من تاريخ الختمية: مقتطفات من كتاب “قاموس السودان التاريخي .. كتب: بدر الدين حامد الهاشمي
من تاريخ الختمية
مقتطفات من كتاب "قاموس السودان التاريخي " Historical Dictionary of the Sudan
نشرت بعض سطور مختصرة عن تاريخ الختمية /الميرغنية والسيد علي الميرغني وآخرين من قادة هذه الطائفة الدينية في كتاب عنوانه "قاموس السودان التاريخي" قام بتأليفه ريتشارد لوبان وروبرت كرامر وكارولين فلور لوبان، وصدر عام 2002م من دار نشر سكير كرو في الولايات المتحدة. لا ريب أن القاموس موجه في الأساس للغربيين وغيرهم ممن لهم اهتمام بتاريخ السودان، بيد أني رأيت أن أنقل هنا بعض ما جاء في ذلك القاموس الغربي المختصر تعميما للفائدة، وربما للمقارنة بما هو متداول أو معروف أو مسجل في الأدبيات المكتوبة بأقلام سودانية عربية، وهو بالطبع شديد الاختلاف والتباين لأسباب معلومة.
1. عائلة الميرغني
عائلة الميرغني هي عائلة بارزة ذات نفوذ وتأثير ديني عظيم في السودان. سكنت تلك العائلة في القرن الثامن عشر في مكة وكانت من العائلات التي يعترف بأن نسبها يمتد للرسول محمد. أدخل مؤسس العائلة السيد محمد عثمان الميرغني (1793 – 1853م) والذي كان طالبا عند أحمد بن إدريس (والذي ولد في المغرب وعاش بين عامي 1750 – 1837م وكان له طلاب ومريدون كثر) الطريقة الختمية ونشرها في زيارة له للسودان عند قرب نهاية سلطنة الفونج في حوالي 1817 – 1821م واقترن في تلك السنوات بإمرأة سودانية أنجب منها ابنه الحسن (والذي عاش بين 1819 – 1869م). عاد السيد الحسن للسودان حيث استقر هو وعائلته وأسس الطريقة الختمية/ الميرغنية، والتي كان لها فروع في الجزيرة العربية ومصر وأرتريا. (مما لم يرد ذكره في القاموس هو أن السيد الحسن معروف عند مريديه بأنه "راجل كسلا" أو "الحسن أبو جلابية"، وتفسير "الجلابية" هنا هو أن بعض الروايات التي تقدس السيد الحسن تذهب إلى أنه ولد بجلابية مضيئة لا تتسخ ولا تضيق وإنما تنمو مع نموه الجسماني، ولذلك يقولون "ابو جلابية نور ابو جدا الرسول". الشكر موصول للصديق الذي أفادنا بهذه المعلومة. الكاتب).
كان مراغنة السودان على صلة وثيقة بالحكم المصري – التركي في السودان، ويكنون عداوة شديدة للمهدي والمهدية. لعب محمد عثمان بن الحسن (1848 – 1886م) دورا مهما في الوساطات والتنظيم، وتوفي بالقاهرة بعد أن قاد مقاومة لم تكلل بالنجاح ضد الحكم المهدوي في مناطق وادي النيل وكسلا. عاش ولداه أحمد (1877 – 1928م) وعلي (1878 – 1968م) خارج السودان حتى دخلت القوات البريطانية المصرية السودان (وأطاحت بالحكم المهدوي). (مما لم يذكره القاموس أن أحمد محمد عثمان بن الحسن ربما كان يعيش في السودان إبان حكم المهدية. الكاتب).
شارك عدد من أفراد عائلة الميرغني بأفرعها الكثيرة في إدارة شئون البلاد الدينية والسياسية في غضون سنوات القرن العشرين، وأجمع كلهم على رفض اعادة "المهدية" وبقاء أي أثر أو تأثير لها بأي صورة من الصور. من أجل ذلك تعاونوا في البدء مع البريطانيين ثم تحولوا عنهم لتأييد مصر، ربما بسبب تخوفهم وتشككهم في نوايا بريطانيا وتعاونها مع السيد عبد الرحمن المهدي، وخشيتهم من أن يكون ذلك التعاون مقدمة لدولة مهدية جديدة. ساند المراغنة الأحزاب التي تدعو لوحدة وادي النيل. ساعد محمد عثمان بن أحمد (ابن أخ السيد علي الميرغني) الجبهة الوطنية (وهي مجموعة سياسية تكونت في عام 1949م من الختمية بمباركة السيد علي الميرغني، كان تعارض مواقف حزب الأشقاء المتشددة المنادية بإتحاد كامل مع مصر) وعرف بمساندته للحزب الوطني الاتحادي الذي تكون في عام 1956م. كان للمراغنة بعض النفوذ أثناء حكم نظام إبراهيم عبود العسكري (1958 – 1964م)، وفي سنوات حكم الأحزاب التي تلته (1964 – 1969م) أيضا.
عقب وفاة السيد علي الميرغني في 1968م خلفه ولده محمد عثمان (1936م - ) في قيادة العائلة ورعاية الطريقة الختمية. تعاونت العائلة والطائفة الختمية مع نظام جعفر نميري العسكري الذي أتى مع انقلاب مايو 1969م، ثم عادت أيضا لتلعب دورا في الحياة السياسية في الفترة الديمقراطية بين 1986 – 1989م.
2. علي الميرغني (1878 – 1968م)
السيد علي محمد عثمان الميرغني من أبرز القادة الدينيين والسياسيين في السودان خلال القرن العشرين، ومن عائلة الميرغني وراعي طائفة الختمية التي تتسيد السياسة والاقتصاد في شرق السودان. عاش في القاهرة إبان الحكم المهدوي للسودان، وكان من أشد المناؤين له. كان كذلك، ولعقود طويلة، منافسا صلدا للسيد عبد الرحمن المهدي، وسبق له أن تعاون مع البريطانيين في حملة "استعادة" السودان بواسطة الجيش البريطاني- المصري في بدايات القرن العشرين، وكان البريطانيون يعدونه "المتحدث الرئيس" باسم السودانيين ولسان حال الرأي العام في البلاد. ظل منافسا للسيد عبد الرحمن المهدي في مؤتمر الخريجيين في الثلاثينيات والأربعينيات، ومن خلال صحيفة الختمية "صوت السودان"، وفي الانتخابات، وفي السعي لنيل الاستقلال في سنوات الأربعينيات والخمسينيات. دفعه كل ذلك للتعاطف مع مصر والوحدة معها، على النقيض من موقف المهدويين الذين كانوا يؤثرون الاستقلال التام. ربما كان السيد علي الميرغني لا يقل وطنية (وحبا في استقلال السودان عن مصر وبريطانيا) عن السيد عبد الرحمن المهدي، بيد أن خشيته من عودة المهدية من جديد في السودان ظلت ملازمة له، لذا سعى للتحالف مع مصر، إذ أنها كانت تشاركه ذات المخاوف من احتمال عودة المهدية لحكم السودان.
كان البريطانيون يتخوفون أيضا من احتمال عودة المهدية لحكم السودان من جديد، ويؤيدون موقف الميرغني في هذا الصدد، بيد أن خشيتهم من "وحدة وادي النيل" كانت أكبر، لذا صاروا من المؤيدين لرأي السيد عبد الرحمن المهدي في أمر استقلال السودان عن دولتي الحكم الثنائي. عندما قويت شوكة المهدويين في مؤتمر الخريجيين وأحرزوا نجاحا كبيرا في انتخاباته عام 1943م، أيد الختمية بصورة تكتيكية جناحا صغيرا في المؤتمر هو "حزب الأشقاء" في عام 1944م لإضعاف أنصار السيد عبد الرحمن المهدي في المجلس الاستشاري لشمال السودان (الذي أنشأه البريطانيون بين عامي 1944 – 1948م، ثم تم حله وأتت مكانه "الجمعية التشريعية). لا ريب أن انقسامات مثقفي السودان على أساس طائفي كانت ذات فائدة عظيمة للإدارة البريطانية.
في سنوات الحرب العالمية الثانية وقف السيد علي الميرغني مساندا وداعما للأحزاب التي بدأت في الظهورمنادية بوحدة وادي النيل، مثل "الجبهة الوطنية " بين عامي 1949 – 1952م، ثم الحزب الوطني الإتحادي، والذي نجح في كسب الانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 1953م بفضل التنسيق والتحالف السياسي بين المنادين بوحدة وادي النيل مع الختمية وغيرهم. وعلى الرغم من أن من تولى رئاسة الوزراء عقب تلك الانتخابات الأولى كان من حزب الأشقاء، إلا أن "الحزب الوطني الإتحادي" ظل هو المتسيد للمشهد السياسي في البلاد، وظل للسيد علي الميرغني كبير الأثر في الحياة السياسية وفي مواقف حزب الأشقاء وزعيمهم إسماعيل الأزهري. في عام 1956م إنشق بعض الختمية عن حزب الأشقاء وكونوا حزبا جديدا هو "حزب الشعب الديمقراطي" ونجح التحالف بين ذلك الحزب الجديد وحزب الأمة (المسنود من السيد عبد الرحمن المهدي) في إسقاط حكومة إسماعيل الأزهري.
بعد إنقلاب إبراهيم عبود العسكري في 17 نوفمبر 1958م حلت الأحزاب السياسية ومنعت من ممارسة أي نشاط، بيد أن السيد علي الميرغني ظل محتفظا ببعض النفوذ السياسي خلال حكم عبود، ربما بسبب اتجاهات وتعاطف بعض قادة ذلك الانقلاب مع طائفة الختمية.
لما قامت ثورة أكتوبر عام 1964م كانت صحة السيد علي قد أقعدته عن المشاركة المباشرة في مجريات الأحداث السياسية، بيد أن نفوذه في ما جرى (أو لم يجر) في انتخابات عام 1965م كان واضحا. في عام 1967م أعلن عن اندماج الحزب الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي في حزب جديد أطلق عليه "الحزب الإتحادي الديمقراطي".
توفي السيد علي الميرغني في عام 1968م، أي بعد تسعة أعوام من وفاة منافسه اللدود السيد عبد الرحمن المهدي.
3. محمد عثمان بن أحمد الميرغني
هو أحد أفراد عائلة الميرغني الذين لعبوا دورا كبيرا في إدارة شئون طائفة الختمية في كسلا (حيث مركز العائلة) بعد وفاة والده أحمد الميرغني في عام 1928م. لم يقم الرجل بدور سياسي وطني منفصل، إذ أنه كان من أتباع عمه السيد/ علي الميرغني، بيد أنه كان من النشطاء السياسيين في الأيام الباكرة للحزب الوطني، وكان من المؤسسين للجبهة الوطنية في عام 1949، وأصدر صحيفة مستقلة فيما بعد. تقاعد عن العمل العام في الخمسينيات لأسباب صحية ولخلافات كثيرة مع بعض الساسة من قادة الختمية.
badreldin ali [alibadreldin@hotmail.com]
///////////