هل تحقق التسوية القصاص؟ أم تُفكك التمكين العسكري؟

 


 

 

هنالك معضل رئيسي ومشكل استراتيجي يواجه القائمين على أمر طبخ مسودة التسوية، لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوزه، ولا المسح السطحي على تضخم الورم السرطاني لهذ المشكل، ومهما حاول السياسيون الفهلويون التجمل والتزرع والتبرير، لن يستطيعوا إقناع الواعي المدرك لبواطن ممسكات الدولة العميقة المتمثلة في أفرع وأقسام وأروقة المنظومة العسكرية، المكونة من الجيش والدعم السريع والأمن، ورأس سنام هذه الأجهزة هي المنظومة الاقتصادية العسكرية المستقلة – منظومة الصناعات الدفاعية، البعيدة عن ولاية وزارة المالية، وقد كان صراع رئيس الوزراء المستقيل مُنصب حول اخضاع اقتصاديات الأمن والجيش والدعم السريع لإدارة الجهاز التنفيذي، فالعسكريون لايقبلون بتسوية تفك قبضتهم الحديدية على الأموال التي يديرونها، وفي ذات السياق لا يملك المدنيون الضعفاء بمركزية الحرية والتغيير كرت الضغط، الذي يمكّنهم من إرغام العسكريين على تسليم مفتاح الخزينة، هذا إذا لم يكن هؤلاء المدنيون أنفسهم خاضعون للاستنفاع من فتات موارد منظومة الصناعات الدفاعية بشكل أو بآخر، سيما وأن نائب السيادي المنحاز مؤخراً للمركزية يجلس على جبل من الذهب، فهل تقدر أسنان الذي في فمه (جرادي) – جرادة – على العض أو القضم؟. الأيام كفيلة باثبات ذلك من عدمه.
ما يدور في كواليس اجتماعات مركزية الحرية والتغيير والعسكر والوسطاء والمسهلين، لا يخدم مستقبل البلاد والعباد، وإنّما هو مجرد سباق دولي واقليمي محموم نحو تنصيب كرازايات، ليحموا مصالح المسهلين والوسطاء الطامعين في الثروات المعدنية والحيوانية والزراعية، ومن هنا يمكن لكل مصاب بغبش الرؤية أن يعلم علم اليقين بأن ما يدور تحت جنح الظلام و(تحت الطاولة)، لن يخرج عن كونه إعادة لانتاج الأزمة الوطنية، بصورة أكثر تعقيداً وذلك لتعدد أيدي القابلات اللائي يسعين لإخراج مولود التسوية، الذي يؤكد الأطباء المتخصصون أنه لا محال مولود مشوّه، والسوادنيون بإقليم دارفور لديهم مقولة مأثورة في خصوص الهروب من مواجهة الحقيقة معناها:(لا يمكنك حجب ضوء الشمس بطبق)، فشمس ظهيرة واقع الحال بائنة، ولا مجال لاخفاء شعاعها الضارب على أرض السودان المحاط بظروف شبيهة بأوضاع العراق، بُعيد إعدام الزعيم ودخول بول بريمر الحاكم الأمريكي، حال يصعب معه على البسطاء أن يميزوا بين الوطني الشريف والعميل، من بين الصائحين باسم قضية الوطن الجريح، فالكل محتقب لأوراقه وحازم لدفاتره الحاملة لمقترحات الحلول السحرية لأزمة الوطن، لو رأيتهم تعجبك أجسامهم واذا سمعت لحديثهم المعسول لن تعلم من الذي باع الوطن.
القصاص، القصاص، ثم القصاص، ولا شيء يشفي صدور أمهات الشهداء والجرحى والمعاقين والمفقودين غير القصاص، القصاص هذه المفردة المرعبة لجميع أطراف التسوية، لا أحد من التسوويين يريد سماعها، لأنها صاعقة، تزيد نبض القلوب الراجفة، وتوسع دائرة شبكية العين الخائفة، إنّ أكبر خطيئة في الدنيا هي قتل النفس التي حرم الله إلّا بالحق، وأول إنذار كوني للانسان هو إرسال الغراب ليُعلّم (الإنسان القاتل) كيف يواري جثمان أخيه الذي سفك دمه، إنّها رسالة تؤكد على أن الحيوان الطائر الموفد الرباني الى الكائن البشري، هو الأكثر رحمة من هذا الوحش المفسد في الأرض والسافك للدماء، الذي ارتعد إبليس وارتجف منه وخالف تعليمات ربه إمعاناً في كره وبغض (الإنسان القاتل)، الشاهد في ضرب هذا المثل القرآني هو تكدس جثث الشهداء بالمستشفيات واختفاء الغربان المرشدة لبني (الإنسان القاتل)، فيا إخوتي ما بالكم بوطن هجره حتى هذا الغراب (الرحيم)، من فرط وحشية ابن آدم (الأثيم)؟. التسوية لن تفضي إلى إحقاق العدالة ولن تؤدي لإنصاف ذوي الشهداء، وذلك لاستمراء استمرار شراكة الدم في ثوبها الدموي الجديد، فاليد الملطخة بالدماء لن تقيم عدلاً، أما اليد الأخرى المصافحة لها لا يوجد وصف يليق بها غير أنها يد ممدودة للغدر والخيانة.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com

 

آراء