سوف يجسدون الوحدة الوطنية في أرقي مراتبها، و طلقات البنادق و دانات المدافع و رائحة الدم سوف تسقط عن كاهلهم كل الثقافات المعيقة و البالية " العنصرية و المناطقية و الأثنية و العروبية و الأفريقانية" هؤلاء قاتلوا كل بجانب الأخر يحميه ببندقيته و يفتديه بروحه، هذه هي الثقافة التي كانت غائبة في السودان، و هؤلاء هم الذين سوف يحكمون السودان، و يشكلون ملامح مستقبله، و لن يكون لهم منازعة مع المؤسسة العسكرية بل عمل كامل في تناغم من أجل رفعة السودان.. نسأل الله التوفيق و حسن البصيرة...

zainsalih@hotmail.com

 

آراء