مُذَكَّرَات مُغْتَرِبٍ في دُوَلِ الخَلِيجِ العَرَبي (٢٧)

 


 

 

ظَلَلنَا في حضرةِ السِّت الوَالدة سبعةَ أشهُرٍ تَرعَى الأولادَ ونَنعَمُ بِبِرِّها . كانتْ تنزلُ من الطابقِ الأولِ صُحبةِ أحمد كلِّ صباح ليلحَقَ بَِبَصّ الرَّوضةِ ، ثم تنزلُ مرةً أخرى عند الظُّهر قبل عودةِ البَص تَحمِلُ طاولةً صغيرةً مستديرةً لِتَجلسَ عليها عند نهايةِ المَمَر الذي يُطلُّ على الشارعِ الرئيسي حتى تطْمئنَ على وصُولهِ وتَرتفِعُ به إلى الشقة . بدأتْ تَنقُر نقراً خفيفاً على مَوضُوعِ الزَّواج وضَرورةِ الزَّوجةِ لتَربيةِ الأطفال . ومع تعاقُب الشُّهورِ وتقاربِ أوقاتِ العُطلةِ والسَّفر ، إزدادَ طرقُها على الموضُوعِ إياه مع الإلحَاحِ والإصْرارِ على ألاّ أعودُ إلى السعودية مرةً أخرى إلا والزَّوجةُ في " طَرَفي " حسبَ عِبارتِها . فأذْعَنتُ مُوافقاً ورُبَّما وافقتُ مُذعِناً لأوامِرها وتَوجِيهاتِها السَّامِية .
يا إلهي ! ما العملُ وأنا بينَ نارَين ! ؟ لا ليْستْ " نارَ البُعدِ والغُربة " ! وإنما نارُ البَحثِ عن وظيفةٍ ثم نارُ البحثِ عن المرأةِ الزوجةِ الصَّالِحة ! وما أشَّقَّ البَحثين وأصعبَ الخَيارَات !
شرعتُ في التَّقدِيم للوظَائفِ وتوزيعِ السِّيرة الذَّاتِية على بعضِ الشَّركات ومراكزِ التَّدريب في المنطقة الشرقية عُموماً . وشرعَ عَقلي الباطِن وذاكرةُ العلاقاتِ العاطِفيةِ في نبشِ الماضي القرِيبِ والبعيد . لم يطُلْ انتِظاري فيما يتعلقُ بالوَظيفة ، فقد اتَّصَلَ علي مسئولُ التَّوظيف في شركةِ الحُقيط بالخُبر وهي شركةٌ كانتْ تعملُ بِتوظيفِ ELT مُعلِّمي اللغة الإنجليزية من الباطِن sub contract لكلٍّ من مراكزِ التَّدريب في أرامكو والشركة السعودية للكهرباء SCECO . وبعد المُقابلةِ interview والتَّفاهُم على الرَّاتِب الشَّهري والمزايا الأُخرى تمَّ الاتفاقُ على بَركةِ الله ، وكانتْ قِسمَتي وحَظِّي للعملِ مع SCECO بمركزِ التَّدرِيب الرئيسي بالدمام والذي كان يقعُ غربَ الطَّريق السَّريع الذي يربطُ الظَّهران بالجبيل . وكان الاتفاقُ على بدايةِ الدَّوامِ يَتطابقُ مع بدايةِ العامِ الدراسي القادِم لكلِّ المَدارِس . يعني السَّفَر قائِم وله طعمٌ خاص إذا ما تمَّ نُقصانُ ! ولا يَتِمُّ ذلك إلا بإطفاءِ النَّارِ الأخرَى . ولمْ أعُدْ أخشَى النِّيرانَ بعدما خُضتُ بعضَ نيرانِ الهَوى والجَوى ونيرانِ حَوادثِ الزَّمان ، فلقد :
شَحَنَتني بالحَراراتِ الشُّموسْ
وشَوتْني كالقرَابِين على نارِ المَجُوسْ
لفَحَتني فأنا منها كَعُودِ الأبَنُوسْ
أو كما قالَ شاعِرُنا المُتَفرِّد صلاح أحمد إبراهيم .
ظللتُ أنبشُ في الذَّاكِرة أياماً عَدِيدةً وصَفَفتُ من شريطِ الذِّكرياتِ عدداً من الفاتِناتِ والصَّبايا الدَّارِساتِ خِريجاتِ الجًامعاتِ ثَيِّباتٍ وأبكارا . استبعدتُ صغيراتِ السِّن قليلاتِ الخِبرة في الحياةِ من القائمة لأنَّ المسألةَ ليستْ حُبَّاً فقط وإنَّما " تربية عيال " ، ولجأتُ إلى ال short listing
أو ما يُعرفُ بالقائمةِ المُختَصرة
ثم فضَّلتُ الثَّيِّبَ على البِكر . ولما وصلتُ لتلك القَناعةِ ، لمْ يَبقَ عندي إلا ستَ الحٌسنِ والجَمال التي كانتْ تُعرفُ ب " السَّمحَة " وسَط صُويحِباتِها وزَميلاتِها في كلية التربية جامعة الخرطوم . وقد سَبَقتُها في الكُليةِ بدُفعتين وكانَ بيننا تقاربٌ ومودةٌ وقرابةٌ . لكنني تَخَرَّجتُ وسافرتُ إلي السعودية ولما رجعتُ في إحدى إجازاتي وجدتُ أنها قد تَخَرَّجَتْ ، تزوجَتْ ثم أنْجَبتْ طفلَتَها الوَحِيدةَ ولم يَدُمْ زواجُها بعد ذلك فَطُلِّقَتْ .

محمد عمر الشريف عبد الوهاب

m.omeralshrif114@gmail.com

 

 

آراء