نظرية المؤامرة والوقف ضد حق تقرير شعب جبال النوبة (9-ب)
التركيبة السيكوسوسيولوجية للرفيق ياسر عرمان وهل هو مفيد ام مضر لنضال شعب جبال النوبة؟
Gogadi Amoga أمين زكريا/
إتفق علماء السيكولوجى و الايكولوجى و الانثروبولوجى ان الانسان ابن بيئته و تلعب البيئة و الثقافة دورا كبيرا فى تشكيل الانسان و طريقة تفكيرة، و قد يكون اسيرا لها احيانا، و لكن هنالك شواذ خرجوا وتمردوا على تلك النظرية لانهم راعوا مصالح و حقوق الشعب من نواحى انسانيه و فكرية فالطبيب النفسى فى الجيش الفرنسى القادم من جزر المارتنيك فرانتز فانون صاحب كتاب معذبوا الارض انحاز للثورة الجزائرية و اصبح احد منظريها و دفن فى شمال افريقيا حسب امنيته، و تجربة جيفارا نموذج آخر، و لكن لم يكن فى التاريخ النضالى الانسانى ان يدعى آخرين انهم ادرى بمصالح حقوق الشعب وتطلعاتهم اكثر منهم، او يحاولون الاصطياد فى الماء العكر لاضعاف الشعب و تقسيمه او محاولة اقصاء ابنائه و مثقفيه لدواعى نفسية و انانية و شئ فى نفس يعقوب.
و حتى لا تكرر العديد من التجارب التى لعب فيها ابناء جبال بصفة خاصة و الهامش بصورة عامة ادوارا وطنية لحماية من يدعون الوطنية و ينقلبون عليهم بعد تحقيق اهدافهم، فالمهدى الذى رفض كل ابناء الشمال السودانى استقباله وحمايته خوفا المستعمر الذى كان يطارده، لجأ الى جبال النوبة ورغم ان النوبة لم يعرفونه والكثير منهم لم يدينون بالاسلام آنذاك الا انهم انسانية وشجاعة وحسب ثقافتهم فى حماية المستجير حموه و استقبلوه فى كركور بطن امك فى جبال تقلى، بل مدوه بالرجال و المؤمن و السلاح ظنا منهم انها ثورة وطنية، و لقد ردد المهدى مقولته المشهورة التى تقاضى عنها التاريخ ( خذلنى اهل الشمال و نصرنى اهل الجبال و لولا اهل الجبال لماتت المهدية فى مهدها) بل ان قوتهم و عزيمتهم و بسالتهم كانت سببا فى سقوط الابيض فى موقعة شيكان، و الخرطوم لاحقا، و لكى يقوى المهدى خزينته فكان اول من استرقهم و استعبدهم و باعهم و اعاد انتاج العديد منهم عبر ما يسمى بحملة حمدان ابوعنجة التأديبية و غيرها، و تلاها ابناء النيل الازرق و جنوب السودان و دارفور عبر نعت آل المهدى و ابناء البحر للخليفة عبدالله التعايشى و ابناء الغرب بنعوت سيئة يعف عنها القلم لم يذكرها التاريخ عمدا فى اطار النهج العنصرى لما يسمى بالاشراف. تجربة البطل على عبداللطيف المنحدر من اب من جبال النوبة و ام من الدينكا فى عام 1924م كانت اذا لم يتخاذل فيها ابناء الشمال باستثناء القليل لما احتاج الناس فى وقتنا الحاضر الى فكر ومفكر للسودان الجديد الذى يتشدق به الكثيرين و كل افعالهم تتناقض مع اقوالهم، مؤتمر الخريجيين ومؤتمرات الاربعينات و مؤمرات ما قبل ما يسمى بالاستقلال و بعدة كانت اقصائية، عنصرية، استعلائية و وصائية، بدون استثناء متضمنة الانقلابات التى حدثت فى السبيعينات و ما يسمى بثورتى أكتوبر فى 1964 و ابريل 1985م التى كان نتاج مجهودات الهامش و جبال النوبة على الاخص و معظم قيادات الانقلابات التى قتلت كانت من الهامش و على سبيل المثال حسن حسين، عبدالرحمن شامبيو، حماد الاحيمر، محمد نور سعد وغيرهم، لتأتى التسويات السياسية فى البحار و الدول على جماجمهم و ارواحهم، و ما زال هذا المنوال مستمر الى وقتنا الراهن، و هى سرقات لا اخلاقية مرتبطة بالذهنية الاسلاموعروبية المركزية المريضة التى تفترض فى الاخرين الغباء و تدعى فهمهم لقضيتهم اكثر منهم، و حتى مأثوراتهم و اقوالهم و امثالهم و تنشئتهم تؤكد تلك الذهنية، "فأنا و أخى على بن عمى و أنا و ابن عمى على الغريب" و هذا الغريب بالطبع الذى ينتمى لثقافة اخرى غير العربية و ليس الاجنبى حسب معرفتنا لمعانى و مدلولات الثقافة السودانية . و وصلت الى مرحلة تغيير مناهج دخول العرب الى السودان- تفاديا الاقرار باحقية الشعوب الاصلية الذى يعتبر رصيد ثقافى انسانى عالمى يضاف الى السودان- الى دخول الناس الى السودان فى دولة لحس الكوع و وصف البشر بالحشرات تقليلا لانسانية الشعوب الاصيله و هم الاغلبية، وكفرا بالله الذى خلق الانسان فى احسن تقويم بل كرمه حيا و ميتا!!!.
ان ميلاد ونشأة وتشكل شخصية عرمان بالجزيرة بوسط السودان وانضمامه في المرحلة الثانوية إلى تنظيم الجبهة الديمقراطية الواجهة الطلابية للحزب الشيوعي السوداني كحزب تقدمى تعد نقطه ايجابية فى الانفكاك من الاحزاب التقليدية الاسلاموعروبية رغم نقدنا لتوجهات الحزب فى السنوات الاخيرة. ويقول عوض علي، وهو معاصر لعرمان في مدرسة الحوش الثانوية وسط السودان: "إن عرمان كان كادرا شيوعيا نشطا، يثير دائما الاضطرابات في المدرسة، ويدخل في معارك لا تنتهي مع الطلاب الإسلاميين بالمدرسة".
ويقول المحلل السياسي السوداني فيصل محمد صالح": "كان ياسر عرمان نجما من نجوم العمل السياسي بالجامعة؛ حيث كان من قيادات الجبهة الديمقراطية التنظيم الطلابي للحزب الشيوعي، ومن خطباء المنابر المفوهين، وبعد أن اختلف مع الجبهة قاد انشقاقا كبيرا في التنظيم، ووصل الخلاف إلى قيادة الحزب الشيوعي التي انحازت للجناح الآخر"؛ فاختلف ياسر مع الحزب الشيوعي فى طريقة ادائه آنذاك.
و فى عام 1982 دخل عرمان المعتقل ونترك تفاصيل ذلك، و في العام 1985 اتهم إسلاميون في السودان الطالب –آنذاك- ياسر عرمان باغتيال الطالبين (الأقرع وبلل) وهما طالبان بجامعة القاهرة فرع الخرطوم في أحداث عنف شهدتها الجامعة في ذلك الوقت. الا ان الاستاذ عادل عبد العاطى زميل عرمان الذى قضى سنتين بسجن كوبر اثر اتهامه فى تلك الحادثة برأ عرمان ذاكرا ان عرمان لم يكن موجودا بالجامعة اثناء الحادثة و انه بارح السودان بعد عام من الحادثة ظل فيها طليقا و لم يتعرض لاى استجواب و لكنه لم يكمل دراسته الجامعية، و قد استغلت الجبهة الاسلامية تلك الحادثة للابتزاز السياسى كما ذكرت الاسلامية لبابة الفضل ذلك. ورغم تبرئة عبدالعاطى لعرمان و ذكر كثير من محاسنه الا انه اشار الى ان" انتقاده الرئيسي لياسر عرمان ولا يزال؛ انه مخلص للتنظيمات التي ينتمي اليها كثيرا؛ في حين ان الاخلاص الحقيقي ينبغي ان يكون للمواطنين وللبرامج والافكار. لقد كان ياسر عرمان شيوعيا مخلصا؛ حينما كان عضوا في الحزب الشيوعي؛ وكان عضوا – ولا يزال – مخلصا في الحركة الشعبية؛ ولكنه في التنظيمين كان يخضع لقوانين اللعب فيهما؛ وهي قوانين غير ديمقراطية وغير مؤسسية وغير شفافة. وبدلا من نقل صراعه واختلافه مع قيادة التنظيم المعين للعلن وامام المواطنين؛ والاستعانة بهم في ترجيح كفة ما؛ كان يصر على ادارة الصراع وراء الكواليس؛ مع الدفاع العلني عن تنظيمه أمام الناس؛ بل ومحاولة كسب تأييدهم له؛ وهو الأدرى بعيوبه ومسالبه. هذه سلبية اكتسبها ياسر عرمان من تجربته في الحزب الشيوعي؛ والذي تسود فيه عقلية عبادة التنظيم؛ وأرجو ان يتجاوزها في مقبل الأيام".
و ذكر عبد العاطى الذى كان ينتمى الى الحزب الشيوعى فى مقال كتبه فى عام 2004 عن مؤامرات اغتيال الشخصية فى ادبيات الحزب الشيوعى، التى تأثر بها عضوية الحزب الشيوعى السودانى بمن فيهم عرمان.
التحق عرمان بالحركة الشعبية لتحرير السودان بصفه فردية و كانت نقله تقدمية كبيرة وجوهت داخل الحركة الشعبية برأيين ما بين الريبة و الشك و التجسس و التصديق، و رغم ما تعرض له عرمان من ضغوط وشكوك و ربما بعض المشاجرات من الجنوبيين، الا ان صبره وحماية الدكتور جون قرنق و يوسف كوه دعم من استمراره فى الحركة و الجيش الشعبى رغم بعض الاخطاء التى نسبت له الا انه كان احد الاصوات الاعلامية الجيده، و كنا نستمع له و قبله مرحوم دود كاج و آخرون فى سرية كامله ، لان السماع لاذاعة الحركة الشعبية فى جبال النوبة و بعض مناطق السودان الاخرى فى تلك الفترة كان تعد جريمة تقود الى التصفية الجسدية.
معرفتى المباشرة بالرفيق عرمان و التى تحولت لصداقة بدأت فى عام 2000م بواشنطن و ازادت فى زيارتنا كينيا ثم جبال النوبة فى مؤتمر كل النوبة فى كاودا فى ديسمبر 2002م و الذى كنت احد مديريه و لقد كلف المؤتمرين الرفيق عرمان و شخصى كتابة البيان الختامى والذى صغته بخط يدى وما زلت احتفظ بالمسودة الى وقتنا الحاضر، و بعودتنا الى نيروبى كان من المفترض زيارة اسرة عرمان و القائد يوسف كوه و قيادات اخرى فى احدى المدن الكينية الا ان ارتباط سفرى عبر يوغندا و ضيق الزمن حال دون التوفيق، و ما بين تلك الفترة و الى توقيع اتفاقية السلام بنيفاشا كنا لنتقى فى واشنطن فى كل الزيارات التى يقوم بها عرمان مع وفود الحركة الشعبية ام منفردا بجانب بعض المراسلات الاميلية، و التقينا فى كينيا بعد توقيع اتفاقية السلام و قبل الذهاب للخرطوم، و فى الفترة الانتقالية التى تعرض فيها عرمان لهجوم منظم و خاصة من الخال الرئاسى العنصرى و الصحف الصفراء، و الى مرحلة الانتخابات الرئاسية دافعنا عن عرمان بكل قوة، و اتحدى اى قلم كتب عدد من المقالات الموضوعية غير التطبيلية، حيث كتبت بصورة شبه دورية دفاعا عن فكر و قيادات الحركة التى كان استهدافها استهدافا لمشروع السودان الجديد، و كنا نعلم عيوب عرمان التى ناقشتها معه و عدد من قيادات جبال النوبة خاصة فيما يتعلق بتكوين مكاتب الحركة الشعبية فى الولايات الشمالية. حضور عرمان لامريكا و تبعها بكورس للغة الانجليزية فى جامعة ايوا مع تواجد القائد الحلو، كانت مرحلة للتواصل شبه اليومى عبر اللقاء المباشر او التلفون، و فى الفترة التى عملت فيها مستشارا سياسيا للحركة الشعبية بجنوب كردفان/ جبال النوبة كان عرمان من اكثر قيادات الحركة اتصالا بى رغم اننا كنا نتبع اداريا لقطاع الجنوب و قد حضرنا عدد من المناسبات سويا على سبيل المثال حفل اقامه الموسيقار وردى بالخرطوم و دعوة من الطريقة الشاذلية بامدرمان و زيارة لشمال كردفان و قفنا فيها فى ام روابة و الرهد و احتفال كبير بالابيض، بالاضافة الى تنسيقه مع مكتب الحركة الشعبية ببورسودان بقيادة عثمان ادروب و عبدالله شاين فى احتفلات اعياد السلام فى يناير 2007م لاكون متحدثا نيابة عن الحركة الشعبية على مستوى السودان فى استاد بورتسودان واقامة ندوة كبيرة ومؤتمرا صحفيا ولقاءات مع قيادات الحركة الشعبية و مؤتمر البجا و زيارة مقبرة شهداء البجة، و نجاحنا فى الخرطوم مع عرمان و محافظ كادقلى آنذاك سيد حماد كافى فى ترتيب لقاء مع بعض الذين انشقوا من الحركة فى زمن الحرب، و دعوة عرمان الشخصية لى لحضور المؤتمر العام لقطاع الشمال و الذى حضره كل رؤساء الاحزاب بالمقرن كانت محل تقدير و احترام، بجانب اتصال عرمان لاطلاق سراح احد مهندسى سوداتيل الذى اعتقل فى المناطق المحررة لدخولها بدون اذن، و بعد حضورى الى امريكا و زيارة عرمان لها نظمنا تابينا للقائد يوسف كوه بكلية المجتمع بفرجينيا طلب منى الحضور تقديم الرفيق عرمان لمعرفتى به و قدم الرفيق ازيكال جاتكوث القائد الحلو، و حينما ذهب عرمان الى كادقلى فقد بحث عن اسرتى و قام بتعزيتهم فى وفاة والدى قبل ذهابى للتعزية. و قد حاول عرمان تقديمى العديد من المرات للقائد سلفا كير و الدكتورة آن إيتو. قصدت من هذه المقدمة الطويلة توضيح العلاقة و تقاطعات الالتقاء مع الرفيق عرمان و زهدنا فى استغلال العلاقات التى يتهافت ورائها الكثيرين بتأهيل واقدمية و بدونهما. بصورة مختصرة حتى لا يظن البعض ان نقدنا للرفيق عرمان اغتيالا سياسيا، و لكنه فى واقع الامر قصدنا منه تنبيه بغرض الاصلاح. و فى هذا اتقدم لشعب جبال النوبة/جنوب كردفان الذى صعدنى انتخابيا فى عام 2008 من البوما الى البيام ثم الكاونتى فمؤتمر الولاية ثم المؤتمر العام فى جوبا و لظروف تعلقت بالحجز لم اتمكن من السفر من امريكا لحضور المؤتمر العام فى تلك الفترة، فهل هنالك شرف اعظم من ان ياتى تصعيد الشعب من اصغر و حدة انتخابية الى قمتها، من شعب يدرى تقييم الاشياء و وضعها فى موازينها، لذلك فان ابسط الاشياء التى يمليها الضمير الاخلاقى ان نقدمها له ان نعبر ان قضاياه و ما يجوش بدواخله و ما يملكنا من معلومات بغرض المحافظة على حقوقه. و طالما تصلنا مئات الاميلات و الاتصالات فاننا لن نخيب شعبنا، و بوضوح و صراحة حتى لا تضيع حقوقه كما ضاعت منذ زمن طويل فى السودان و الى وقتنا الراهن، و لن نتوقف الى ان يحدث اصلاحا بنيويا و هيكليا و يتم الاعتراف بمطالب شعبنا العادلة بما فيها حق تقرير المصير، و لن يثنينا عن ذلك تخوينا و لا تخويفا و لا تشويها و اغتيالا سياسيا، و لن يوقفنا الا التصحيح العملى لمواصلة المسيرة.
فعرمان نجح فى العمل الاعلامى التعبوى داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان ولكن كل الذين احتكوا به من داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان اكدوا عدم خبرته فى الجانب الامنى والعسكرى و فشله بصورة كبيرة فى العمل الادارى و السياسى لاسباب سنذكرها فى المقال القادم، بما فيها عدم قراءته الصحيحة للانسحاب من الانتخابات الرئاسية كفرصة ربما كانت تؤهله مستقبلا.
و ثورة حتى النصر...
Gogadi Amoga
gogadiamoga@gmail.com
محاضر جامعى سابق- باحث اجتماعى و أنثروبولوجى/ أمريكا
الموافق 10 أغسطس 2012م.