نادي الأثرياء … بقلم: د. حسن بشير محمد نور – الخرطوم

 


 

د. حسن بشير
26 June, 2010

 

       يجتمع هذه الايام زعماء الدول العشرين الاغني في العالم ، الذين يسيطرون علي حوالي 80% من الموارد المادية في العالم و يستحوذون ايضا علي الموارد البشرية الاكبر . حدث ذلك بعد ان تم احتواء دول مثل الصين، الهند ، البرازيل ، اندونيسيا و جنوب افريقيا داخل تلك المجموعة التي تضم ايضا الاتحاد الاوربي مما يدخل الازدواج علي المجموعة و يربك معني التسمية، بهذا الشكل أصبح مفهوم عالم اليوم يتطابق بشكل شبه كامل مع مجموعة العشرين. ستناقش القمة التي تنعقد في كندا هذه المرة مشاكل العالم ، التي تعني في نفس الوقت مشاكلها هي. لكن هناك اختلاف هذه المرة يقترب من المفارقة. يكمن جوهر الخلاف في آليات معالجة الازمة الاقتصادية و التخلص من تداعياتها. المفارقة هي ان المدخل الامريكي لعلاج الازمة هذه المرة يبدو اقرب بكثير الي هموم الدول الفقيرة مقارنة بما تقدمه اوربا و بعض الدول الاسيوية الكبري من حلول. المدخل الامريكي يأتي من ضرورة التوسع في الإنفاق العام لإنعاش الاقتصاد و توفير فرص للعمالة و التخلص من الديون الفاسدة و إعادة رسملة المصارف. يأتي المدخل الامريكي للحل بعد سلسلة من الإجراءات توجت بقوانين للرقابة علي الأسواق المالية ( قانون الإصلاح المالي كمثال مهم) و قانون الرعاية الصحية ، إضافة لضرورة المشاركة مع القوة الناشئة و الصاعدة و هو ما جعل مجموعة العشرين تتولي معظم ملفات الإصلاح الاقتصادي و المالي العالمية التي كانت تحتكرها مجموعة الثمانية. اما المدخل الاوربي فقائم علي( التقشف) و هو تعبير مخادع لا يعبر عن الواقع. التقشف الاوربي الذي وجد معارضة حاسمة من نقابات العمال و الطبقة الوسطي قائم علي تخفيض دخول الفئات الأقل دخلا في المجتمع دون المساس بالأغنياء. يتم ذلك عبر تخفيض الاجور و الرواتب ، زيادة سن التقاعد ( وهذا له فهم و تفسير مختلف في الدول الغنية لا يشبه ما يحدث في الدول الفقيرة) ، إضافة لزيادة الضريبة علي القيمة المضافة و مجموعة من الإجراءات المالية شديدة الانحياز لمصلحة الأغنياء.

 ما يهنا ليس قمة العشرين في حد ذاتها و انما ضرورة التنبيه الي ان الاجراءات الخاصة بعلاج الازمة المالية العالمية التي يتم تداولها في قمة العشرين لا تصلح للتطبيق في بلداننا ، من جهة اخري فان الوعود بدعم الدول الفقيرة ستظل وعودا لا جدوي اقتصادية ترجي منها طالما اعتمدت علي القروض و اوكل تنفيذها لمؤسسات بريتون وودز . اولا لا قدرة لدينا لزيادة الإنفاق الحكومي لدرجة تؤدي الي الإنعاش الاقتصادي و تدعم استدامة النمو نسبة لمحدودية مواردنا المغذية للموازنة العامة. تعتمد تلك الموارد في معظمها علي تصدير المواد الخام و الأولية مثل اعتمادها لدينا علي صادرات البترول التي تأثرت أسعارها بشكل كبير بالازمة المالية العالمية و تراجعت الي مستويات جعلت موازنة بلادنا و موازنات الدول النامية في مجملها تعاني من ازمة طاحنة تابعة لازمة الدول الرأسمالية ألكبري. من جانب اخر لا سبيل لدينا لأتباع نهج التقشف الاوربي اليميني بتخفيض الأجور و مكاسب عوامل الإنتاج للفئات ذات الدخل الأضعف و زيادة الضريبة علي القيمة المضافة. السبب في ذلك هو ان بلداننا تعاني من وباء الغلاء و ارتفاع معدلات الأسعار التي تتجه في مسار شبه عمودي. في هذه الحالة فان وضعا اقل بكثير من الوضع الاوربي سيقود نسبة قد تصل الي 99% من السكان الي الفقر المدقع و تحل كوارث اجتماعية أفظع بكثير مما نعاني منه اليوم.

  لابد من الانتباه الي عدم الانزلاق أعمق و ابعد في المأزق الأخلاقي الذي تعاني منه رأسمالية العولمة. يتمثل ذلك المأزق في ارتفاع مكاسب الفئات الغنية من جهة و ضياع حقوق الفئات المستضعفة من الجهة الاخري ، اضافة للتفاوت الكبير في الدخول بين الاغنياء و الفقراء داخل الدول الغنية نفسها او بين الدول الغنية و الفقيرة . كما يحدث التفاوت من خلال ضياع حقوق المدخرين و صغار المستثمرين اضافة لتراجع الدخول و القوة الشرائية و امتصاص الكثير من العائدات عبر معدلات التضخم المرتفعة و تفشي البطالة و انهيار القيم السوقية لحقوق الملكية و انخفاض القيم السوقية للأصول العامة.

     الحل عندنا في التوجه نحو قطاعات الاقتصاد الحقيقي ، البنيات التحتية ، الخدمات العامة ، إصلاح الاقتصاد الكلي و بيئة الاستثمار ، و كل ذلك لن يحدث بدون تدخل الدولة بشكل مختلف و تغيير العقلية الاقتصادية السائدة بشكل تام. يجب الانتباه ايضا الي حقيقة مهمة اخري هي ان النظام المصرفي و المالي في الدول الغنية هو الذي يدعم قطاعات الإنتاج الحقيقي بينما العكس هو الصحيح لدينا. في حالة الدول الفقيرة مثلنا قطاعات الإنتاج الحقيقي هي التي تغذي النظام التمويلي و المصارف ، لأنها الملاذ الحقيقي للكسب و ارتفاع الدخول و بالتالي فهي تدعم القوة الشرائية و الادخار الذي يقود الي التراكم الرأسمالي و يوفر موارد حقيقية للاستثمار العام و الخاص. هذا نموذج بسيط يمكن اختباره بمختلف المداخل و المتغيرات الاقتصادية و بالرجوع الي تاريخ تطور المجتمعات البشرية.قطاعات الانتاج الحقيقي تعاني من الإهمال و التهميش و الهجمة الشرسة من قبل المتكسبين من قوت البسطاء عبر التواطؤ الحكومي خاصة ما يسمي بالخصخصة كما يحدث في مشروع الجزيرة ،  كما تفتقر السياسات الي النضج و الي الفكر التنموي البناء عبر التخطيط ، أولويات توظيف الأموال و الاستثمارات ، رؤوس الاموال ، دعم القدرات البشرية و زيادة فاعلية القطاع الخاص الوطني. و من اهم نقاط الضعف في السياسات المتبعة لدينا هي عدم وجود أدوات و بدائل حقيقية و مستدامة للتمويل للزراعة و الصناعة و الخدمات المنتجة ، و اكبر دليل علي ذلك مشاكل الإعسار الذي يعاني منه القطاع الزراعي و ضعف مساهمة عائدات القطاع الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي. من هنا يمكن البدء بالبحث عن حلول بعيدا عن عالم العشرين الذي يلتهم الكعكة (The Pie) بالكامل تاركا لنا فتات الموائد. لقد أصبحت مجموعة العشرين توسعة جديدة لنادي الأثرياء الذي يضم مجموعة الثمانية و كل من البنك و صندوق النقد الدوليين و منظمة التجارة العالمية و علينا ان لا ندفع أي اشتراكات لعضوية ذلك النادي لانه لم يتم تصميمه لأمثالنا.

 

 

Dr.Hassan.

hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]

 

آراء