هل للرأسمالية دور في سقوط دولة سنار؟

 


 

 

د. محمد عبد الله الحسين

تنطلق هذه الورقة بشكل رئيسي على تحليل الكاتب الأمريكي د. جاي سبولدينق، في كتابه الموسوم (عصر البطولة في سنار) . تهدف هذه الورقة إلى عرض مقاربة سبولدينق حول تأثير الرأسمالية في بنية الدولة والمجتمع، وتغيير النظام الحكم في دولة سنار.
يمكن القول إن إحدى حسنات الكتاب العديدة هو محاولته ربط التحولات في تاريخ السلطنة بالعوامل الخارجية. وهو بذلك يخالف معظم الدراسات السابقة حول تاريخ السلطنة التي ركزت على التأثيرات الداخلية/المحلية.
فقد قدم سبولدينق تحليلا يتضمن على علاقة السودان بجواره الإقليمي. أي بعبارة أخرى النظر في التأثيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالموضع الجغرافي للسودان، ضمن إطاره الإقليمي.
من ناحية أخرى، يجب التذكير بأن مفهوم (المركزية الأوربية) ليست بعيدة عن هذا الموضوع وعن الكتابات التي استقى منها سبولدينق رؤيته، وهو ما سنشير إليها لاحقا.
في هذا الإطار سيتم تتبع الأفكار التي ألهمت سبولدينق وجهة النظر التي طرحها كانت والتي تتمحور حول التحولات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تأثير ‏الرأسمالية على مجتمع سلطنة سنار المصاحب لاستيلاء الهمج على السلطة وارتباط سنار بالعالم ‏الخارجي.
في سياق تقديم الكاتب لمقاربته فقد عمد إلى طرح فكرته بعد أن تعرض لتناول أيديولوجيا الدولة والحكم، تلك الأداة التي عملت بشكل مباشر وغير مباشر على إضفاء الشرعية على الحكم وأدت بالتالي إلى تثبيت أركان الدولة وإرساء قواعد الحكم.
وقد أمسك الكاتب في تؤدة بالخيوط التي تبرر دفاعه عن فكرته، التي علّلها من خلال قوله بأن (الأخذ بمفاهيم العرب) كان هو الذي أحدث تغييرا في بنية الحكم. وتعبير "مفاهيم العرب" يقصد بها سبولدينق في الغالب "المفاهيم الإسلامية"، وهو التعبير الذي قال به بعض من سبقوه. بالتالي لقد فضل سبولدينق بشكل واعٍ، ألا يسلك هذا المنحى. قد يكون ذلك لربما ابتعادا عن التذكير بمقاربات سابقة، ربطت بين فشو الرأسمالية في المجتمع والأخذ برؤية جديدة لتأويل الدين. ولا بد أن نشير هنا إلى دراسة "ماكس فيبر" المبتكرة الواردة في مؤلفه الشهير (الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية). وهو الكتاب الذي أشار فيه إلى أن الأخلاق المستمدة من البروتستانتية هي التي أدت ساعدت إلى تعزيز الروح الرأسمالية في المجتمع.
ولابد هنا من التنويه إلى أن جاي سبولدِنق قد اشار في مؤلفه لارتباط فكرته بتأثير المفاهيم الإسلامية أو مفاهيم العرب بكتابات كل من مكسيم روبنسون، مؤلف "الرأسمالية والإسلام" (1966)، وبيتر غران هو صاحب مؤلفات:(الجذور الإسلامية للرأسمالية، مصر 1840-1760 وكتابه (صعود الأغنياء: رؤية جديدة للتاريخ العالمي)
قد تكون الكتابات السابقة مهدت السبيل أو الفكرة لمؤلف الكتاب الذي حاول استخدام المنهج الذي استخدمه كتابياً سابقون، استلهاماً منه لتحليل تأثير الرأسمالية الغربية على مصر العثمانية وتطبيقه على دولة سنار لتفسير التغيرات التي حدثت عقب استيلاء الهمج على كرسي السلطنة. وكما فعلت من قبل الدراسات السابقة التي استلهم منها الكاتب الفكرة هو إظهار الدور الذي قام به رجال الدين في المنظومة الاقتصادية والإدارية للدولة عقب سيطرة الهمج. وذلك في مضاهاةٍ من المؤلف ومقارنة أسباب هذه التغيرات مع التغيرات التي حدثت في مصر العثمانية، وذلك من خلال إعادة تفسير النصوص الدينية. وقبل ذلك بالطبع تأثير كتاب ماكس فيبر الرائد للسابقين واللاحقين حول نفس الموضوع.
هناك نقطة مهمة تتعلق بموضوع هذه الورقة بشكل مباشر غير مباشر، وهو الجدل الدائر حول فكرة “المركزية الأوربية"، القائلة بتفوق الغرب مقابل تخلف الشرق. يتضمن مسار الجدل حول “المركزية الأوربية" الانقسام حول الموقف. فهناك من يؤيد هذا الرأي إقرارا بتقدم الغرب، وهناك من يقر به ويحمله أوزار تخلف الشرق واستغلال موارده، في المقابل هناك فئة تنكر الاعتراف بمقاربة المنهجية المركزية وتعمل على دحضها. من أكبر القائلين
وفي هذا السياق نجد أن من بين القائلين بنفي فكرة المركزية الأوربية من يستدلون في ذلك باستنتاجات من خلال تاريخ مصر العثمانية في الفترة بين منتصف القرن الثامن عشر ومنتصف القرن التاسع عشر. من بين هؤلاء المؤرخ الأمريكي بيتر غران في مؤلفيَّه المشار إليهما أعلاه وهما كتاب (الجذور الإسلامية للرأسمالية)، وكتاب (صعود الأغنياء). من الواضح أن كتابات بيتر غران تحاول أن تقلل من قيمة المركزية الأوربية لتفسير دور الرأسمالية في تخلف الشرق من خلال نزح موارده..وذلك موضوع ستتم مناقشته في مقال منفصل.
السؤال المتعلق بمقالي هذا، هو: إلى أي مدى يرتبط تحليل سبولدينق حول تأثير الرأسمالية في إحداث التغيير في دولة سنار في نسختها الأولى(الأونسية) بالجدل الدائر حول مفهوم المركزية الأوربية؟
mohabd505@gmail.com

 

آراء