وجه القمر .. امرأة لكل العصور

 


 

 



" فاتن لم تكن تحتاج أن تنتمى إلى أى مدرسة ، ﻷنها كانت مدرسة خاصة فى حد ذاتها ".
هذا ماقاله أحد النقاد الفنيين على قناة (بى بى سى العربية).
فى الثامن عشر من يناير للعام 2015 رحلت عن دنيانا (أهم إمرأة ) ليس على مستوى السينما العربية وحدها ، بل على مستوى الوطن العربى ككل.
قد يقول قائل بغير ذلك ، فمنهم من يخفض من درجتها ، ومنهم من يرى أن (أم كلثوم) أحق بذلك ، وآخرون سيرجحون كفة (فيروز) ، ولكنى شديد الإيمان والثقة بأن (فاتن حمامة) هى الملكة الشرعية لنساء الوطن العربى.ويكفينى ويسر بالى هذا اليقين.
فاتن- كأنثى - إنتمت إلى مدرسة الجمال الطبيعى والملامح الرقيقة والمريحة فى ذات الوقت ، فالجمال الصارخ مزعج، ولا يدفع الطمأنينة والسكينة فى النفوس. هكذا أشعر.
نبرة صوتها وطريقتها فى الحديث إحتلت حيزا مقدرا فى صفحة ذلك الجمال . 
حتى (الشر) إستطاعت فاتن أن تدثره بالوداعة وزانته بشئ من جمالها عندما جسدت شخصية (نوال) فى الفيلم المنقول عن رواية إحسان عبدالقدوس (لا أنام)..يومها كان الشر (فاتن) !!.
كإمرأة ، جسدت فاتن عدة أدوار فى السينما أمام عمر الشريف-رشدى أباظة - محمود يس- أحمد مظهر - كمال الشناوى -جميل راتب وغيرهم . فى كل أدوارها كفتاة صغيرة ثم إمرأة كاملة النضج كانت هى النموذج الذى ينشده كل رجل ذى عقل ووجدان وكبد رطب.
الذين شاهدوها فى العملين الدراميين (ضمير أبلة حكمت ) و ( وجه القمر ) أدركوا تماما أن ( فاتن ) العشرينية والثلاثينية لا يقل بهاؤها ونضارها عن تلك الستينية والسبعينية ، و أن الذهب صنوها ، متى صلته النار زادته لمعانا و ألقا وتوهجا يسر الناظرين..فالكبر عند نظائرها يضاهى شرابا معتقا لذ مزاقه عند الشاربين.
فاتن جعلت الناس يدركون لأول مرة أن جمال الشيخوخة أحلى ، بل وأبقى .
كممثلة ، الواقعية والتلقائية كانتا بوابتيها نحو قلوب المشاهدين ، وعبر صوتها اتخذت طريقا ثالثا ممهدا ، فانسابت عبره فى كل الجوارح، حتى سكنت تلك النفوس ، وطاب لها مقام ( فاتن) فيها.
طيلة حياتها الفنية لم تقدم عملا لا يتسم بالأهمية ، فالإختيار الدقيق والتأنى والإصطفاء كانوا أعوانا لها نحو أعمال رسالية . ف(ضمير أبلة حكمت) أعاد تشخيص (المعلمة) بأن جعل منها تربوية فى المقام الاول ، تلج بيوت الطالبات أولا قبل الفصول، وتعلى من قدرات المعلمين الاخلاقية قبل التعليمية . وفيلم ( أريد حلا )أعاد صياغة الواقع والقوانين الشرعية ، وبفضله تم تشريع مادة الخلع حتى تتمكن الزوجة من تطليق (بعل) لاتطيق معه عيشا ، وألغى وضعا كان يتنافر مع الحس والوجدانين السليمين ، وضعا كان يسمى ( ببيت الطاعة !!.). طاعة ؟!!. أى طاعة تلك -يا هداك الله -التى تجعل من القوارير شياها تدفع دفعا إلى الحظائر ؟!!!!. 
أما فى ( امبراطورية ميم ) عرفنا من فاتن كيف يمكن للمرأة أن تقود أسرة دون عون من رجل ، وكيف أن الديمقراطية يجب أن ينشأ مفهومها والعمل بها داخل الأسرة الصغيرة قبل المجتمع.
المستفاد من أعمال فاتن يطول الحديث عنه ولكن حبرى أقل من ماء النهر ..فأنى لى بحبر بذات الكم ! وأنى لى بحبر كان مزاجه من تسنيم ؟!.
إن شاهدت ( فاتنا) فى لقاء ومحاورة تلفزيونة لأدركت أنها لا تقل لباقة أو ثقافة عن الدبلوماسيين ومحترفى صناعة الرواية ، لغتها ومفرداتها جزلة ..متسقة ..وجرسها يجعلك تتمايل طربا دون لحن ، إبتسامتها الوضاءة أجمل من شموس العدل التى تطل فى سماء المقهورين لتجلى عن أبصارهم ظلام الطغاة المتجبرين.
كانت فاتن رقيقة دون إنكسار ، وقوية دون صلف ، وجميلة دون حد الإشتهاء.
لمثلها تكتب الأشعار ويساق الليل سهرا ، ولها تنحت التماثيل وتصنع الروايات ..من أجلها تتفتح أزهار الربيع وتعود الطيور لأوكارها .
الجمال الروحى والشكلى الذى استوطن ( فاتنا) كان يتسم (بشئ ) من كمال ، بينما جمال الأخريات يعتريه نقص وإن إكتمل حقا . فجمالها مكمنه ومنتهاه القلوب ، أما ما عداها من جمال فمهبطه العيون.!

ففاتن كانت وسوف تظل بكل مراحلها العمرية ( إمرأة لكل العصور). إنتهى.
محمود دفع الله الشيخ - المحامى ،،،،،،،،، 

mahmoudelsheikh@yahoo.com

 

آراء