وأد المبادرة 

 


 

عمر العمر
17 August, 2021

 

وفق أفضل الرؤى تفاؤلاً فإن آلية تنفيذ مبادرة حمدوك تتطلب آلية لإدارتها تضخم التشكيل عاهة تومئ لجهة فشل حتمي. تلك ليست هي المعضلة. مفصل الأزمة في دفع المبادرة إلى أحضان القوى القديمة، رهنها الى العقليات القديمة منتجة السياسات القديمة. آلية تنفيذ المبادرة هي نفسها صانعة البيئة محرّضة عناصر الثورة المعطَلة. عوضا عن نفخ الروح في المبادرة فإن قوام تشكيل آليتها المعلن يؤرخ بداية وأدها. صحيح ثمة وجوهٌ تعكس ملامحها قسمات الغد المستطاب بما تحمل من عقليات تنبض بشعارات الثورة. غير انها ستجد نفسها مكبلة بترهل الجماعة، مثقلة بانغلاقها بل مرتبكة ازاء نمطيتها. تلك متاريس تتصاعد عدا وارتفاعا في غياب خارطة طريق تضبط مسار الجماعة، توجهاتها، رؤاها أو إيقاع حركتها .

أسوأ ما يشي به تشكيل آلية المبادرة هو إخفاق حمدوك في تجسيد رجل المرحلة المقتدر . فرغم إطفاء طرح المبادرة لمسة من مثل هذا البريق على صورة الرجل  إلا ان التشكيل بعد طول انتظار مسح تلك اللمسة . فالتشكيل أفرز قدرًا من الإحباط يجعل من وضع المبادرة على ارض التنفيذ رهانا خاسراً. حمدوك لايزال غير قادرٍ، ربما غير راغبَ في الاعتماد على القطاع الحي من قوى الثورة .هولا يزال يؤثر الحياد  بين القوى المتصارعة على المسرح السياسي أو خلف كواليسه . لذلك جاء التشكيل على هذا الضرب الهجين .

عوض تحويل المبادرة وآليتها إلى قيمة سياسية مضافة على درب الثورة زادتا علامات الاستفهام العالقة أمام جماهير الثورة عما اذا كانت سلطة الثورة تذهب بالفعل واثقة لجهة تحقيق الحرية ، السلام والعدالة. هذا هو السؤال الأكثر إثارة للقلق والعقل. فبعد إجهاض لحظة الاتكاء على الشرعية الثورية أمست الكتلة الثورية أكثر انشغالا بمدى هيمنة سلطة الثورة على القرار السياسي. ذلك سؤال يشغل بال رجل الشارع كذلك كلما نهض كل صباح لاستئناف حياته اليومية .

من ابرز ميزات رجل المرحلة ليس فقط اتخاذ القرار المناسب في الوقت الملائم بل كذلك التمتع بقدرات استثنائية في انتقاء الرجل المناسب للمهمة الماثلة. هكذا تؤكد أي قراءة نافذة في سير رجال الدولة العظام أو صانعي المراحل المشرقة في تاريخ الشعوب حتمية توفر مثل هذه الشروط في القيادات صانعة التاريخ .

أكثر من كل ذلك يعيد إعلان تشكيل آلية المبادرة سؤالا جوهريا ظل عالقا فوق الرؤوس محوره: من يدير الدولة منذ ضحى الثورة ؟ هو سؤالٌ يشكل جانبا من معادلة تقلق قوى الثورة  ضلعها الآخر ؛ هل نحن نهدم النظام البائد أم نعيد ترميمه .بينما المفترض طرح السؤال عن مدى ذهابنا على طريق بناء النظام الجديد وفق شعارات الثورة وطموحات قواها .

رشاقة آلية التنفيذ أفضل كثيرا من ترهلها. هذا الكم من الهجين وليد عقلية نمطية عتيقة ليس من بنات افكار اجيال الثورة . بما ان المبادرة مبنية على سبع محاور فمن الأفضل لوج انبثق الاختيار وفقا لتخصصات تلك المحاور حتى في حالة التجوال داخل مربعات العقليات والسياسات القديمة. بما أن مبادرة حمدوك الانمائية ذات الأحزمة الاقتصادية الخمسة فكرة عبقرية. فربما كان أكثر جدوى فيما لو جرى تم ربط تشكيل آلية تنفيذ  المبادرة بخارطة إنجاز الأحزمة الاقتصادية. في كل الحالات يظل المعيار المطلوب بغية إنجاح المبادرة والأحزمة هو التخصص والكفاءة المهنية بعيدا عن الانتماءات السياسية، القبلة أو الجهوية  .

من الجلي للعيان استناد تشكيل آلية تنفيذ المبادرة في سياق عقلية المحاصصة هذه العقلية المستحكمة في صانعي اجهزة مرحلة ما بعد الثورة. هي الأجهزة الشائهة العاجزة عن النهوض بأعباء المرحلة كما ينبغي. لذلك لن تأتي آلية التنفيذ بأفضل ما جاءت به تلك السابقة القائمة على المضمون نفسه. نعم هناك أسماء ضمن التشكيل المعلن ذات ثقل اجتماعي موزون لكن لا علاقة لها بطبيعة آلية التنفيذ. فقط هي العقلية القديمة ومنهج السياسات القديمة أتى بها الى

حيث لا ينبغي بل ربما هي نفسها لا تود مرة جديدة يصر حمدوك على الاختباء وراء حياديته الهشة تحت عباءة الحرص على التوافق الوطني. كأنما لم يدرك الرجل بعد انه في خضم صراع سياسي محموم بين قوى متصادمة المنابت والمصالح ومأمن سبيل للقفز فوق هذا الصراع أو إلغائه .

 

أبرز إنجازات التجربة الناصرية المبكرة بُنيت على مداميك من تلك الطرز الجامعة بين التخصص وفق مجالات البناء الوطني. رغم تباين الآراء عن مسيرة التجربة الناصرية الا لا خلاف على إسهام  تلك الإنجازات في تثوير حياة الشعب المصري. ابرز سمات تلك الإنجازات تصنيفها وفق أولويات المرحلة ثم تكليف ذوي الدربة والخبرة بالإشراف على تنفيذها. لم يرد في خاطر القيادات وقتذاك شيء مما ورد على حمدوك ومساعديه في التكليف والتنفيذ.

القيادة المصرية عهدت مثلا بأمر التصنيع إلى الدكتور عزيز صدقي، مهمة  الإصلاح الزراعي  الى سيد  مرعي بينما تولى الدكتور مصطفى خليل تحديث شبكة الطرق والسكك الحديدية. إنجاز السد العالي ارتبط بالمهندس محمد صدقي سليمان. هؤلاء ثلة من بين أفضل العقول المصرية. تلك هي معايير اختيارهم لتلك المهام الوطنية . صحيح هناك بون شاسع بين طبيعة تركيبة المجتمعين السوداني والمصري. لكن ثمة تراكم معرفي بين القيادتين في سياق فارق زماني بين التجربتين. أو هكذا ينبغي ان تكون المعادلة التاريخية .

مبادرة حمدوك أخذت اكثر مما ينبغي بغية ترويجها على الصعيد الوطني. من المفترض تحويلها الى برنامج عمل في وقت أبكر. هي لم تعد في حاجة إلى  مزيد من الجهد والوقت للتسويق. على قدر المضي في التنفيذ والتطبيق تكتسب زخمها الجماهيري . لذلك هي أحوج ما تكون لأهل الكفاءة والاستقامة والبذل بغية ترجمتها واقعا مبشرا بغد أجمل . مطبخ الادارة الحكومية يتطلب أدمغة أكثر ثراءً بغية تجديد المنهج السياسي ، أنفذ رؤىً لجهة  استشراف الغد  ، أسرع إيقاعاً  في الحركة من اجل مغالبة سباق حركة الجماهير وتطلعاتها ، وأشد بأسًا وبذلا في تعزيز جهود رئيس الوزراء وترقية صورته .

تشكيل آية المبادرة على نحو ما أتى يطرح أسئلة جارحة عما إذا كان فريق رئيس الوزراء مدركا لمرامي المبادرة نفسها أو مهام أعضاء آلية التنفيذ . قناعتي ثمة مفاهيم مغلوطة إن لم تكن خاطئة في السياقين. بيني وبينكم الخلاصات والنتائج المرتجاة .

 

 

aloomar@gmail.com

/////////////////////

 

آراء