نقد الفكرة الجمهورية بهدوء مبتعداً عن التكفير: ردود على تساؤلات د. عبد الواحد أيوب!! (4 – 5)

 


 

عيسى إبراهيم
6 February, 2020

 


ركن نقاش


* كتب د. عبدالواحد: "للاختصار، فإننا نكتفي بما سبق من شواهد الآيات المنسوخة ونشير إلى النوع الآخر من الآيات الذي نسخ بالحديث النبوي مثل قوله تعالى : (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ) الذي نسخت السنة منه بعض الميتة وبعض الدم بقوله ﷺ { أحِلَّتْ لنا مَيْتَتَان ودمَانِ: السَّمكُ والجَرادُ والكبِدُ والطُّحال}"
"ولإكمال هذا المبحث بشأن الناسخ والمنسوخ، لا بد من الإشارة إلى ناسخ الحيث ومنسوخه ومثاله قول النبي ﷺ عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهيتُكم عن زيارة القبور، فزوروها. ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فأمسكوا ما بدا لكم. ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاءٍ، فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا» . قررالأستاذ محمود بشأن صدر هذا الحديث: ( كنت نهيتكم أن تزوروا المقابر، ألا فزوروها) أن النبي ﷺ ينقل أمته من حالٍ إلى حالٍ أرفع منه، من الفتنة بزيارة القبور إلى العبرة بذلك، وهو تقرير يقوِّض مذهبه في اعتبار المتقدم من الأحكام أصلاً يجب الإرتقاء إليه ومتأخره فرعٌ لا ينبغي الركون إليه سيما وأن هذا النهي كان في مكة ولا ريب"..
** القاعدة العامة التي يعمل عليها النبي (صلى الله عليه وسلم) في تبليغه أمته دعوته، هي قوله تعالى: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزٍّل إليهم ولعلَّهم يتفكرون"، وأنزل ينزل إنزالاً غير نزَّل ينزٍّل تنزيلا، فأنزل تشير إلى القرآن جميعه، ونزَّل تشير إلى القدر من القرآن الذي يطيقه الناس، وآية أخرى تشرح هذه الآية أكثر: "يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالكتاب الذي نزَّل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل..."، وما ورد في الأحاديث المذكورة ليس نسخاً وانما هو استثناءات من القاعدة وتدريج بأسبابه، وما ورد بمنع ادخار لحوم الأضاحي مفسَّر في السيرة "بالدافة تدف عليكم وهم قوم فقراء دخلوا المدينة آنذاك فأراد المعصوم أن يطعموهم"، وما يعنيه الأستاذ محمود بالنسخ وارد في كتب التفاسير ومنها تفسير القرطبي "الجامع لأحكام القرآن"، والنسخ لا يطال العبادات إلا ما كان من أمر الزكاتين زكاة العفو وزكاة المقادير، ولا يطال الحود ولا القصاص إلا في جانب التويع في درئها بالشبهات التي أحدثها العلم المادي التجريبي، فالنسخ بكامله إلا ما ذكرنا في جانب المعاملات..
* واصل الدكتور: "وتصطدم دعوة الأستاذ محمود لإعمال القرآن المكي - بحيثية مرونته واستجابته لمقتضيات عصرنا- بدلاً عن القرآن المدني بعدة حقائق مهمة نلخصها في الآتي:
(1) الخطورة الكبيرة التي تنطوي عليها هذه الدعوة لأنها تعني ضمنياً إسقاط العمل بشطر الكتاب المدني وهو ما يعني إهمال القسط الوافر من المعاملات والأحكام والتشريعات التي تقررت في السور المدنية التي نزلت بعد تمكن الدين وتكوين الدولة وثبات أركانها والتي تمنح الدين الإسلامي حيويته وفعاليته وشموليته لكل وقائع الحياة وشؤونها. من هذه التشريعات التي تناولها القرآن المدني: أحكام العبادات والمعاملات، والحدود في الإسلام، ونظام الأسرة، والمواريث، وفضيلة الجهاد، والصِّلات الاجتماعيّة، والعلاقات الدوليّة في حالتَي السِّلم والحرب، وقواعد الحُكم، ومسائل التّشريع وغيرها فهل سيبقى للإسلام أثر في حياة الأمة إذا استجبنا لدعوة الأستاذ محمود بالاكتفاء بـِ – أو قل بالإرتقاء إلى- القرآن المكي"..
** قلنا النسخ لا يطال العبادات إلا ما ذكرنا في أمر الزكاتين، ولا يطال الحدود ولا القصاص إلا ما نبهنا له من قبلُ..
" (2) مما يقومه المنطق كذلك اهتمام السور المدنية بالتوجّه لمُخاطبة أهل الكتاب من اليهود والنّصارى، ودعوتهم إلى الإسلام باستمرار، وبيان تحريفهم لكتب الله، والحديث عن المُنافقين وسلوكهم، وتُبيّين خطرهم على الدّين وجميع ذلك يعكس مرحلة استقرار دولة الإسلام بالمدينة. وبذات القدر، كان من الطبيعي – وفقاً لطبيعة مرحلة بداية الدعوة- أن تتضمن السور المكية ذكر الدّعوة إلى توحيد الله عزَّ وجلّ وعدم الشّرك به، وإثبات وجود البعث والحساب والجزاء، وذكر يوم القيامة، وذكر النار وعذابها، وذكر الجنة ونعيمها"..
** بالنسبة لدعوة أهل الكتاب وكل العقائد الأخرى، وحتى الكفر والالحاد، ينتقل العمل من الاكراه بالجهاد ووصاية المسلمين على الكفار والمشركين، إلى الاسماح وحرية العقيدة وفق الآيات: "لا إكراه في الدين قد تبيَّن الرشدُ من الغي"، و"وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"..
* يواصل الدكتور نقده: " (3) ثم ألا يلزمنا القول بأن مجتمع مكة الذي نزل في شأنه القرآن المكي تقاصر عن فهم الرسالة باتهام الشارع الحكيم بتوجيه رسالة تعلو على أفهام من أرسلت إليهم فيؤدي ذلك إلى نسخ تلك الأحكام. وهل يمكننا التسليم فعلاً للفكرة الجمهورية بأن المجتمع الذي أبرز المئات من خلص المؤمنين بالرسالة والمتفانين في الذود عنها كالسيدة خديجة وسيدنا الصديق وسيدنا علي وزمرة الصحابة الأطهار والمهاجرين وغيرهم لم يرتقِ إلى مستوى الرسالة لمجرد أن أغلبيته لم تؤمن لا سيما وأن سنة الله قد جرت في سابقي أنبيائه ورسله بالتعرض للإنكار والمحاربة من أقوامهم"..
** الحكمة من نزول أصول القرآن الكريم قبل فروعه،واضحة في اتجاه ختم النبوة، فنزلت الآيات المكية أولاً ولما ثبت عملياً (تآمرهم على حياة النبي)، أنهم لا يطيقونه، نزل بهم إلى ما يطيقونه، وقد حفلت كتب التراث بما قاله الصحابة في عدم قدرتهم على الايفاء بالتكليف، من ذلك أنه لما نزلت الآية: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"، شُق الأمر على الصحابة وقالوا: "أينا يستطيع أن يتقي الله حق تقاته يا رسول الله"، فنزلت الآية: "فاتقوا الله ما استطعتم..."، وحينما نزلت الآية: "الذين ىمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون"، قال الصحابة: "أينا لم يلبس إيمانه بظلم"، قال لهم رسول الله: "إنما هو الشرك الأكبر"، "إن الشرك لظلم كبير"، فسري عنهم، نواصل..
eisay1947@gmail.com

/////////////////////
/////////////////////

 

آراء