(21) "... تَنْحَلُّ أَعْضَائِي بُخَاراً أَحْمرَ، يَذوبُ في دِمائِها، تَعُومُ رُوحي طَائراً أَبيضَ فَوقَ مَائِها، ويُطْبقُ اللَّيلُ الذي يَفْتحُ فِي الجُمْجُمةِ البَيضاءِ، خُرافةً تَعودُ، وَهْلَةً ووَهْلَه، إِلى نُطفتها الأشياءُ فيها ، وينضجُ اللَّهيب في عظامِ شمسِها الفائرةِ الزَّرقاءِ، ويَعبرُ السَّمندلُ الأحلامَ في قميصِهِ المَصْنُوعِ مِن شَرَار ..." (العَوْدةُ إلى سِنَّار"النَّشيدُ الثَّالثُ: اللَّيل " : د. محمد عبد الحي). و ماذا يكون حبيبنا ماذا يكون؟ ماذا يكون أستاذنا الحميم، ماذا يكون؟. من ديم عباس الذي حمل اسم والده، وشندي الأولية، وعطبرة الوسطى، فمدرسة وادي سيدنا الثانوية، دخلت متخرجاً في جامعة الملك فؤاد الأول (جامعة القاهرة) عام 1954 م، ومن ثم تخصصت في الأدب الإنجليزي حائزاً على الدكتوراة من جامعة أدنبرا. عمل أستاذنا (عليه الرحمة) دكتور حسن عباس صبحي بهيئة الإذاعة البريطانية معاصراً ومجايلاً الأديب الطيب صالح، وعلي أبو سن وقامات من أشهر مذيعي البي بي سي ، كما قدم برامج إذاعية من خلال الإذاعة السودانية (هنا امدرمان) أشهرها (موضوع يهمك) و(أديب في دائرة الضوء) وبرنامجه الآسر (مشاهد وأشعار) والذي كان يأخذك وأنت تحتضنك بلدتك الحبيبة، بشعاره الآسر " وسائلةٍ تُسائلُ عنكَ قلنا لها في وصفك العجب العجيبا، رنا ضبياً وغنَّى عَندليبا، ولاح شقائقا، ومشي قضيبا" وهي أبيات شعر لأبي القاسم بن علي بن إسحاق بن خلف البغدادي المعروف بالزَّاهي. عاد إلى السودان وعمل بجامعة أمدرمان الإسلامية، وكان يقدم محاضراته في جامعة الخرطوم، وجامعة القاهرة بالخرطوم، والمعهد العالي للموسيقى والمسرح، و ارتحل مهاجراً إلى مدينة تبوك بالسعودية محاضراً بكلية التربية للبنات ، التي فاضت روحه هناك ودفن فيها عليه الرحمة. له العديد من دواوين الشعر والمؤلفات باللغتين العربية والانجليزية، كما نال العديد من الأوسمة نتيجة إسهاماته العلمية والثقافية الكثيرة، كما كان رئيسا لاتحاد الأدباء السوداني عام 1976م. وتنضح مسيرته الإبداعية والأكاديمية والمعرفية والثقافية التثقيفية بعسل الإنسان الذي كانه، وسكنه، وأهداه لمن حوله من أهله، وطلابه، وزملائه. ومما تغنى به الفنانون وأنشده المبدعون، قصيدته ضاربة الشهرة والألق (ماذا يكون حبيبتي)، والتي يشدو بها الأستاذ عبد الكريم الكابلي، " ... يا جُرح دنياي الذي لا يندمل، يا من تركتِ القلبَ ينزف في أنين، حسرات لحظاتٍ تولَّت في وَجَل، كصدى يطير مُضيِّعاً عبر السنين ...". كان أستاذنا الراحل مدرسةً متفرِّدة في العطاء الإنساني المدهش، وكان حميماً مؤثراً ذا كارزمة إبداعية جذّابة، وموسوعية وتواضع جم وحضور إنساني باهر. تحدَّث عنه تلاميذه في المؤسسات التعليمية التي كان يحاضر فيها، فذكر أحدهم أنه كان يدرس في قسم الصحافة والإعلام بجامعة أمدرمان الإسلامية، وكان بروف حسن مسؤولاً عن قسم اللغة الإنجليزية، وعندما يتغيَّب البروف مدرس مادة الترجمة الصحفية، كان بروف صبحي يتطوع فيدرسهم المادة، حيث تتفجر فيهم ينابيع الدهشة والمتعة بما يفيض به بروف صبحي عليهم من معارف متمنين تكليفه بتدريس المادة. وحدثني صديق من تلاميذه أنه قبيل منتصف الثمانينات همَّ بالاغتراب، وحدَّثهم عن قراره بالهجرة إلى الخليج، فضجوا، صخبوا قالوا: ولمن تتركنا ونحن لم نرتوِ من علمك بَعْدُ؟ فما كان منه سوى تمذيق عقد العمل أمامهم. وللراحل ابن سار على طريقه الإبداعي الإذاعي، فالتحق صبحي الابن (علاء) بهيئة الإذاعة البريطانية BBC مقدماً لبرامجها ومحرراً للأخبار، وتخطَّفته يد المنون وهو في ريعان الشباب (رحمه الله). ورحم أستاذنا الحبيب الحنون رحمةً واسعة بقدر عطائه الثرَّ عظيم الفائدة، وهو من نادري البشر الذين إذا عرفتهم، تركوا أثراً سمحاً بليغاً فيك، باذرين حبَّاً لا ينضب.