مُذَكِّرَات مُغتَرِبٍ في دُوَلِ الخَلِيجِ العَرَبي (٢٨)

 


 

 

عَلِمتْ الوالدةُ بما تَوصلتُ إليه من خَيارٍ فاستَبشرتْ به خاصةً وأنَّ هنالك صلةُ رَحِمٍ تَربطُها بأُمّ البنتِ المُزمَع خِطبَتُها ،فهي - أي أمها - ابنةُ خالِ الوالدة إلا أنهم يَسكُنون مَنطقةَ الحَلاوين غرب مدينةِ الحَصاحِيصا . باركَتْ أُمي هذا الاختيارَ وحَثَّتنِي بالإسراعِ في الاتصالِ بِصاحبةِ الشأنِ إذ هي وَلِّيةُ نفسِها ما دامتْ ثَيِّباً . شرعتُ في الاتصالِ بإحدى شَقيقاتي لتأتِيَني بِرقمِ هاتفِ الأُستاذةِ التي وقعَ عليها الاختيارُ فقد طالَ عهدي بها . بعد يومين فقط استلمتُ الرَّقمَ المَطلُوب وشرعتُ في الاتصالِ على الخَطِّ السَّاخِن - كما يقولون . وأخيراً وجَدتُها ! نفَضْنَا غُبارَ السِّنين وفتَحنا مِلفاتٍ قدِيمةً لا تزالُ تكنز بعضً الألقِ وشيئاً من حَنينٍ على الرَّغم من طولِ السِّنين . عِشرونَ عاماً انصَرمتْ منذُ أنْ افتَرَقنا . " وأقول يا ريت زماني الفات يعود تاني ونعود تاني والقاك يا حبيب عمري وتلقاني " .
وهكذا الأقدارُ تَنسِج لك مِمَّا هو مَكتُوبٌ في الأزَل خُيوطاً بلْ ثياباً ما كنتَ تدري أنَّ اللهَ سَيَكْسُوكَها وتكونَ لباساً لك بعد أنْ اجتَزْتَ امتحانَ الصَّبرِ بِحِكمةٍ ورَوِيّة " هُنَّ لِباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهُن " .
أسفَرتْ الاتِّصالاتُ عن المُوافقةِ بل التَّرحِيب بعودةِ العلاقاتِ مِن جديدٍ والتَّطبِيع في أبهَى صُوَرِه :
[ ] وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً[ (سورة الروم: الآية 21).
ثمَّ امتَدّتْ المُوافقةُ لِتَشملَ أسرَتها بدءاً بالوالِدين مُروراً بالأخِ الوَحِيد ثم الأخَوَات . وحتى لا تكونُ الحِبالُ مُعَلقةً ، فقد أبلغتُ أهلي بأنْ يقومُوا بالّلازِم مِن إتمامٍ الخِطبةِ ثم كتابةِ عَقدِ النِّكاحِ بِحُضورِ الشُّهودِ من الأُسرَتين . وقد تمَّ كلُّ ذلك في ظرفٍ وَجِيز وسَط فرحةِ الأهلِ بالسُّودان وفرحةِ الوالدةِ وابنِها بالسَّعودية وفرحةِ الأصدِقاء .
ارتَحَلنا إلى البيتِ الذي استَأجَرتُه في شِمالِ الجبيل قبلَ السَّفر بعد أنْ قُمنا بِنقلِ ما لدينا من أثاثٍ وحقائِبَ من الشقةِ في شارعِ القطيف . وكان ذلك بِحُضُورِ الوالدة وبعضِ جارَاتِها حتى يُساعَدنَنا في التَّرتيبِ والتَّصفِيف والدِّيكور الدَّاخِلي وذلك لتَجِدَ صاحبةُ الدَّار الجَديدة ما يَشرَحُ صَدرَها عند دُخُولِها بيتَ الزَّوجِيّة . ثم ذهبتْ أمي بِصُحبةِ عمر وأحمد إلى الرياض على متنِ القِطار في زيارةٍ لِعَمِّها الذي يعملُ مُستشارا قانونياً هناك . وطَفِقتُ انا في التَّبضُّعِ والتَّسوُّق من أسواقِ الدمام لشراءِ كلِّ ما يَتطَلبُه الزَّواجُ بالإضافةِ إلى هدايا أخواني وأخواتي .
عادتْ الوالدة وأبناؤها من الرياض ووجَدتْ عدداً من الهدايا في انتظارِها . بعضٌ النِّسوةِ من أهلِنا ومعارِفنا من الخُبر والدمام أعْقَبنَها إحساناً بزيارةٍ وحَملنَ مَعهُن تلك الهدَايا .

محمد عمر الشريف عبد الوهاب

m.omeralshrif114@gmail.com

 

آراء