نداء السودان (أم) خذلانه وضياع أمره: الجزء الثاني (2/2)

 


 

 

 

ولعل أكبر تناقضات المثقف العربي ليس في أنه لا يعيش الثورة كمقاتل،
بل في أنه لا يعيشها كمثقف
(هشام شرابى، غربة الكاتب العربي لحليم بركات، ص:48).

 

سأتطرق في الجزء الثاني من هذا المقال الي ناحيتين: الناحية العملية وتلكم الفكرية. من الناحية العملية، فإن النخب الحداثوية -- في هذه الحالة نخب الهامش -- لم تسع إلي إعادة تشكيل روابطها مع الهامش قدر ما سعت لتكييف مصالحها الخاصة مع النخب المركزية، لا سيما تلكم الطائفية والأيديولوجية. أمّا نخب المركز الأخرى فهي لم تبرح مكانها بعد من "المركزية الثقافية" ولم تنتبه إلي أنها لم تفقد فقط المبادرة السياسية -- وهي إنما تحاول استعادتها بطرق بهلوانية، إنما فقدت أيضا البراعة الفكرية. وهي إذ تفعل ذلك إنما تقنن لمفهوم المثقف المهادن المذعن بديلاً عن ذاك الثائر المعارض الذي يسعي لتبرير الواقع عوض عن العمل لإعادة صياغته وترشيده.


الواقع أننا لا يمكن أن نخلق واقعاً مغايراً إلاَّ إذا انتزعنا ملكيتنا لثرواتنا، خلقنا التقنيات التي تستجيب لحاجيات شعبنا، واعتمدنا "المواطنة"، حتماً ليس "الدين" اساساً للاجتماع البشري وجعلنا المساواة أساس العقد الاجتماعي. بهكذا اسلوب نستطيع ان نتفق مع ذواتنا ومع "مقاصد" القران الكلية والرامية الي تنظيم حركة المجتمع وفق رؤي روحية وأخلاقية وليس سياسية دينية. وبغيره يستحيل الاسلام إلي دين ويستحيل الدين الي إيديولوجيا تمتلك مجموعة معينة حق التحدث باسمه -- ليس العدل أولوياتها ولا التكافل الاجتماعي والاقتصادي.


إن الشخص الذي يتكلم حتي الأمس عن تطبيق "الشريعة" ويقول أنها لم تطبق بعد بطريقة "سوية"، لا يمكن أن يكون جاداً في استعادة الديمقراطية، بينما هو مسكون في العمق، بكل ما هو يكرس التسلط ويقوي الاستبداد. ناهيك أن يسعي إلي تغيير بنية الاقتصادي القومي الذي احتكرته فئة معينة منذ الاستقلال.


اعترض أحد الرأسماليين الخرطوميين في إحدى الندوات علي مقولتي بشأن " تغيير بنية الاقتصادي القومي" بقوله، "كلنا أصبحنا مهمشين"!. لو أن هذا المتحمس كلف نفسه جهد الذهاب إلي الغرفة التجارية اليوم لما وجد تاجراً ممن ينتج أهاليه الصمغ، الكركدي، الفول السوداني، الماشية، الي أخره. ولو وجده لوجده مدجناً ومنهزماً بل عميلاً لا يقوي عن الذود عن نفسه دعك من المرافعة عن أهله المنتجين والتفكير في توفير بنية تحتية توصل محاصيلهم مباشرة الي بورتسودان لا تحوجهم مشقة الذهاب الي الخرطوم وانتظار تحصيل الشيكات التي لربما يكتشفها ضاربة بعد أن يكون قد صرف قيمتها لإقامة وأده شهورا عديدة.


لقد كلفت نفسي مشقة النقد لبنية العقل المركزي – الديني منه خاصة – لأنني اؤمن بأنه لا سبيل لإحداث تنمية مستدامة إلا إذا قطعنا الحبل السري المتوهم لهذه الأفكار الشائهة، التي لا تفقدنا فقط فرصة الاتساق مع الذات، إنما تفقدنا أيضا فرصة الاستثمار في الحزام السودانوي الذي يمثل فرصة حيوية وتاريخية لنا للتمدد في أفاق تنموية رحيبة. إنها فرصة للانتقال من التجريد النظري إلي "التأطير لرؤي واستراتيجيات تستوعب التحديات الماثلة" .


صدقني سنكون أعظم إسلاماً وأفخم وجداناً وأرسي مكاناً إذا اعتززنا بأفريقيتنا، نوبيتنا، بل زنجيتنا، وتعاملنا مع الكل من منطلق المصالح المادية المشتركة، ويمّنا وجوهنا صوب إفريقيا. لا يستطيع الإنسان النهوض بمسؤوليته تجاه الله والوطن إلا اذا تحققت له الشروط المادية اللازمة واستبانت له سبل الاختيار عن وعى وبصيرة. لا يمكن مطالبة إنسان بالإسهام في "مشروع حضاري" فيما الدولة تعول علي جهله وفقره ومرضه، بل عريه وضياع أمنه.


دعني أقولها دون مواربة من واقع خبرتي في التنمية العالمية، إن رٍجلا من أرجل النيل الأزرق أقيم من كل الخليج الذي يهرولون وراءه اليوم. ولو أنهم أخلصوا التعامل مع الخليج لوجدوا في بعض دوله شركاء استراتيجيين وحيويين، لكن هؤلاء الحاكمين هم عبارة عن لصوص محترفين. أعطيك مثال بسيط، شركة أمطار الإمارتية التي أعطيت 100 مليون فدان في الشمالية لم تستثمر منها حتي الأن غير الخمس. هؤلاء اللصوص يأخذون من الإماراتيين نصيب السودان مقدما ويوردونه كل عام في حساب واحد منهم. هل تظن أن هذا السلوك سيحفز أخرين للاستثمار مستقبلا في السودان؟ من أين لهم إذن الصرف علي الخدمات الصحية والتعليمية؟


إن الكل يعلم أن المرويات التي يروج لها اليوم علي أنها "شريعة"، هي عبارة عن نصوص أنتجت في سياق صراع أيديولوجي، انتصرت فيه مجموعة معينة – مجموعة الحديث – علي حساب مجموعات كثيرة أخري ودفعت بها صدفة تاريخية معينة الي موقع السيادة والسيطرة . تماماً كما حدث في السودان إذا كان الإمام الشافعي قد أسس لعروبة الكتاب من منظور أيديولوجي ضمني ، فإن عبدالله الطيب لم يكتف بأن يكون حاملاً سلبياً لوعي اللغة وأيديولوجيتها، بل روج للقراءة الفينومنيولوجية التي لا تعرف الاَّ مجرد الإحالة أو رد التراث الي السياق الشعوري للقارئ. وها هم "عجايز الجلابة" الأخرين (اليساريين منهم خاصة)، يؤسسون لعروبة السودان أيضاً من منظور أيديولوجي ضمني في سياق الصراع الشعوبي الفكري الثقافي. أرجوكم، أعرفوا عدوكم!


رغم براعة الالفاظ، فإن الخطاب السائد اليوم يمتح من ذات الصيغة الأيدولوجية التي أنتجت مايو (2)، واستقرت جزءاً من التجربة السياسية الفاشلة. إن بنية الخطاب الطائفي بيانية طرقية غيبية في جوهرها (رغم تلبسها بالحداثة)، بمعني أنها تخلو من أي حضور للعقلاني والنقدي، وميكافلية نرجسية وذاتية (egocentric)، تجافي كل ما هو أخلاقي وإنساني. ولذا فمطالبتها الاخرين الاحتكام إلي الموضوعية في إطار صراع سياسي اجتماعي تؤطر هي لعدم مشروعيته (من خلال الدعوة لخوض الانتخابات أو عقد محاكمات تحقق في الانتهاكات هي بمثابة تسويات)، هو بمثابة الحنث أو التدليس. هي تستعطف فردا خائرا عاجزا – في هذه الحالة، القاتل الخائف – قد "افترش وجهه للسنابك"، لكنها من خورها تظن أنه قد يبعث بعد ممات.


رغم العلمنة التي حدثت للعقل البشري، فنحن مازلنا مرتهنين بأفاق تلك المرحلة التي بدأت فيها مسيرة الأدلجة الهادرة للعروبة والاسلام في السودان، والتي تسببت في كل النكبات في السودان. كيف يمكننا عقلنة العمل السياسي معتمدين علي قيادة دينية، ما زالت تؤمن بأنها وريثة العناية الإلهية وأن ميلادها وافق ميلاد المسيح عيسي بن مريم (علما بأن المسيح لو يولد في الشتاء إنما ولد في يوليو وإلا فمن أين لأمه برطب جنيا) ؟ بل كيف يمكن أن تؤتمن قيادة منتمية شعورياً وأيديولوجياً الي فرعون (الطاغوت الذي ما برح يغازله بين الفينة والأخرى)، ومنتمية تنظيمياً وحركياً الي بني إسرائيل (في هذه الحالة المستضعفين الذين يمنيهم بالخلاص)؟ ثم لا يلبث أن يسعي لرد الفضيحة بسوءته – فضيحة الإهانة والطرد من ساحة "المحروسة" التي يقال أنها لم تطرد أحداً من قبل – فينشر مقالا يتملق فيه السعودية ويمجد المؤسس والأبناء والأحفاد وقد ضبط متخابراً حسب الروايات التي تناولها الثقات مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين. (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) .


لم يعد الشعب يطيق المهادنة ويقبل بالازدواجية وأنصاف الحلول. بل لم يعد يقبل أن يُقْطَر كالترلة ويقاد نحو وجهة مجهولة أو أن تُجير أشواقه وتوظف لاستعادة أمجاد بابوية لو كانت مجلبة سعداً لجلبته لأصحابها. وها هي رابطة الإعلاميين السودانيين بلندن تحشد عضويتها لحضور ندوة يخاطبها الأستاذ/أحمد حسين بتاريخ 28 يوليو 2018 يضيق عنها المكان علي وسعه، فيما تفشل الطائفية والأحزاب الرجعية عن مجرد حشد عضويتها. هذا هو المؤشر الحقيقي، إن كان أعضاء التحالف في "نداء السودان" يأبهون بالإصنات الي نبض الأرض.


فلا شك أنهم يدركون أن الشعب قد انعتق من الخرافة: إمّا إنهم يتهيبون المستقبل لظنهم أنهم لم يعدوا له العدة أو إنهم يخشون مواجهة شعوبهم وقبائلهم التي تنتظر لحظة رجوعهم – الذي حتما لن يكون مثل رجوع قرنق – كي تقيم جرداً للحساب يكون فيه توثيق للحادثات وتحقيق للوقائع. لقد بَيّن الأستاذ/أحمد حسين في مقالته التي نشرها بصحيفة القدس العربي بتاريخ 24 يوليو 2018 علامات وحدد محددات لم تستطع حتي صحف النظام الساقطة تجاوزها ولم يقدر أفّاكيها علي الالتفاف حولها. فما بال ذوينا وأهلينا، بل ومنضالينا؟


ما لم تتجه النخب الوطنية إلي خلخلة وزحزحة تلك المفاهيم القروسطية، متجاوزة الأفق المعرفي الخاص بها الي افق مغاير، فإنها ستفقد الشروط اللازمة للإدماج المفاهيمي لقيم الثورة، وستنتج تبعيتها الراهنة بنفس الطريقة التي أنتجت بها الأحزاب التقليدية، وحتي الحداثوية. (مش انتو وحدكم، محمد إبراهيم نقد نفسه عليه رحمة الله كان حواراً في ساحة الأمام أخر الايام!). فالفكر السوداني ما هو "الا تعبيراً متميزاً من التاريخ الاجتماعي بمعناه العميق" ، الذي يقنن للأسس الغيبية، التبعية، الاتكالية، اللا مبدئية، والتسيب عكس ما هو سائد في المخيلة الشعبية التي تروج للبطولة الزائفة والكرم التفاخري والرجولة المتخيلة.


لم يكتف رئيس "نداء السودان" بالمراوغة، إنما قال مهدداً يوماً: "سنقاتل من يسعي لإزالة النظام بالقوة." علماً بأن المقاتلين اليوم، منهم المتربصين بالحكومة ومنهم المتمركزين معها، أي المتخندقين في ساحتها، فأنّى له بأخرين. هذا في نظري تهديد أجوف، لكنه أحرج زملائه حينها، وإذا شئت حيرانه. هذا حال المقاتلين، فما بال المقتولين؟ لماذا يحاول أن يجد مخارجة للمعتدي ولا يأبه لحال المعتدي عليه؟ إذا كانت الجرارات قد دفنت الأحياء في الجزيرة أبا ولم يتتبع احد أثرها، بل لم تستنكفوا بعدها لعب البولو أنتم وأبنائكم مع الشِلة إياها، فإن أبناء الفلاحين – وإذا شئت "العبيد" – قد أزدهر وعيهم وتسلحوا هذه المرة بالعلم، كما إن الأقمار الصناعية قد رصدت تحركات حلفائكم ولم تترك صاحب ضمير في الكون إلا وقد البته عليكم. فماذا أنتم فاعلون وإلي أي ساحة تلجئون؟ لله در الفيتوري وهو ينشد:


الملايين أفاقت من كراها٠٠٠٠٠٠٠ ما تراها ملأ الأفق صداها؟
خرجت تبحث عن تاريخها ٠٠٠٠٠٠ بعد أن تاهت على الأرض وتاها
يا أخي في كل أرض عربت ٠٠٠٠٠٠ من ضياها.. وتغطت بدجاها
يا أخي في كل أرض وجمت ٠٠٠٠٠ شفتاها.. وأكفهرت مقلتاها
انطلق فوق ضحاها ومساها ٠٠٠٠٠٠٠٠٠ يا أخي.. قد أصبح الشعب إلها

جبهة العبد.. ونعل السيد ٠٠٠٠٠٠٠٠٠ وأنين الأسود المضطهد.!
تلك مأساة قرون غبرت ٠٠٠٠٠٠٠٠٠ لم أعد أقبلها.. لم أعد
كيف يستعبد أرضى أبيض ٠٠٠٠٠٠٠٠٠ كيف يستعبد أمسى وغدى
أنا زنجي وأفريقيتي ٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ لي.. لا للأجنبي المعتدى
أنا فلاح ولى أرضى التي ٠٠٠٠٠٠٠٠٠ شربت تربتها من جسدي

 

إن أي محاولة جادة لانتشال السودان من إرتكاسته تستدعي عميق النظر في الآلية التي تم بها بناء العقل الثقافي السوداني، ومراجعة الظروف التي تم بها تأطيره. بدأ لي أن نظرية "العقل الرعوي" لم تعمد إلي تمحيص الواقع الاقتصادي والاجتماعي، أي تفادت الخوض في نظريات التنمية، واكتفت بمفاهيم الاجتماع السياسي لتحليل الواقع السوداني. كيف يمكن للبشر أن يستعيدوا حريتهم التي ارتهنها البعض في سياق اقتصادي واجتماعي تعود جذوره إلي سنار التي يراها محمد عبد الحي إشراقة ونقطة مضيئة في تاريخ الشعب السوداني، وأراها أنا نقطة مظلمة ومرحلة مدلهمة هيئت لتفريغ الخرافة، حضنها، وبثها في فضاء السوداني. من حينها ونحن عاجزون عن إخضاع "العلوم الدينية" لنفس الاليات والإجراءات المنهجية التي تخضع لها منظومة المعرفة الانسانية. الامر الذي تسبب في اعتمادنا قراءة "غير إنسانية للدين " ومؤدلجة لا تتجانس مع المبادئ العلمية والفلسفية للعصر الحديث، بل وتتسبب في تبني الحكومات ومعارضيها لأفكار عفا عليها الزمن، مما يفضي الي العنف ويعين علي إعادة إنتاج الأزمنة.


ختاماً، لي رفيق هو بمثابة العم والصديق مكث نصف قرن من الزمان يقاتل لأجل تحقيق العدالة لشعوب الهامش المقهورة، لعله من القلائل المخلصين في هذا الكيان المركوم، وأنتهي به المقام حواراً في ساحة الكاهن الكبير الذي كرس كل عمره متواطئاً مع النخب المركزية لهزيمة شعبنا مادياً وأدبياً بل وعازما علي استبقائه بكافة الحيل في خانة العبودية. راسلني هذا الوطني الباهر والذي أفضل ألا أفصح عن اسمه، بيد أن الأيام ستكشف ذلك لأنني مهرت كتابي (دارفور المستوطنة الأخيرة) مسطرا إهداءً باسمه كي لا تنسي نضاله الأجيال. قال لي: ما هو بديلكم وأنتم ترفلون في نعمائكم وتكتبون من بروجكم العاجية. لم أشأ أن أعير عبارة "بروج عاجية" اهتمام حينها، لكنني تذكرت اليوم صبحا أنهم في باريس لا يجتمعون في كوزي أو قطية، إنما أحيانا في قصور كنسية علها تثبت صبغتهم الكهنوتية.


إن الانتقال من عبارة "من هو البديل؟" الي عبارة "ما هو البديل؟" (يكون في علمك كلها عبارات يطلقها الموغاي – وكيل إعلام السلطان في الفاشر قديما – ولسان حاله يقول "الخشم خشمي والكلام كلام سيدي"). بمعني أخر إن الانتقال من الشخصنة (من القادر علي تحمل هذه التركة المثقلة بالجرائم والآثام المترعة بالفشل والدمار والتخبط؟)، الي الإجراء (كيف يتم إسقاط النظام في ظل الفراغ الداخلي والمناخ الإقليمي المحفوف بالمخاطر؟) لا يمثل انتقالا نوعيا، إنما يتمثل نهجا دائريا، ينقلنا أفقيا من نقطة إلي أخري دون أن يكون هنالك مدلول مفاهيمي أو عملي. السؤال الصواب: وفق اَي جهة يجب ان نسير وما هي المبادئ الملزمة؟


أولا، في إطار تقاسم الأدوار وظيفيا وتكاملها رؤيويا فليس من مهمتي إسقاط النظام، إنما ينحصر دوري ودور الحادبين من أبناء جيلي في إطار العمل علي تفكيك المنظومة وكشف التواطؤ التاريخي الذي هيئ لاستنساخ مايو حتي بلغنا مايو (٣)، وقد نبلغ مايو (٤) ومايو (٥) ما لم يسعفنا صميم الإرادة ويرتقي بنا عظيم الهمة. سأل الصحفي الامريكي بارنباي مارثن المناضل الصيني الجسور غبريال اوروزكو، قائلاً: هل تعتمد الفن وسيلة لتغيير وعي الناس، ورغبة في ترقيتهم؟ رد أوروزكو قائلاً: ألجا الي الفن عندما تنفعل همتي وترتفع هامتي!


(لقد ارتفعت هامتنا عاليا بالتكريم الذي حاذه عبدالرحمن قاسم فهنئا له الوسام ولأسرته التحية والإجلال ولمعيته شرف الانتساب. منحت رابطة المحامين الأمريكيين المحامي السوداني عبدالرحمن القاسم الجائزة الدولية لحقوق الإنسان لعام 2018، وتأتي الجائزة التي منحت للقاسم تقديراً لسجله الطويل في تمثيل ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في بلاده والدفاع عنهم. ومن قبل منح البرلمان الأوروبي المحامي السوداني صالح محمود عثمان جائزة" ساخاروف" لحرية الصحافة والفكر لعام 2007.)


ثانيا، يجب ان لا ينبني مشروعنا ضديا (كأن يحشد شخص طاقته كلها للعمل ضد جهة)، إنما تجاوزيا (كأن يعمل المجموع لصالح انجاز فكرة وتحقيق ورؤية). وهذا هو الفرق بين الناشط والمفكر. لن تجدي المشاريع والبرامج في غياب الرؤية والرؤية النافذة يمكن ان تغير العالم، أو كما يقول جويل باركر.


ثالثاً، هل يعمل هؤلاء حقا لإسقاط النظام الذي بسقوطه قد يجرف كثيرين معه الي مذبلة التاريخ (او الي الكوشة بتعبير اكثر وقاحة ودقة)، أم انهم بانتدابهم مفاوضا حاذقا ولبقا – لا يحوجهم الي المفاسلة ويحفظ لهم ما وجههم – إنما يتخيرون موضعا في طاولة المفاوضات القادمة، موضعا يغنيهم عن التدافع الحيوي والديمقراطي مع الشعب. أخشي أن يكون "نداء السودان" بقيادته الحالية عبارة عن سحابة كاذبة ذات بروق لامعة لن تمطر علي المعارضة ماء تتطهر به ولن تذهب الرجس عن أهل الإنقاذ. بيد ان ضررها يتمثل في مثل هذه البلبلة وما قد تحدثه من اماني وظنون. اما بخصوص سؤال "النظام البديل"، فأقول لصديقي المُؤْثَر، البديل يخرج من رحم الحراك و الزخم و النقاش الذي قد تحدثه مثل هذه المقالات وتلك المناقشات، حتما ليس المماحكات، الفهلولة والفذلكة او المؤامرات التي يتقنها صاحبكم. يقول القائد المسلم العظيم علي عزت بيجوفيتش، "كل قوة في هذا الكون تبدأ بثبات أخلاقي، وكل هزيمة تبدأ بانهيار أخلاقي." فاختر لنفسك يا صحبي ما يليق وأربا بها عمّا لا تطيق!


auwaab@gmail.com

 

آراء