والي ولاية البحر الأحمر: كهرباء الشرق مدخلنا للتغيير الاقتصادي
د. إيلا: الحل الأمثل لمشكلة مياه ولاية البحر الأحمر هو النيل
يستوقف الزائر إلى مدينة بورتسودان، حاضرة ولاية البحر الأحمر، هذه الأيام مستوى النظافة، وإصحاح البيئة، ويتضح ذلك جلياً في مستوى الإقبال الكبير على فعاليات مهرجان السياحة والتسوق. وأحسب أن حديث أهل الولاية وسياحها وزائريها ينداح في كيفية أن الأخ الدكتور محمد طاهر إيلا والي ولاية البحر الأحمر نجح أيما نجاح في الاستثمار في إنسان الولاية، وفقاً لرؤية حصيفة وضعت في فقه أولوياتها ضرورة إحداث تنمبة مستدامة، والعمل على محاربة الجهل والفقر والمرض، لأن هذا الثلوث الخطير كان من أخطر معيقات التطور والازدهار في الشرق. فاستصحب الأخ الدكتور إيلا في إنفاذ مشروعاته التطويرية للولاية خيالاً خصيباً وتخيلاً رهيباً، مُنزلاً كل ذلكم لأرض الواقع، عمراناً وبنياناً، ونهضة وازدهاراً للكثير من مدن ولاية البحر الأحمر. لكل هذه الأسباب مجتمعة حرصت صحيفة "التغيير" على إجراء حوار مع الدكتور محمد طاهر إيلا والي ولاية البحر الأحمر حول القضايا التي تهم مواطن الولاية، ومعرفة تفكير الوالي في كيفية معالجة القضايا والمشكلات التي تواجه ولاية البحر الأحمر.. فإلى مضابط الحوار..
حوار سياسي
إمام محمد إمام
• في البدء نود أن نغتنم هذه السانحة في حوار صحيفة "التغيير" مع الدكتور محمد طاهر إيلا والي ولاية البحر الأحمر هذه الولاية التي تشهد هذه الأيام كماً هائلاً من الاحتفالات وقد تزامنت احتفالات رأس السنة ويوم الاستقلال ويجوز جمع عيد في أعياد حتى نتجاوز القاعدة الفقهية.. على الرغم من هذه الإنجازات التي حسبها البعض من الإعجاز الذي أثبت به خلال سبع سنوات، لكن بعض الذين يتحدثون عن هذه الإنجازات يعقد ركونها، لكن الاستدراكية وهي أن في من يرون أنه في فقه الأوليات غابت أولوية المياه في مدن وأرياف الولاية.. فما هي حيثيات ردكم على مثل هذه الآراء؟
- في البدء شاكرين ومقدرين وسعداء بهذه الزيارة الكريمة والأخوية لولاية البحر الأحمر، ومشاركتكم لأهل الولاية في إطار مهرجان السياحة والتسوق وفي إطار احتفالات الاستقلال.
حقيقية ما تم في ولاية البحر الأحمر هو جهد مشترك لكل أهل الولاية، جهد رسمي وشعبي، ولولا الدعم المادي والمعنوي لأهل الولاية وجهود الحكومة ما كانت الولاية لتحقق جزءاً مما تحقق، لأن الإمكانات والميزانيات المتاحة لا تستطيع تحقيقها. وبالنسبة لقضية الأولويات حقيقة يمكن واحدة من الأشياء التي انتهجتها حكومة الولاية في إطار إحداث تنمية وبنية تحتية وترقية الخدمات، عملت الولاية على انتهاج منهج التوازن القطاعي والجغرافي. القطاعي بمعنى أهمية معالجة القضايا المختلفة (قضايا الصحة والتعليم والبنية التحتية وغيرها).
وفي القطاعات الجغرافية حاولنا أن يكون هناك جهد لكل محلية في هذه القطاعات المختلفة.
قضية المياه بالنسبة لهذه الولاية نتيجة للجغرافيا والبيئة، فنحن من أقل الولايات حظاً في وفرة المياه إن كانت مياهاً جوفية أو مياه أمطار، فمتوسط الأمطار في الولاية لا يتجاوز 100 ملم في السنة بالمناطق التي نعتبرها أفضل، وهنالك أجزاء عبارة عن صحراء، خمس أو أربع سنوات لا تهطل فيها أمطار، والمياه الجوفية في معظمها - إن وجدت - فهي مالحة نتيجة لامتداد البحر، خاصة في المناطق الساحلية، وكثير من المجهودات التي بُذلت لم تكمل بالنجاح، وفي النهاية ولمعالجة مشكلة مياه الولاية اختطت الولاية خطين:
الخط الأول: حسب ما هو متاح وهو إجراءات حصاد المياه في السدود، يعني الآن أي مدينة فيها سدان أو ثلاثة، بالإضافة إلى الآبار.
الخط الآخر: هو إدخال محطات التحلية في كل المحليات بطاقات مختلفة، وهذا كله ليس العلاج الأمثل، والحد الأمثل يأتي بمدنا من مصدر مستدام وهو النيل، ومشروع النيل طبقاً للتكلفة التي يحتاجها أكبر من قدرة الولاية حيث يكلف أكثر من 500 مليون دولار، لذلك مطالبنا للمركز أن يحل ذلك المشروع. كذلك في إطار ميزانية الولاية ليس في الإمكان أن تنفذ هذا المشروع لكن في نفس الوقت نعمل في برامج حصاد المياه بإقامة السدود، ونعمل في الآبار، بالإضافة للدعم الذي نجده من اليونسيف وجهات أخرى بجانب محطات التحلية، تبدأ من 150 متراً حتى 5 آلاف متر مكعب في اليوم. ومعالجة المياه لا تأتي في إطار ميزانية الولاية باعتبار أن كل ميزانيتها لا تساوي 50% من التكلفة، وكأولوية موجودة، لكن في التنفيذ تجاوزت قدرات الولاية.
• إلى أي مدى يمكن الاستفادة من أمرين مهمين: الأول دعم المركز والثاني إمكانية الاستفادة المادية لصندوق إعمار الشرق؟
- طبعاً نحن نعمل بتوجيه الأخ الرئيس، وهو الخط الرسمي للدولة والآن نحن كحكومة ولاية خطونا خطوة جادة لإنفاذ المشروع، خاصة بعد تشكيل لجنة تنفيذية برئاسة وزير الدولة في المالية لإنفاذ المشروع، ونعتقد أن هنالك جسماً يمكن متابعته ومطالبته، ويمكن تتم على الأقل الجوانب الإجرائية والمادية. وبالنسبة لصندوق دعم الشرق ما ينطبق على الولاية ينطبق عليه. (برضو) للأسف سنتان أو ثلاث لم يحصل من المالية ولا على جنيه واحد. والحمد لله المشروعات التي تنفذ هي في إطار ما تم الاتفاق عليه في الكويت من قروض ومنح، على رأسها المنح التي قدمتها حكومة الكويت مشكورة، ومن المشروعات الأساسية الآن لعام 2014 هو مشروع ربط مدن الولاية بالكهرباء القومية عبر مشروع كهرباء الشرق، الممول من صندوق الإنماء العربي الذي سيربط بين سنكات وسواكن وجبيت وهيا ودرديب وأركويت بالشبكة القومية، لأن الشبكة عابرة بها ولم يتم ربطها. ونعتقد أن هذا واحد من العناصر المهمة جداً التي يمكن أن تكون مدخلنا إلى التغيير الاقتصادي، إن كان في شكل استثمارات أو في شكل ترقية الحياة أو توفير الطاقة التي يمكن أن يستفيد الناس منها. فنحن بالنسبة لنا هذا واحد من المشروعات التي تتم عبر صندوق إعمار الشرق، لكن في إطار المياه نعتبر أنه لم يتم الاتفاق عليه، وما تم توقيعه مع الصين في إطار القرض هو الحل الذي لا بد أن يستنبطه الناس، لأنه قد لا يتوفر من السهل مبلغ مثل هذا.
* إلى أيّ مدى يمكن للأخ الدكتور إيلا أن يطرح مبادرة إذا سمحت اللوائح والقوانين في الحكم الاتحادي لإيجاد صيغة أو آلية للتنسيق والتعاون بين ولايات الشرق باسم مجلس أعلى تنسيق بين الولايات، خاصة وأن الملامح الجغرافية والتأريخية متشابهة، ولا ننكر أنها كانت في يوم من الأيام في مديرية واحدة، وهي مديرية كسلا؟
- حقيقة نحن مع التنسيق، والآن هنالك تنسيق في الجانب الخاص بالنواحي الأمنية، وتبادل المعلومات، وبحمد الله يوجد تنسيقٌ تام وكامل بالجوانب الخاصة بهجرة وتحركات الرعاة بين الولايات الثلاث، عندنا تنسيق ممتاز وقضية إنشاء جسم أنا أعتقد أنه كلما كثرت الأجسام تحدث تعقيدات قانونية وإدارية وخلاف على الصلاحيات، ولكن أنا مع التوجه والتعاون والتكامل في الأعمال التي تكون عابرة للحدود، والأُطر الإدارية للولايات، سواء كان في مجال الاستثمار أو في مجال الخبرات. لكنني لم أكن مع التوجه لقيام أجسام تتحول إلى أجسام قانونية وسياسية، وتنشأ تكلفة وصرف إضافي. فنحن بالمستوى نفسه الذي نتفق فيه مع الأخوان في كسلا والقضارف، لدينا تنسيق مع أخواننا في ولاية نهر النيل، ومع أخواننا في الولاية الشمالية، لكن دون الدخول في خلق أطر وخلافه. والآن أعتقد بأن صندوق إعمار الشرق واحد من الصور والنماذج المتعلقة بالتنسيق في ما يختص بتوفير الموارد المتاحة لسد الثغرات الموجودة في الولايات الثلاث، وتكاملها في بعض الأشياء التي تكون من المصلحة توفير الموارد الشحيحة، والاستفادة من التجارب، ويمكن إحداث تنسيق في القضية الخاصة بالأمن الغذائي، وكيفية أن يكون للناس على الأقل نوع من التخصيص والتنويع في أن يكملوا بعضهم البعض، ولستُ الذين يدعون إلى قيام أجسام وهياكل وإدارات.
* نعود إلى ولاية البحر الأحمر، إذ لا ينكر أحد أن هنالك تطوراً ملحوظاً وتنمية مضطردة وانجازات مشهودة، فإلى أيّ مدى من خلال هذه الانجازات استطعت أن تنجز الكثير، وهل هنالك مرئيات ورؤى قادمة؟
- ما تم فيه خير كثير للولاية وأهلها، ولكن أعتقد أننا في بداية المشوار في كل المجالات، وأمامنا مشوار طويل، كذلك لتكميل البنى التحتية حتى نستطيع أن ننطلق لمراحل التوظيف الأمثل للموارد. وعندنا مشاكل لا تزال في قضية التعليم، إذ نرغب على الأقل أن نلحق بالولايات التي سبقتنا في توطين التعليم. أما بخصوص العلاج فلا نزال نسعى إلى توطينه، وبالنسبة لمجال الكوادر البشرية قطعنا شوطاً كبيراً، ولا نزال. وهناك تعاون بيننا ووزارة الصحة الاتحادية في أخذ بعض المناطق للانتقال إلى المنطقة الصحية كنماذج، وطبيب الأسرة وغيره، ونحن في شراكات معهم لتطبيق النماذج التي يريدونها، إذ نحن نعتبر أن المرحلة الحالية هي مرحلة توظيف مواردنا التوظيف الأمثل، لذلك همنا كله كيف يتم ذلك بدءاً من الإنسان وكيف نخلق وظائف حراك اقتصادي، لذلك اتجهنا بالسياحة والصناعة والاستفادة من موقعنا الجغرافي لنعمل منطقة حرة تخدم السودان. وتخدم كل مناطق دول الجوار، والآن الموانئ السودانية بدأت تخدم جزءاً كبيراً من حركة التجارة لدينا موارد ضخمة نحتاج لتفجيرها ونتميز بها مثل الملح، ومنه ستمتد صناعات أخرى. كما أننا الولاية الوحيدة المتوفرة فيها (الجبص) الذي يغذي جميع الصناعات والصناعات المرتبطة به، ولدينا 200 مليون طن احتياطي من الجبص، وكذلك البحر والثروة السمكية. ونعتقد بأنه لو استطعنا توفير بعض الأشياء الأساسية وعلى رأسها التمويل يمكن أن نوفر لكل مواطن وظيفة، ويمكن نحقق وضع مميز ودخل ثابت، وفي الوقت نفسه نوظف الموارد ونلبي لها احتياجات الاقتصاد السوداني واقتصاد دول الجوار، كذلك نحتاج إعمال الأمن الغذائي لمواردنا المتاحة، ولا نظن أن هذا صعبٌ. ولدينا قطاعات يمكن تطويرها، فقط نحتاج للتمويل.
كما أن هنالك قطاعات تحتاج لتحريكها بصورة أمثل مثل القطاع العقاري، ففيه فرص كبيرة بدأنا كحكومة بتشجيع المواطنين والقطاع الخاص لتوفير أكثر من 60 صناعة. وقضية الكهرباء والمياه علاجها يجعلنا ننطلق، لأنه ليس لدينا مشكلة خاصة بقضايا يومية حياة أو موت، وسوف ننطلق. والولاية بمساحتها وبمواردها وسكانها وعددها المحدود يمكن أن تكون قادرة على إحداث حراك اقتصادي، ولا نشعر بأن هذه الحكاية صعبة، فنحن كلما قللنا التدخلات الحكومية، وكلما قللنا الضرائب والرسوم على القطاع الخاص، قلت حاجته والعكس هو الصحيح. وتوجيهنا الآن "أي شيء يستطيع القطاع الخاص أن يعملوا يعملوا"، وتوجيهنا الآن بإشراك المجتمع وفعاليته في كثير من الأشياء، ونستفيد من خبرته وتجارته ومشاركته. كذلك نحن في الفترة الأخيرة، ومن أجل مشاركة أوسع للناس طلبنا من كل الجهات العاملة معنا خاصة التي تسمى اتحادية في إطار المسؤولية الاجتماعية، لا بد أن تتحمل جزءاً من هذه المسؤولية في شركات، ومثال لذلك عندنا 28 فرعاً لبنك يعمل في الولاية، وباعتبار أنها شركات اتحادية ضرائبها وزكاتها كلها للمركز. طلبنا منهم المشاركة في إطار المسؤولية الاجتماعية التي أصبحت معروفة عالمياً، ولا نرغب في أخذ مبالغ، لكن هم يختارون ما يريدون ويسهموا فيها، ونعلمهم احتياجاتنا في التعليم والصحة وترقية الخدمات وخلافه، وتختار الشيء الذي تريد أن تتعامل فيه معنا. والحمد لله هذا يعطينا استجابة طيبة وهذا من مصلحتهم بدلاً من أن نفرض عليهم ضرائب جزءاً من أرباحهم، والحمد لله هنالك نماذج ممتازة لشركة زين وشركات البترول وبعض شركات التعدين وغيرها.
* بمناسبة الاستثمار ما هي السياسات والبرامج لجذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية، لا سيما في قطاعي السياحة والصناعة، وهل يمكن أن يتحقق الحلم بعودة بورتسودان سيرتها الأولى؟
- حقيقة نحن بالنسبة للصناعة نعتبر أن هنالك صناعات بطبيعتها الموقع الصحيح لها ولاية البحر الأحمر، بعض الصناعات التي تستهدف الصادر موقعها الطبيعي في البحر الأحمر، حيث موانئ الصادر، وكل الصناعات تعتمد على مدخلات خارجية، حقيقة في الفترة السابقة يمكن أن نقول قضية الكهرباء كانت الطارد الأساسي لكل هذه الصناعات، وكانت لدينا في السابق صناعات نسيج وزيوت وغيرها تستوعب أكثر من 10 آلاف وظيفة كلها اختفت في فترة وجيزة نتيجة لفشل الكهرباء وغيابها، وبناءً عليها فقدناها. والعون كذلك للنهضة الزراعية برأس المال، فكل هذه الصناعات تحتاج إلى رأس مال كبير، وحتى الصناعات الصغيرة محتاجة لتمويل طويل الأجل، ومتوسط السداد وهذا كله ليس متاح بامكانيات الولائية، فلا بد للمركز ووزارة الصناعة وبنك السودان أن يوفروا للقطاع الخاص احتياجاته، ولا بد من توفير تمويل داخلي أو خارجي عبر قروض لفترات طويلة لقيام هذه المشروعات.