مونديال قطر وخرفان القائد مناوي!

 


 

 

تداول الناشطون في منصات التواصل الإجتماعي خبراً مفاده أن القائد أركو مناوي "حاكم إقليم دارفور" قد تبرع بثلاثة آلاف خروف لضيوف مونديال كأس العالم المزمع إنطلاقه يوم 20 نوفمبر القادم في قطر، كدعم من دارفور!!.

من الوهلة الأولي إعتبرتُ أن الخبر لا يعدو أن يكون من إحدي "دسائس" السوشيال ميديا وصراع الخصوم السياسيين الذي لا يراعي أعراف وأدب الخلاف ، ولكن بعد أن وجدته في صفحة الجزيرة ومواقع إعلامية أخري، ولم أعثر على نفي أو توضيح من القائد مناوي أو حركته تأكد لي بأن الخبر صحيحاً وليس "مشتولاً" كما توهمت!.

ما كنتُ سأكتب عن هذا الموضوع إذا كانت هذه الخراف التي تبرع بها من مناوي، يدفع ثمنها من جيبه الخاص ، ولكن طالما هي "خزينة" المال العام فلابد أن أقول هذه الكلمة المقتضبة في بريد الرفيق القائد مني أركو مناوي.

هنالك أسئلة تُطرح حول هل استشار مناوي أهل دارفور المُتبرع باسمهم ووافقوا على ذلك ، أم هي تقديرات الحاكم كما يفعل سلاطين دارفور آنذاك ويرسلون الذهب والمعادن النفيسة لكسوة الكعبة رغم الإختلاف بين هذا وذاك ولكن كلاهما بالنسبة لي هو تبديد لأموال وموارد الشعب دون وجه حق!

وهل سوف يرسل هذه "المساهمة" كخراف حية أم لحوم مذبوحة أم وجبة جاهزة "حتي نستطيع تقدير التكلفة الإجمالية للمال العام المهدر"؟! ، وكيف سيتم توزيعها على هؤلاء "الضيوف" الذين قد يتجاوز عددهم المليون شخص، كوجبات من خلال الفنادق التي يقيمون فيها أم تُقدم كسندوتشات للمشجعين في المدرجات؟!

هل دولة قطر و"ضيوف المونديال" في حوجة إلى تلك الخراف، أم أن فكرة القائد مناوي تقوم على مقولة "قدِّم السبت عشان تلقي الأحد"؟!

كلما فكرت في أمر مساهمة "حاكم إقليم دارفور" لم أجد لها منطقاً أو مبرراً مقنعاً ومعقولاً، فلا أقول"هدية من لا يملك لمن لا يستحق" وحسب بل أتمعن في حالة التوهان وعدم الإتزان السياسي في تقدير الأمور!.

ذات القائد مناوي الذي كان قبل عام تقريباً يطالب العالم بمساعدة شعب دارفور ، حينما قال في فيديو مشهور:
" نرحب بيهم ونقول ليهم يا أخوانا تعالوا ، لكن ما تجونا فاضي ساكت، تعالونا بالقروش، تعالونا بالبُقج، تعالونا بالقُفف، عشان الناس ديل محتاجين دايرين يأكلوا يعني، عشان أنا ذاتي هسي يعني مسئول بتاع المنكوبين، وبالتالي أنا بشيل القفة وبقوم بشحد ليهم من العالم كلو...." إلى آخر حديثه!.

هل شبع منكوبي دارفور من الدخن والفتريتة ناهيك عن لحوم الضأن التى تتجود بها لضيوف المونديال الذين لا يحتاجون إلى خرافك هذه ، أن المونديال يا "حاكم إقليم دارفور "ليس مناسبة "عرس أو مآتم " يحتاج إلى "ختة" ، فهو حدث رياضي عالمي يُقام كل أربعة سنوات ، ويحضره ميسورو الحال من كل بقاع الدنيا ، فهو رفاهية ومآرب أخري ، ولم أسمع في حياتي بأن شخص قد سبقك إلى هذا الفعل غير المحسوب!.

إن كنت تنوي خلق عربون علاقة مع القطريين، فهنالك ألف طريقة وطريقة يمكن أن تقوم بها ، فدولة قطر وبغض عن النظر المآخذ على "مواقفها السابقة" الداعمة والمتماهية مع النظام البائد، إلا إنها لا تحتاج إلى مساعدة بثلاثة آلاف من الخراف!.

إن الموازنة العامة لدولة قطر للعام 2022م قد بلغت 204.3 مليار ريال (56.12 مليار دولار)، وأن صندوق الثروة السيادي "جهاز قطر للإستثمار" يحتل المرتبة التاسعة عالمياً بأصول تقدر ب 450 مليار دولار وفقاً لبيانات معهد صندوق الثروة السيادية "SWFI".

أما فيما يتعلق بتنظيم كأس العالم، فقد أوضحت البيانات التي جمعتها "Statista"، أن تكلفة كأس العالم في قطر هي الأغلى على الإطلاق، إذ ستبلغ التكلفة الإجمالية للبطولة حوالي 220 مليار دولار، وهو ما يتجاوز جميع التكاليف التاريخية للبطولة تقريباً، ويذكر أن تكاليف كأس العالم 2006 في ألمانيا، لم تتجاوز 4.3 مليار دولار!.

ووفقاً للإتحاد الدولي لكرة القدم، فإن تذاكر المباراة الإفتتاحية تتراواح ما بين 2250 ريال (618 دولار ) و 1100 ريال (302 دولار) للفئة الثالثة، في حين يبلغ سعر تذكرة الفئة الثانية 1600 ريال (439 دولار).

أما تذاكر دور المجموعات فأسعارها أقل، إذ يبلغ سعر تذكرة الدرجة الأولى 800 ريال (220 دولار)، وسعر الفئة الثانية 600 ريال (165 دولار)، أما الفئة الثالثة 250 ريال (69 دولار)، بينما أسعار التذتكر في دور الـ 16 تبدأ بـ 350 ريال (96 دولار) للفئة الثالثة و750 ريال (206 دولار ) للفئة الثانية و1000 ريال (275 دولار) للفئة الأولى.

أما أسعار تذاكر ربع النهائي، تبدأ بـ 750 ريال (206 دولار) للفئة الثالثة، و 1050 ريال (288 دولار) للفئة الثانية، و 1550 ريال (426 دولار) للفئة الأولى.

بينما أسعار تذاكر نصف النهائي تبدأ بـ 1300 ريال (357 دولار) للفئة الثالثة، وتبلغ أسعار الفئة الثانية 2400 ريال (659 دولار )، و 3480 ريال (956 دولار) للفئة الأولى.

أما أسعار تذاكر المباراة النهائية تبلغ 1600 دولار للفئة الأولى، و 933 دولار للفئة الثانية، وحوالي 604 دولار للفئة الثالثة.

أما فيما يتعلق بالحجز والفنادق ، فبموجب القرار الوزاري القطري رقم 46 لسنة 2021 الذي نشر بالجريدة الرسمية، فيما يتعلق بأسعار حجز الفنادق، فقد وضع حداً أقصى لليلة الواحدة للشقق الفندقية العادية 464 ريالاً، والشقق الفندقية الفاخرة العادية 537 ريالاً، والشقق الفندقية الفاخرة المميزة 1222 ريالاً.

كما حدد أجرة الغرفة "ستاندرد" في الفنادق من فئتي نجمتين ونجمة واحدة 296 ريالاً، وفي الفنادق من فئة 4 نجوم عادي 482 ريالاً، وأجرة الغرفة في الفنادق من فئة 4 نجوم مميز 886 ريالاً، و911 ريالاً الحد الأقصى للغرفة في الفنادق من فئة 5 نجوم عادي و1488 ريالاً في الفنادق من فئة 5 نجوم مميز، وفي والفنادق من فئة 5 نجوم فاخرة يصل الحد الأقصى للغرفة إلى 2133 ريالاً، وفي المنتجعات المستقلة من فئة 5 نجوم إلى 2801 ريال.
إذا كان "ضيوف الرحمن" يدفعون كل هذه التكاليف الباهظة لحضور نهائيات كأس العالم من حر أموالهم ، فهل يحتاجون إلى عطية من "حاكم المنكوبين"؟!

ألم يكن أحق بهذه الخراف النازحين واللاجئين الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ، وأجسادهم مرضي ومنهكة وبطونهم خاوية إلا من القليل الذي تجود به المنظمات الإنسانية الدولية؟
ألم يكن يكن أحق بثمن هذه الخراف، أولئك التلاميذ الذين يجلسون على الأرض تحت ظلال الأشجار والمباني المتهالكة؟؟

ألم يكن أحق بها أولئك المرضي التعابي الذين تضج بهم جنبات مستشفيات دارفور ناهيك عن السودان الكبير ، وهم يحتاجون ل"حقنة بنسلين أو حبة كلوركين أو دِرِب جلكوز"؟!

ألم يكن أحق بهذه "الإكرأمية الشوفونية" أولئك الذين إجتاحتهم السيول والفيضانات ، وهم "يفترشون الماء وينتظرون رحمة السماء" وقد فقدوا معظم إن لم يكن كل ممتلكاتهم ومدخراتهم؟!!

ما هكذا تورد الإبل يا القائد مناوي ، فقد دافعنا عنك إلتزاماً بأخلاقنا وقيمنا ومبادئنا ، عندما تم إتهامك زوراً وبهتاناً عبر تلفيق فيديو مدبلج بغرض إغتيال شخصيتك، ولكن لن نتواني في أن نصدح بالحق في وجهك ونقول لك "تلت التلاتة كم" طالما أنت شخصية عامة وتتعامل في المال العام الذي يدفعه البسطاء من ضرائب وعشور وأتاوات، ويجب أن يذهب لمصلحتهم في التنمية والخدمات وليس التبرع به إلى أغنياء الخليج وهواة كرة القدم حول العالم!.

كم من فقير معدم يبيت حولك جائعاً ولا يجد ما يسد به رمقه من الجوع، وكم من محتاج مُعدم يمر بجانبك في الأحياء والأسواق والطرقات، وكم مريض في المستشفيات يعاني من الأسقام وليس عنده ما يدفع به فاتورة الدواء؟!

كم من الأرامل والأيتام وأبناء الشهداء وجرحي ومعاقي الثورة يحتاجون للمساعدة ، وأنت "مسئول المنكوبين" كما تقول ، فماذا قدمت لهؤلاء المنكوبين؟!

هل فكرت في حوجة ومشاعر هؤلاء المنكوبين ، قبل تفكر في حوجة "ضيوف كأس العالم" وتقرر التبرع بأموالهم في مصلحة "علاقات عامة" لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟!

رغم إختلافنا معكم في التقديرات السياسية، ولكن في كثير من الأحيان نتحاشي نقدكم أمام الملأ، ونتغاضي عن كثير من "جلطاتكم" إحتراماً للرفقة والنضال المشترك، ولكن هذه المرة لقد "كترت المحلبية" يا حاكم إقليم دافور، فلا خير فينا إن لم نقلها ، ولا خير فيكم إن لم تسمعوه.
وقديماً قيل:
"أسمع كلام الببكيك ولا تسمع كلام البضحكك"!.

"والسلام"

المراجع:
- سوشيال ميديا.
- الجزيرة الرياضية.
- العربي الجديد.
- السي أن أن.

26 سبتمبر 2022م

elnairson@gmail.com

 

آراء