نبش الحكايات الكبرى

 


 

 

المغيرة التجاني علي

mugheira88&gmail.com

(( أرجو أن اقترح الآتي : أن نقدم خطاب إلى معالي الحاكم العام بالنص التالي " نحن أعضاء مجلس النواب في البرلمان مجتمعاً نعلن باسم شعب السودان أن السودان قد أصبح دولة مستقلة كاملة السيادة ونرجو من معاليكم أن تطلبوا من دولتي الحكم الثنائي بهذا الإعلان فوراً " )) هذا نص الكلمة ( المقترح ) الذي قدمه عضو البرلمان السيد عبد الرحمن محمد إبراهيم دبكة , نائب دائرة بقارة نيالا غرب . بعدها طلب العضو مشاور جمعة سهل نائب دار حامد غرب ليقول (أقدَّر مدى الشرف الذي يناله مقترحه ومثنيه في جلسة كهذه سوف يسجلها في سجل الشرف تاريخ هذه البلاد المجيدة ، وسوف تكون حداً فاصلاً بين عهد الاستعمار وعهد الحرية الكاملة والسيادة التامة والانعتاق … أثَّنى المقترح وأهنئ زملائي النواب بهذا التوفيق وأهنئ الشعب السوداني بفجر الحرية الذي يطل اليوم من هذه القاعة)) و نال السودان استقلاله من داخل البرلمان في يوم الاثنين التاسع عشر من ديسمبر لعام 1955 ثم تكونت هياكل الحكم و صعد السيد سرسيو ايرو ممثلا للكتلة الجنوبية الي مجلس السيادة و منذ ذلك التأريخ ظلت الأوضاع في بلدنا تسير بالمشاركة الكاملة في السلطة و لكل اقاليم السودان , و لئن نظر البعض الي ضعف تمثيل الجنوب في هذا المجلس و في المجلس السيادي الذي أعقب ثورة اكتوبر المجيدة و مثل فيه السيد لويجي أدوك كتلة الجنوب ثم السيد جيرفس باك في مجلس السيادة الخماسي المعدل بعد اجراء الانتخابات في 1968م , فذلك يعود لمساحة السودان الشاسعة بأقاليمه الخمسة ,الشمال و الجنوب و الشرق و الغرب و الوسط . و حتي المجالس العسكرية التي جاءت بعد الانقلابات العسكرية قد مثل في تكوينها أفراد من جهات السودان المختلفة مما يدل علي أن المشاركة في السلطة التشريعية و التنفيذية لم تقتصر علي أبناء الشمال النيلي- كما يطلق بعض أصحاب الدعاوي المتهافته, و أن جهة بعينها تريد أن تستأثر بالسلطة علي جهات أخري , فذلك محض اتهام لا يسنده أي دليل , مع افتقاره الي تحديد المقصود بالمصطلح جغرافيا و اثنيا , هذا مع اقرارنا بأن صراع المركز و الهامش أمر موجود ومعترف به وأن الاستعلاء العرقي موجود حتي في داخل الهامش نفسه و في كل بطن وفخذ , كما هو موجود في كل مكان في العالم . و لعله من المؤسف حقا أن تختزل هذه الصفوة التي تثير هذه القضية تحديدا في باب واحد , هو باب الجهة والعرق و ينسبون كل ظلم موجه لها ,مثل غيرها , حتي في ظل الأنظمة الشمولية , التي يعارضها أهل النيل الشمالي أيضا , هو ظلم صادر عن ( الجلابة ) تجاه (عرق) معين .
ومن الناحية الاقتصادية , فقد أقر كثير من أصحاب هذه الدعاوي بان هناك مناطق في شمال السودان و شرقه هي أقل حظا في التنمية من مناطق أخري كثيرة في الجنوب أو الغرب و النيل الازرق و جبال النوبة , و خير دليل علي ذلك إفادات كثير من القادة من الجنوبين و من أبناء دارفور , مثال إفادات ارك طون و الحاج آدم و كثيرون غيرهم قاموا بزيارة مناطق في ولايات نهر النيل و الشمالية و قالوا بعد أن راءوا بأعينهم أن هذه المناطق لا تنقصها الا الغابات ليتمرد أبنائها ويحملوا السلاح لنيل حقوقهم , كما تمرد أهلنا لذات الأسباب , و حتي من وضعوا الكتاب الأسود المشهور الذي يتحدث عن مظالم أهل دارفور واثنيات محددة , قد استثنوا مناطق محددة في الشمالية و نهر النيل و شرق السودان من فريق المهمش الفاعل , تجاه المهمش و أقر بأنها تتعرض لذات الظلم الذي يشكون منه .فالشاهد اأن لا أحد همش أو تعمد تهميش أحد , سواء من مداخل الجغرافيا أو مدخل العرق , فالمشكل قائم كما هو و يحتاج لمعالجة شامله تشارك فيها كل الأطراف و لا أظن أن يتوفر ذلك , الا تحت حكم نظام مدني ديمقراطي لا مركزي تتكافي فيه فرص المشاركة و التعايش و توزع فيه السلطة والثروة بما يرضي الجميع .
أما علي مستوي فرص التعليم وما وفرته من امتيازات في الوظائف و الخدمات المصاحبة لفئات معينة, فذلك مرتبط و لا شك ببدايات التعليم الحديث تحت ظل النظام التركي ثم البريطاني من بعد , والذي اتخذ سياسات غير عادلة قصد منها كسب ولاء زعماء العشائر و رجالات الطرق الصوفية من كل الجهات و علي حساب باقي الطبقات الاجتماعية الموزعة في كل جهات و أعراق السودان . و يبقي السؤال المطروح قائما , من همش من ؟

 

آراء