وحَصّنـوه بـدرعٍ مـن خلائقكــــــــــــــم

 


 

 

المغيرة التجاني علي

mugheira88@gmail.com

هذا شطر بيت من قصيدة الشاعر الوطني و عضو مجلس السيادة الأول الشاعر المربي العظيم معلم الأجيال أحمد محمد صالح , خلاصة الجيل الذي انتمي اليه والشعب الذي عبر عنه و رفع نيابة عن أبنائه الشرفاء راية الاستقلال بعد أن كافح مع أقرانه بكل فخر في ساحات المجد و السؤدد .
عني بتثقيف نفسه منذ صغره و قرأ أمهات الكتب و حفظ النفائس و الذخائر الأدبية النادرة و أجاد اللغتين العربية والانجليزية كتابة و خطابة . أجاد العربية و حفظ دواوين الشعراء العرب و كان حجة في البلاغة و النحو والشعر و الخطابة لا يجاريه في ذلك منافس .
ثم أتقن اللغة الانجليزية فبذ أهلها فبها باطلاعه العميق واجادته التحدث بها فجعله المستعمر مرجعا في الانجليزية وأسماه طلبته المنتشرون في أنحاء البلاد كلها باللقب الشهير ( بلاك انقلش مان ) (Black English Man) .
عين أحمدا بعد تخرجه في العام 1914م في كلية غردون معلما بالمدارس الوسطي , فكان المعلم النابغة الفطن المخلص الغيور الذي أحب وطنه و سعي الي تثقيف طلابه و اكسابهم مهارات الحياة و بث في نفوسهم روح الوطنية و حب بلادهم , ثم كان أصغر ناظر في المدارس الوسطي في عصره , فترقي في سلك التعليم منحازا الي القيم الفاضلة و السلوك القويم و متشربا بأخلاق دينه و مجتمعه و صار نائبا لمدير المعارف في ذات كبرياء الشرفاء لا يهادن في الموقف الوطني , ولا يساوم في مطالب شعبه , شجاعا في آرائه معتدا بوطنيته حتي أانه كان يخالف ادارة المستعمر في كثير من المواقف التي تصطدم بالعقيدة وعادات الناس و مزاجهم الجمعي .

كان شاعرا يضرب علي وتر القلوب و ينفعل بتاريخ الأمة و مجد الأسلاف – كتب قصيدة دمشق التي مطلعها :
صبرا دمشق بكل طرف باكي *** يوم استبيح مع الظلام حماك جرح العروبة فيك جرح نازف *** بكت العروبة كلها لبكاك

فعدها النقاد واحدة من عيون الشعر العربي و القصيدة الأروع و الأقوى , التي عبرت عن أثر حصار دمشق وضربها بيد المعتد الغاشم , فنفذت أبياته الي قلوب الشباب و عقول الشيوخ إذ خاطبت فيهم النخوة العربية الأصيلة و حفرت بقوة علي جدران المجد لتيقظ الشعور القومي و تؤجج المشاعر الانسانية , فتفوق بها علي جمهرة الشعراء من مجايليه بما فيهم علي الجارم و شوقي و وغيرهم ممن طرقوا علي ذلك الباب . و لأحمد المربي كثير من الأشعار الوطنية التي تحث علي الوحدة و نبذ التشرذم ونكران الذات و استنهاض الهمم و منها قصيدته :

إنْ أنـتُمُ الـيــــــــــومَ أنكرتُم ذواتِكُمُ بـلغتُمُ فـي سمـاء العزّةِ القِممــــــــــا كـونـوا جنــــــــــــوداً فللجنديّ حُرمتُهُ لا تجعـلـوا للكراسـي بـيـنكـم قِيَمـــــا صُونـوا اتّحـادَكُمُ مـن كلّ شـــــــــــائبةٍ تجـرّ فـي ذيلهـا الإخـفـاقَ والندمــــــا وحَصّنـوه بـدرعٍ مـن خلائقكــــــــــــــم بـالـحـزم مكتـمـلاً والشمـلِ مـلـتئمــــا لا تحسبـوا الـمـجـدَ مـيسـوراً لطـالـبــهِ لن نـبـلغ الـمـجـدَ حتى نسبقَ الأُممــــا

اختير أحمد محمد صالح معلما في كلية غردون فاستغل وجوده الباهر في ساحات الكلية التي كانت المنبر الطلابي الأكبر في البلاد لتثقيف النشء و تنمية الحس الوطني فحبب الي نفوسهم حب الوطن و الاطلاع و المثاقفة و الأخذ بيد مواطنيهم . و أحمد محمد صالح هو من صاغ نشيد العلم السوداني :

نحن جند الله جند الوطن
إن دعي داع الفداء لن نخن
نشتري المجد بأغلي ثمن
و عندما نال السودان استقلاله في العام 1955و استقر قادته علي تكوين مجلس للسيادة تم اختيار أحمد محمد صالح عضوا فيه مع كوكبة من الشرفاء و الحكماء لتمثيل راس الدولة في فترة هي من أهم الفترات في تأريخ البلاد السياسي فكان نعم الرئيس , صاحب الفكر والرأي الحر و الحكمة , أتخذه الكثيرون مثالا أعلي في الوطنية و التربية و الفكر والثقافة .
توفي المربي الشاعر الوطني أحمد محمد صالح في عام 1973 م بعد أن ملأ الدنيا حضورا فاعلا بإخلاصه لمهنته و اعتزازه بسودانية و تمسكه بقيمه و تفانيه في خدمة أمته في ساحات البطولة و الفكر و الشعر و ترك كماً من النفائس شعراً و نثراً و خطابةً , و له ديوان شعر مطبوع باسم مع الأحرار عبر فيه عن نفسه و حكي فيه مجد أمته في كبرياء الوطني الغيور .

 

آراء