ورحلت فاطمة رمزية المثل والقيم والصمود  ..بقلم: بروفيسور محمد زين العابدين عثمان

 


 

 

 


تودع فاطمة أحمد أبراهيم يوم الأربعاء الموافق 16 أغسطس 2017م الى مثواها الأخير وطناً وشعباً أحبهتما حتى النخاع، حباً يسرى فى شرايينها سريان الدم. يودعها شعبها الى مثواها الأخير وهو راض عنها وممتناً لها خاصة نساء بلادى ومحباً لها حباً لم يره أحد  من بنى جلدتها على مدى التاريخ لا لأنها وقفت وبصمود منقطع النظير دفاعاً عن قضاياه وحريته وديمقراطيته والتى من أجله ذاقت كل اصناف العذاب من النظم العسكرية والشمولية التى حكمت وطننا العزيز الذى تحملت فيه فاطمة كل صنوف العذاب أنابة عن شعبها. وأيضاً سيحزن عليها حزناً ليس له مثيل من قبل لأنها كانت تمثل كل القيم والمثل السودانية لشعبنا فقد كانت بوتقة كل تلك المثل فى شخصها أنسانياً وأخلاقياً ودينياً وسياسياً وفوق ذلك رحمة وتحناناً تجاه الفقراء من بنى شعبى.
فاطمة وأخوانها تربوا فى بيت الدين والصلاح والتقى والألتزام الدينى دونما تنطع وأستغلال لذلك كانت هى الصلاية القوامة تعبد الله حق عبادته لأنها تعلم جيداً وعلم اليقين علاقتها بربها دونما مزايدة. وهى أنتمت للحزب الشيوعى يقيناً فى مشروعه الأشتراكى الذى أقتنعت أنه هو سبيل الرشد والرشاد لبنى شعبها فهو مشروع أقتصادى سياسي وليس مشروعاً عقائدياً يتنافى مع الدين الذى نشأت وتربت فيه ولكن أهل التزييف أرادوا أن يلصقوه بالكفر والألحاد وهم قد مارسوا الألحاد عملياً قبل أن يحكموا وبعد أن حكموا الشعب السودانى فأساموه سوء ألوان العذاب. وأن لم تفعل شيئاً فى كل المجالات فيكفيها فخراً أنها دائماً فى صف الفقراء والمهمشين وحرباً عللى الأستعلاء والمستعليين الى أن لقت ربها راضية مرضية.
لا أريد أن أتحدث عن الأدوار الى قامت بها المرحومة فاطمة أحمد ابراهيم لبنى وطنها وشعبها وبنى جنسها وحزبها فهذا قد كتب فيه الكثيرون وقد حضره وشاهده شعبها طوال مسيرتها وتحملها لكل الأبتلاءات التى مرت عليها خاصة فقدان زوجها ورفيق دربها القيادى المناضل الشهيد الشفيع احمد الشيخ الذى أغتاله العسكر ظلماً وبهتاناً ووهبت نفسها ووقتها بقية عمرها لشعبها وأبنها أحمد الذى نسأل الله أن يجعله خير خلف لخير سلف على خطى والده ووالدته. يكفى فى هذا المجال أن فاطمة كانت أماً رؤومة وأختاً رؤوفة ومواصلة لمن تعرف وزملاءها فى العمل العام فى مختلف الرؤى السياسية والوطنية. وأول معرفة لصيقة لى بالراحلة فاطمة أحمد أبراهيم عندما التقيتها أمام سجن مدنى فى مارس 1985م عندما جاءت لتزور أخى وشقيقى الأستاذ عمر زين العابدين عثمان عضو الحزب الشيوعى السودانى والذى أعتقل بواسطة جهاز أمن نظام نميرى لنشاطه وأودع السجن الذى خرج منه بعد أنتفاضة أبريل 1985م. وقد رفض لها جهاز الأمن مقابلته وأخبرتها أنى شقيقه وأيضاً جهاز الأمن رفض لنا مقابلته تماماً لا أنا ولا والدى. وتحدثت معى وعرفت أنها جاءت الى قريتنا أكثر من مرة لعمر لتكوين تنظيمات الأتحاد النسائى فى منطقة الحلاوين وكانت تقضى أيامها بالمنزل مع الوالدة والأخوان والأخوات وتأكدت من ذاكرتها الحديدية لأنها سألتنى من معظم شابات القرية اللائى ألتقتهن وما زالت ذكريات حضورها تتداول بين بنات ونساء قريتنا.
أن نظام الأنقاذ لا حياء له ولا أظن على وجهه مذعة لحم من حياء وقيم ومثل حتى يتجرأ رئيسه ويقول أنه قد أصدر القرارات لتشييع جثمان المناضلة الى مثواها الأخير تشييعاً رسمياً وهوه  يعلم أصلاً أن المناضلة المرحومة كانت لا تعترف لهذا النظالم بشرعية أو الشعب السودانى يعترف له بشرعية وكيف تشيع فاطمة بكل نقائها وصدقها ومواقفها الوطنية الصامدة من نظام مغتصب للسلطة واسام بنى وطنها كل واسوأ أنواع العذاب والمثل عندنا يقول الأختشوا ماتوا. ويأتى بوق النظام الهندى عز الدين لذر الرماد على العيون لتمجيدها ويقول يجب الأنصياع لقرار الرئيس لتشييع جثمان المرحومة المناضلة رسمياً ونسى وتناسى أن فاطمة ما ماتت خارج وطنها وبين شعبها وأهل جلدتها الآ بسبب هذا النظام الذى شردها وشرد الغالبية من بنى وطنها فى كل اصقاع الدنيا؟ وهل يعتقد الهندى عز الدين أن رفقاء فاطمة وزملاءها وكل القوى السياسية المعارضة لنظامه عاجزين عن تشييع جثمان فاطمة الى مثواها الأخير كأعظم ما يكون التشييع وهى فى قلب وضمير كل سودانى ما عدا اصحاب الهوس الدينى حاكمين وغير حاكمين.
أريد أن أختم مقالى هذا بأن المغفور لها المناضلة فاطمة أحمد أبراهيم كانت كل أمنياتها وكلما التقى بها قبل أن يفعل العمر بذاكرتها كانت تتمنى أن يمد الله فى أيامها أن تفعل شيئاً لأولاد الشوارع الحفاة العراة الذين يبيتون على الأرض ويفترشونها فى العراء ويطعمون أنفسهم من الكوش وسؤال الناس الحافاً. أتمنى من زملائها فى الحزب الشيوعى ومن زميلاتها فى الأتحاد النسائى ومن كل القوى السياسية رجالاً ونساءاً وشباباً وشابات أن يقوموا بتسجيل منظمة خيرية باسم فاطمة لأطفال الشوارع وتخليداً لذكراها وتحقيقاً لأمنيتها التى ماتت قبل أن تحققها وأن يكون لها فرع بداخل الوطن السودان، وأقول أن يدى مع كل من يحاول القيام بهذا العمل لفاطمة بالمملكة المتحدة وداخل السودان عسي ولعل أن نرد الشئ القليل لفاطمة بعد رحيلها. ولكم تمنيت أن تكرم فاطمة فى حياتها من كل الشعب السودانى بمختلف فصائله وقطاعاته وقبائله حتى تكون قد شهدت بأم أعينها أمتنان شعبها لها ولكن قاتل الله العسكر الذين حرموا الشعب السودانى أبنتهم التى حملت أمانيهم وتطلعاتهم فى حدقات عيونها الى أم قابلت ريها راضية مرضية وأحسبها من سكان الفردوس الأعلى. ونتمنى أن تعود الحرية والديمقراطية لشعبنا ليقوم الشعب السودانى كله بتكريم فأطمة وتشييد الثوابت باسمها تكريماص لها ووفاءاص وعرفاءاص لتجردها من أجل شعبها الذى وهبت كل حياتها من أجله وأن تنصب لها النصب التذكارية فى كل مدينة من مدن سوداننا العريض .
الا رحم الله فاطمة رحمة واسعه وأنزلها منزلة الصديقين والشهداء وحسن أؤليك رفيقاً وأن يجعلها فى سدر مخضوض وطلح منضود وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وأن يكرم نزلها أنه نعم المجيب ولا أله ألا الله وأنا لله وأنا اليه راجعون.
 
 
 
mohamed.z.osman1950@gmail.com

 

آراء