نجاح الثورة يحتاج إلى إستراتيجية ذكية

 


 

 

غياب الرؤية الإستراتيجية هو الذي أتى بالإنتهازيين إلى سدة السلطة وسلمهم مفاتيح البلد بعد الثورة العظيمة!
وقتها كتبنا مقالاً وهو منشور في مواقع سودانية كثيرة على رأسها سودانيزاولاين وسودانايل.
عنوان المقال: الذهاب إلى جوبا خطأ تاريخي تتحمله قوى الحرية والتغيير.
بقلم:
نشر في سودانيل يوم 29 - 10 - 2019.
لإستخلاص الدورس والعبر أعيد نشر المقال مرة أخرى للتأكيد على ضرورة التزود برؤية إستراتيجية لمواجهة تحديات الإنتقال في بلد مثل السودان تأسس على واقع الأزمة.

قلنا وقتها، البدايات الخاطئة حتماً ستقود إلى نتائج خاطئة.
نقول هذا الكلام، ليس تعطيلاً لمسيرة الثورة التي أجهزت على أسوأ نظام عرفه السودان في تاريخه الحديث ، بل تعضيداً ودعماً لها ولأهدافها وغاياتها الكبيرة التي ضحى في سبيلها الشهداء وتحمل المناضلين والمناضلات الأذى والجراح والإعتقالات والتعذيب من أجلها . نجاح الثورة في تحرير بلادنا من قبضة نظام الإنقاذ، رمز الطغيان والخراب والفساد، خطوة عظيمة نحو الأمام مكنتها من تخطي عقبة ضخمة حبستها ثلاثون عاماً في جوف الظلام!
خطوة كهذه يجب أن يعضدها تفكير سليم وتخطيط رصين، لكي تنطلق بلادنا إنطلاقة حقيقية نحو الريادة والقيادة، لتحرير ذاتها من قيود الفقر والتخلف والمعاناة والحروب والصراعات والإنقلابات العسكرية وإنتهاكات حقوق الإنسان، بخاصة الأطفال والنساء، وتفتح أمامها أبواب المستحيل في ظل واقعها الزاخر بالتعدد والتنوع في غير مجال وميدان . لكن للأسف ما زال العقل السياسي السوداني، تائهاً ومشتتا، يحركه أفق محدود!
لذلك فشل في وضع الأولويات بشكلها الصحيح، لضمان حل مشكلات عمرها عقود إن لم تك قرون . . !
السودان دولة محتشدة بالألغام والمسالك الوعرة والمنعطفات الخطرة، ومحاطة بدول أغلبها غارقة في ظلام القهر والإستبداد، دول أغلبها ترزح تحت إرادة حكام طغاة، جعلوا منها دول عرجاء وعمياء وخرساء، حرموا شعوبهم من نعمة الحرية والكرامة الإنسانية والأمن والإستقرار والتطور والتقدم. طغاة هذه الدول بلا شك لا يريدون لثورتنا الظافرة أن تحقق كامل أهدافها . . !
وفي الداخل ورثت الثورة واقعاً هشاً ومفخخاً، بالفقر والمعاناة والحروب والصراعات.
السودان رغم موقعه الإستراتيجي وموارده الهائلة، الا إنه ما زال دولة مكتنزة بالأوجاع والآلام والخوازيق والخيبات!
ومن واقع ما يجري في الحياة السياسيّة، يبدو أن الخوازيق والخيبات، ستظل حاضرة، وسترافقنا طويلاً إنطلاقاً مما يجري . قناعتي الأكيدة، إن مفاوضات جوبا، ليس الهدف النهائي منها الإسهام الصادق في حل مشاكل السودان المزمنة، وإنما هي محاولة من حكام دولة جنوب السودان، إنتزاع شرعية من الثورة، لأن الإنفصال، لم يك بموافقة الشعب السوداني، بل كان إتفاقية عرجاء بين نظام الإنقاذ والحركة الشعبية!
والهدف الثاني: من رعايتهم لهذه المفاوضات، هو تضييع وقت البلاد في مفاوضات عبثية، عديمة الجدوى، كونها وجهت لأطراف بعينها إنتقاها حكام جنوب السودان بعناية فائقة تحقيقا لأحلامهم بتقسيم ما تبقى من السودان الى كيانات عرقية جهوية يسهل ضمها لاحقا لدولة جنوب السودان، ولعل الخارطة التي نشرت يوم أمس توضح سيناريو تقسيم السودان إلى ثلاث جمهوريات بالتزامن مع إعلان صفقة القرن التي أعلنها دونالد ترامب في واشنطن بخصوص القضية الفلسطينية ما يجري في السودان لا ينفصل باي حال من الأحوال مما جرى في العراق، الذي حاولوا تقسيمه إلى شيعة وسنة واكراد وسوريا الى علويين وسنة واكراد، وليبيا الى عرب وبربر، واليمن إلى سنة وشيعة وهو مخطط خبيث ترعاه الإمبريالية العالمية والصهيونية لتفتيت دول المنطقة. ما يحاك من مؤامرات لا يعبر عن ضمير الإنسانية وتطلعات الخيرين فيها!
حكام الجنوب الحاليون هم مجرد بيادق في أيدي من يتحكمون في لعبة العصر ، هذا بجانب أنهم غير ديمقراطيين، إذن كيف لنا أن نتوقع منهم ان يخلصوا في مساعيهم لتحقيق سلام شامل في السودان يقود الى إستقرار دائم قائم على الحرية ودولة القانون، لأن فاقد الشئ لايعطيه!
الدولة المؤهلة لرعاية مثل هذه المفاوضات هي أثيوبيا وليس غيرها من دول محيطنا العربي الإفريقي، لأنها دولة ديمقراطية.
الأفضل لنا جميعاً كسودانيين بعد ضياع ستة عقود خسرناها في مماحكات سياسية عقيمة، وصراعات سياسية عبثية وحكومات ديمقراطية زائفة حكمتنا تحت شعارات طائفية رجعية، قادت الى إنقلابات عسكرية رعناء أججت حروب أهلية مدمرة، في ظل واقع سياسي واقتصادي واجتماعي متخلف!
المنطق والمصلحة الوطنية تحتم علينا كمثقفين مسكونون بهم الوطن وعذابات شعبنا أن نصدح بالحق بضرورة الإسراع في عقد المؤتمر الدستوري بدلا من تضييع الوقت في مفاوضات لا تكرس إلا الإنقسام والتشظي. هناك في ردهات المؤتمر الدستوري نستطيع حل كل مشاكلنا المزمنة، وكتابة عقد إجتماعي جديد، يمكننا من بناء دولة وطنية ديمقراطية حديثة تحقق تطلعات الشعب السوداني في الحرية والعدالة الإجتماعية والرفاه، وتقطع الطريق على كل المؤامرات الداخلية الخارجية. هذا إذا أردنا لثورتنا أن تحقق أهدافها في الحرية والسلام والعدالة. أما إذا أردنا أن نهزم الثورة ونخون شهدائنا ، فما علينا إلا الإستمرار في ذات النهج الذي سار عليه النظام السابق الذي سار في طريق الحلول الجزئية، كما هو جاري في جوبا التي قسمت فيها القضية الوطنية إلى مسارات جهوية وقبلية . . مسارات الشرق والوسط، وجبال النوبة والنيل الأزرق والشمال ودارفور وغيرها ولا أدري إلى أين ستقودنا مسرحية العبث؟
أقول للإنتهازيين كفاكم إنتهازية، منذ أن عرفناكم ظللتم طلاب سلطة وتشهد عليكم عواصم العالم من حولنا طوال سنوات الإنقاذ، ظللتم تهرولون من مفاوضات إلى أخرى طمعا في الحكم، وشاركتم النظام الحكم وأشرفتم على مشروع تقسيم الوطن!
والآن تواصلون ذات الدور الخبيث على حساب الفقراء والكادحين والثوار والشهداء!
اي عار أكثر من هذا ستلطخون به وجوهكم؟
قلناها لكم منذ سنوات لا حوار ولا تفاوض مع نظام الانقاذ، وتحملنا تبعات مواقفنا إلى أن سقط النظام.
ونقولها الآن السودان لن يبقى دولة موحدة، بهذه العقلية والثقافة والنزعة، السودان في حاجة لصحوة ضمير ما زالت غائبة.
هذا هو مضمون المقال الذي نشر في بداية المفاوضات في جوبا في عام 2019م.

والآن أعيد ذات النداء، نجاح الثورة يحتاج إلى رؤية إستراتيجية واضحة نموت ونحيا من أجلها.
أساسها خلق قطيعة تامة مع البرهان وبقية المتآمرين الإنتهازيين جماعة الكوز جبريل إبراهيم والإنتهازي مني اركو مناوي وبقية القطيع ناس التوم هجو وأردول وعسكوري والكوز الجاهل ترك.
هؤلاء كلهم لابد من تجازوهم حالهم حال الطاغية عمر البشير وحاشيته الفاسدة.
على القوى الثورية التي قاومت نظام الإنقاذ المجرم أن تجلس معها بعضها من جديد كي تضع خطة لمواصلة مشوار النضال لضمان نجاح الثورة وإجتثات جذور النظام السابق، وتجاوز كل الخونة والعملاء والمتآمرين لبناء سودان جديد حر ديمقراطي.

الطيب الزين

Eltayeb_Hamdan@hotmail.com
/////////////////////////

 

آراء