مُدْخَلاتُ التَّهَيُّؤِ، فَاسْتِجَابَاتُ الرَّحِيْلِ (23)
" رائِحةُ البَحرِ التي تَحملها الرِّياحْ. في آخِر اللَّيلِ، طيُورٌ أفْرختْ، في الشَّفقِ البَنفْسَجِيِّ بينَ النُّجُومِ والصَّباحْ. أنْصِتْ هُنيهةً! تَسْمعُ في الحلمِ حفِيْفَ الرِّيْشِ حينَ يَضْرِب الجَناحْ عبرَ سَماوَاتِ الغِيابْ. هَلْ دَعْوَةٌ إلى السَّفرِ ؟ أمْ عَوْدةٌ إلى الشَّجر؟...".
(العَوْدةُ إلى سِنَّار"النَّشيدُ الرَّابعُ: الحُلم " : د. محمد عبد الحي)
لَكَأَنَّكَ وأنتَ في مَهجركَ "البِّكْريِّ" محصِّلاً العلوم، طامعاً في جمعِ المعارف، مستكشفاً ما كان يستغلق عليكَ وأنتَ في بلدتكَ الحبيبة مستغرقاً في أحلامكَ اليانعات، لكأنكَ طائر القمري حسن المنظر، ذو جسد رشيق، أخدر اللونِن تعشق الألفة والعيش بالقرب من المزارع ، منتشياً بشسوع البحر ولا نهائية المدى الإنساني والطبيعي الفطري. والقُمريُّ كما يرد وصفه في أدبيات علوم الطيور والرِّيشيات، هو عند الإنجليز يُسمَّى Turtle Dove ، حيث يهاجر بحثاً عن أوضاع حياتية ومعيشية أفضل، ومراتع أوسع للراحة والاستجمام. يحب الطيران ليلاً وينشط فيه، وعند الصباح يتلبسه الهدوء ، والقُمريُّ حساس ذو شفافية عالية.
هب أنكَ وأنتَ تستطعم بعض ملذات المدينة الكبرى (الخرطوم) بواكير بدايات درسك في الجامعة، كنتَ تبدأ بما يثير فيك الدهشة والتعجب. وأول هذه المثيرات التي شرعت في استكشافها أو أغرتْكَ بذلك، الصورةُ والصوتُ اللذان ينفخان في شراعات خيالك البكر الصبي الذي شاغبته فعاليات السينما المتجولة التي كانت تمر ببلدتك الحبيبة كل صيفٍ برعايةٍ من مؤسسة النيل الأبيض الزراعية ودعم منها، إسهاماً في تثقيف مزارعي القطن الذي كان عماد اقتصاد البلاد ومصدره الأساس. وقد كانت حفلاتها يؤمها أهل البلدة صغاراً وكبارا، نساء ورجالا ، يفترش معظمهم الأرض التي يتم تجهيزها وتنظيمها لإتاحة أكبر قدر من المشاهدة والأدهاش والمتعة،ليتهيأ الناس عاطفياً متقبِّلينَ الرسالة الإعلامية الإرشادية المقصودة، فتكون حكايات السينما ومقاطعها المنظورة والتعليق الصوتي علفاً فكرياً عاطفياً لأهل البَلدة والقُرى، يلوكونه حتى عة الفعاليات حولاً بعدَ حول.
لقد أنشأ الإنجليز سينما Blue Nile (BN) النيل الأزرق كأول سينما في السودان وقد كانت تتبع للجيش الذي يسكن في (البركس)، وبعد الاستقلال آلت ثكنات الجيش لجامعة الخرطوم أو منحت لها لإسكان طلابها. وقد كانت السينمات تعرض أربعة أنواع من الأفلام هي، أفلام رعاةِ البقرِ "الكاوبوي"، وأفلام الجاسوس، والأفلام العربية والأفلام الهندية حتى أواسط الثمانينات. ومن أشهر الممثلين الكاوبوي الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، والممثل الفرنسي ألان ديلون، والممثل جوليانو جيما، وجون ترافولتا في فلمه الأشهر "حُمَّى لَيلةِ السَّبتِ" Saturday Night Fever.ومن أشهر الأفلام حينها، فلم (ذَهب مع الرِّيح) Gone with the wind الدرامي التاريخي الرومانسي، الذي يتناول الانتقام والعبودية في أميركا، حيث عُرضَ أول مرَّةٍ عام 1939م، ووزِّعَ عام م1941، ومدَّتُه 222 دقيقة،ناطق بالإنجليزية ، إخراجه فيكتور لمنغ، وصُوِّر بكلفورنيا حيث بلغت تكلفته حوالي أربعة ملايين دولار (3.9 مليون تقريباً)، وفاقت إيراداته أربعمائة 400 مليون دولار، وقد حاز على جوائز أوسكار عديدة.و هناك أيضاً فلم صائد الغزلان Deer Hunter للمثل البارع روبرت دي نيرو، وهو فلم درامي حربي يتناول حرب فيتنام، بلغت ميزانيته 15 مليون دولار، وقاربت إيراداته الخمسين (50) مليون دولار. صدر الفلم عام 1978، ومدة عرضه 182 دقيقة (حوالي ثلاث ساعات) ، وقد تم تصويره ببيترسبيرغ، وتايلاند، حائزاً على عدة جوائز أوسكار. أمَّا فلم "جِسر كاسندرا" The Cassandra Crossing ، فمن ابطاله صوفيا لورين، ورتشارد هاريس، وأو جي سيمسون، إخراج جورج بان كوسماتوس، كارلو بونتي. تم إنتاجه عام 1976، وهو من أفلام الدراما والكوارث، ومدة عرضه 129 دقيقة (ساعتان و9 دقائق).،
ونواصل