وقائع ما حدث … الجنرال يكشف أجندته الحقيقية …. بقلم: خالد التيجاني النور

 


 

 

tigani60@hotmail.com

 

 

حفلت الأيام الماضية بتطورات مثيرة للاهتمام على صعيد العلاقات السودانية الأمريكية التي شهدت حراكاً ملحوظاً على مدى الأشهر المنصرمة مع مجئ الإدارة الديمقراطية الجديدة في عهد الرئيس بارك أوباما, ربما لما تحمل التصريحات المعلنة للطرفين مواقف جديدة مما هو معلوم منذ تعيين اسكوت قريشن مبعوثا رئاسياً خاصاً للسودان، توجه الجنرال للحوار والتعاطي مع الخرطوم وترحيب الأخيرة الحار بتوجهه، ولكن ما يجعل الأمر مثيراً بدرجة خاصة قراءة ما بين وما تحت السطور في الشهادة التي أدلى بها الجنرال قريشن أمام لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس، وردود الفعل عليها خاصة من قبل بعض المسؤولين في الحكومة مما يُخشى معه أن يكونوا بالغوا كثيراً في شأن توقعاتهم من المبعوث الرئاسي الأمريكي.

ربما يجد المرء بعض العذر للمسؤولين في الخرطوم في رد فعلهم المبالغ فيه، فهذه هي المرة الأولى التي يقف فيها مسؤول أمريكي رفيع في قلب عش الدبابير، الكونغرس الأمريكي المعروف بمواقف متشددة حيال التعاطي مع الحكم الإنقاذي, ليشكو من أن العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان واستمرار اسمه مدرجاً في لائحة الدول الراعية للإرهاب معرقلاً للدور الذي يمكن أن تلعبه واشنطن للتأثير على الحكومة السودانية و(تغيير الأوضاع على الارض).

لقد سارعت الخرطوم للترحيب بمواقف قريشن واعتبرتها (شيكاً على بياض) ومطالبة بلا مقابل لرفع سيف العقوبات المسلط على السودان، وشطبه من لائحة الدول الراعية للإرهاب، بل بلغ الأمر قمة المفارقة حين طالب متحدث سوداني رسمي إدارة أوباما بتبني التصور الذي عبر عنه قريشن أمام لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس وجعله (سياسة أمريكية رسمية ومعلنة تجاه السودان)، ولم يختلف الأمر كثيراً مع مستشار رئاسي سوداني رأى في شهادة قريشن (خطوة متقدمة لمخاطبة الكونغرس الذي ظل يشكل سداً منيعاً أمام تطوير العلاقات بين الولايات المتحدة والسودان وتطبيعها، وننتظر لنرى كيف تتحول إلى خطوات وإجراءات).

والسؤال هو هل أعلن المستشار والمتحدث هذه المواقف الرسمية باسم الحكومة السودانية بعد قراءة فاحصة متكاملة لشهادة قريشن أمام لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس، أم ان الأمر لا يعدو أن يكون رد فعل متعجل لم يصدر عن وعي عميق باستحقاقاتها؟. والإجابة عن هذا السؤال مهمة للغاية، كما سنرى، لقراءة مستقبل علاقات الخرطوم وواشنطن وما يترتب على ذلك من تحولات محتملة عميقة الجذور في بنية الوضع في السودان، ويتجاوز مجرد الاستجابة السطحية للمطالب الظاهرة التي تسعى الخرطوم لتحقيقها من خلال الانخراط في الحراك الدائر مع واشنطن.

وللمساعدة في إيجاد إجابة على هذا التساؤل من المهم أولاً أن نعرف بدقة المواقف التي عبر عنها على وجه الخصوص السيناتور جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس التي شهدت جلسة الاستماع، وتلك التي كشفها المبعوث الرئاسي الخاص الجنرال اسكوت قريشن، ومع أن آخرين قدموا شهادات أيضاً إلا أننا نقتصر على هذين الرجلين على خلفية أن مواقفهما بشان الخرطوم مرحب بها من قبل عرَّابي الحراك الراهن مع واشنطن. ولذلك فإن معرفة دوافعهما الحقيقية من وراء دعمهما لسياسة الحوار والتواصل مع الخرطوم ستمكن من تقديم قراءة فاحصة أكثر واقعية عما سيقود إليه الحراك الراهن بين الطرفين.

ربما ليس هناك خلاف حول أن إدارة اوباما لم تقرر بعد بصفة حاسمة سياساتها تجاه السودان، سواء من ناحية توجهها وتحديد أهدافها بدقة أو من ناحية أسلوب تنفيذ هذه السياسات، ولا يزال الحوار محتدماً في أروقة مراكز صناعة القرار الأمريكي لبلورة سياسة جديدة تجاه السودان، وليس سراً أن هناك اختلاف في وجهات النظر بين شخصيات نافذة داخل إدارة أوباما بشان التعاطي مع السودان، ولكن كما سنرى لاحقاً فإن هذا الاختلاف لا يتعلق بالأهداف التي تسعى واشنطن لتحقيقها، ولكن حول أي الأساليب أفضل لتحقيقها، وأهمية جلسة لجنة العلاقات الخارجية بشأن السودان التي عقدتها الخميس الماضي للاستماع للجنرال قريشن تكتسب أهمية خاصة كونها أخرجت للعلن ما كان دائراً في كواليس واشنطن، كما أنها أسهمت في إعطاء صورة أكثر وضوحاً عن مواقف الجنرال قريشن الحقيقية التي تتعدى مجرد إبداء النيات الحسنة للحوار التي طالما أطربت الخرطوم وجعلتها تخرج عن وقارها الدبلوماسي، وافقدتها القدرة على التأني في قراءة أفكار الجنرال الذي دأب مسؤولون هنا في التعامل معها وكأنه بات عضواً في الحزب الحاكم.

واللافت في جلسة الاستماع بالكونغرس عنوانها (بإتجاه استراتيجية شاملة للسودان)، فقد قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية السيناتور جون كيري في كلمته أنه، بعد زيارته للخرطوم في أبريل الماضي، عاد مقتنعاً بأن هناك حاجة ملحة لبناء استراتيجية أمريكية شاملة ودقيقة  تجاه السودان تتجاوز الجدل أيهما اكثر أولوية الوضع في دارفور أم الجنوب، وبشأن اسلوب التعاطي مع السودان أيهما أجدى الجزرة أم العصا للتأثير على قادة الحكم في الخرطوم، معتبراً أن ذلك الجدل افضى إلى سياسات متفرقة، قادت بقوة سياسة الولايات المتحدة في اتجاه واحد، بتغليب رأي هذا الطرف أو ذاك.

 وأشار إلى أن جلسة الاستماع تهدف إلى استكشاف آفاق هذه الاستراتيجية، وبناء إطار استراتيجيي يبدأ بتحديد أهدافنا، وحسب رأيه فإن هذه الأهداف تتضمن (أولاً المساعدة في تحقيق السلام والأمن في دارفور والمنطقة، وثانياً تعزيز السلام بين الشمال والجنوب، وثالثاً توسيع التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، ورابعاً تحقيق الديمقراطية، وخامساً وقف النزاعات في أرجاء البلد). وطرح كيري السؤال المهم (ما هي أفضل طريقة لتحقيق هذه الأهداف)؟.

واعتبر كيري عن اعتقاده بأن (العواقب المستمرة للإبادة الجماعية في دارفور)، والاحتمالات المتسارعة لعودة تراجيديا الحرب بين الشمال والجنوب، تخلق ديناميكية تتطلب تواصلا مستمراً على أعلى المستويات.

واللافت هنا استخدام كيري لوصف (الإبادة الجماعية) لما حدث في دارفور، ويلاحظ أن كيري استرجع شهادة وزير الخارجية الأمريكي السابق الجنرال كولن باول أمام اللجنة عقب زيارته لدارفور منتصف 2004م التي قال فيها أن الولايات المتحدة (وجدت فظائع واسعة ومنسقة بصورة منظمة) ووصف ما يجري بأنه (يشكل إبادة جماعية)، وأوصى حينها بزيادة قوات حفظ السلام الإفريقية، التي أصبحت الآن مشتركة مع الأمم المتحدة، وقال كيري أنها أحدثت فرقا لكن (لا تزال هناك ضرورة لنشرها الكامل وإعطاءها حرية حركة)، وهذه نقطة مهمة لأنها ستكشف عند قراءاتها مع إفادة للجنرال قريشن سنوردها لاحقاً تشير إلى أن سياسة واشنطن الجديدة تتضمن توسيعاً لتفويض قوات يوناميد، وجعلها أكثر فاعلية ميدانياً.

وكشف كيري عن أنه أبلغ المسؤولين في الخرطوم إبان زيارته أن استعادة المساعدات التي فقدت بفعل طرد المنظمات في مارس الماضي ضرورية، ولكنها ليست كافية وأن المطلوب أكثر من مجرد الوضع السابق قائلاً (إن الحفاظ على الوضع البائس ليست هي الإجابة).

ومن الأمور اللافتة ما اشار إليه كيري من أن الاهتمام الأمريكي يجب ألا ينصب على 2011م موعد استحقاق تقرير المصير، ولكن على ما بعد ذلك وكيف سيبدو السودان في ما يلي ذلك التاريخ، قائلاً إن المطلوب النظر إلى عملية السلام الجارية ليس باعتبارها حدثاً من الماضي، ولكنها عملية ممتدة إلى المستقبل، وهي إشارة صريحة إلى أن الدور الأمريكي المطلوب ليس معنياً فحسب بالتنفيذ الكامل لاتفاقية السلام الشامل، ولكن بما سيفرزه أيضاً الوضع النهائي لذلك الاستحقاق.

وكشف كيري عن أن أهم أجندة زيارته للخرطوم كان إقناع المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بالدخول في حوار ثلاثي الأطراف بإضافة الولايات المتحدة لمعالجة التحديات التي تواجه اتفاقية نيفاشا، وهو ما نجم عنه مؤتمر واشنطن في يونيو الماضي، ثم الحوار الثلاثي الذي عقدته هذه الأطراف بالخرطوم الشهر الماضي، وهو ما يشير إلى خلق آلية جديدة لمتابعة تنفيذ اتفاقية السلام لم تكن مضمنة في الاتفاق، وتجاوزت عملياً تلك الآليات المنصوص عليها في الاتفاقية.

على أية حال تبدو إفادات السيناتور كيري متحفظة إلى حد ما ولا تكشف الكثير من التفاصيل عن توجه السياسة الأمريكية الجديدة تجاه السودان، ولكن المفاجأة تأتي من قراءة إفادات الجنرال قريشن أمام لجنة الاستماع سواء تلك المعدة سلفاً أو تلك التي وردت في ثنايا إجاباته على أسئلة المشرعين، وتضمنت معلومات مثيرة للغاية تميط اللثام بوضوح عن خفايا ما يدور وراء الكواليس في العلاقات بين واشنطن والخرطوم، كما تتضح منها أجندته الحقيقية التي لا تزال مخفية أمام الرأي العام هنا بغلالة النيات الحسنة والقفازات الحريرية التي يرتديها عند تعاطيه مع الخرطوم منذ بدء مهمته. ومن المهم الإشارة هنا إلى أنه لا يمكن قراءة شهادته أمام الكونغرس إلا أنها تعبير حقيقي عن أفكاره، وليست مجرد كلمات يلقي بها لإلهاء منتقدي اسلوب تعاطيه مع الخرطوم، أو لكسب تعاطفهم، فما أدلى يأتي تحت توصيف أنه شهادة أمام مجلس تشريعي نافذ، وليس كتلك المجالس النيابية في عالمنا الثالث المفتقرة لروح وإرادة المحاسبة ولا تتعدى مهمتها البصم أو التبرير للسياسات الحكومية، ولذك فإن الجنرال قريشن يعرف أنه محاسب بما يقول، ولا مجال للتلاعب في شهادة يعرف قيمتها الحقيقية، وأن الالتفاف عليها مدمر لمستقبله السياسي والشخصي.

ولأن الجنرال قريشن مدرك لأن منتقديه يركزون على أمر جوهري وهو أنه مضى بعيداً في تبني سياسة الحوار والتواصل مع الخرطوم، مخالفاً ما كان سائداً في شان التعاطي مع الحكم هنا في السنوات الماضية, فقد بادر في شهادته المكتوبة إلى إعطاء تفسير دقيق لشرح ما يعنيه الاسلوب الذي ينتهجه، حيث قال (إن الحوار والتواصل الذي ننتهجه مع الخرطوم ليس من أجل التواصل لذاته) كما أنه ليس بغرض التكيف مع الوضع الراهن واستيعابه، ولا يعني التخلي عن الضغوط، ولا توزيع الحوافز على قاعدة التمنيات)، مضيفاً (في المقابل هو من أجل العمل على تغيير الأوضاع على الأرض).

ومضى قائلاً (إن التواصل مع الخرطوم يعني الحوار الصريح بشأن ما يجب أن ننجزه في الأشهر المقبلة، وكيف يمكن أن نساعد في جعل هذه الإنجازات تحدث، وحول كيف يمكن أن تتحسن العلاقات الثنائية إذا تحولت الأوضاع على الأرض، وحول كيف يمكن أن تصبح الحكومة السودانية أكثر عزلة إذا لم تعمل الآن، وكيف يمكن أن نضمن أن كل الأطراف تدرك أنها ستتحمل المسؤولية عن العواقب)؟.

وكشف قريشن بوضوح عن ما يعنيه بهذه المنجزات التي يريد تحقيقها عبر الحوار والتواصل متسائلاً (ماذا نريد أن ننجز، نريد بلدًا يًحكم بمسؤولية، بعدالة، وديمقراطية، في سلام مع نفسه ومع جيرانه، اقتصاديًا قابل للحياة، بلد يعمل مع الولايات المتحدة على تحقيق المصالح المشتركة. نريد سلاما شاملا ومستداما في دارفور، وتنفيذا كاملا لاتفاقية السلام وسلاما في فترة ما بعد الاستفتاء سواء بقي السودان موحدا أو انقسم إلى دولتين، نريد فقط الأفضل للشعب السوداني)، قائلاً إن تلك هي رؤيته تجاه السودان, وتحدث عن كيف يمكن تحويلها إلى واقع مشيراً إلى أن أدواته لتنفيذ هذه  الاستراتيجية هي استخدام (الدبلوماسية، الدفاع، التنمية، وكل عناصر القوة الأمريكية).

وإفادة قريشن الآنفة الذكر تحمل مواقف واضحة الدلالة، إنه يشير إلى أن السياسة الأمريكية التي يسعى إلى تنفيذها لا تهدف للحفاظ على الأوضاع الراهنة في السودان، بل تغيير الأوضاع على الأرض، وهو أمر لا أدري كيف يمكن أن يفهم ويرحب به في الخرطوم على أنه امر مرغوب، بل وتحض على أن يصبح سياسة رسمية لواشنطن، في وقت يصف فيه الحكم في الخرطوم ضمناً بأنه (غير مسؤول، ويفتقر للعدالة)، فضلاً عن سؤال مهم عما يعنيه بحدود ومدى تغيير الأوضاع الراهنة.

وعلى الرغم من أن قريشن تفادى وصف (الإبادة الجماعية) بشأن دارفور، إلا أنه استخدم ألفاظاً غليظة في وصف الوضع، وفي معرض إشارته إلى أربعة أركان اعتبرها أساسية لتحقيق رؤيته، اعتبر الركن الأول فيها والملح هو (وضع نهاية نهاية حاسمة للنزاع في دارفور، وللانتهاكات الكبيرة لحقوق الإنسان هناك، والعدالة لضحاياها الكثيرين)، مضيفاً (لن ننسى أبداً الأرواح التي فقدت بلا مبرر طوال خمس سنوات، والملايين الذين لا يزالون نازحين)، واعرب عن أن الحل الوحيد لهذه الماساة الإنسانية يأتي عبر حل سياسي يتفاوض عليه بين أطراف النزاع. ويقول قريشن إن المطلوب لحل أزمات السودان هو تحقيق نتائج كبيرة،

وفي معرض إجابته على سؤال من أحد الشيوخ بشأن رأيه عن أن ما يجري الآن في دارفور هو بقايا عملية إبادة جماعية، خلافاً لوصف الرئيس أوباما بانها مستمرة، تجنب الرد مباشرة، قائلاً إنه( لم يقل أن الإبادة انتهت، ولكنه على الرغم من ذلك يركز على المعالجة).

وربما كانت أكثر الجوانب إثارة في إفادات قريشن ما ورد في رده على أسئلة بشأن انتقاده لاستمرار إدراج اسم السودان في الدول الراعية للإرهاب على الرغم من التعاون الذي لقيته واشنطن من الخرطوم في هذا الصدد منذ مطلع هذا العقد، حيث كشف أن السودان قدم المساعدة للولايات المتحدة في توقيف قيادات عملاتية مهمة في تنظيم القاعدة، كما أماط اللثام عن الغموض الذي لازم ملابسات الهجوم الإسرائيلي على قوافل في شرقي السودان في الأشهر الماضية، حيث قال قريشن إن

(السودان كان متعاوناً في وقف تهريب السلاح إلى غزة عبر مصر)، ويشار إلى أنه في وقت سابق من هذا العام كشف مسؤولون أمريكيون عن ضرب إسرائيل لقافلة تهريب سلاح في شرق السودان إلى غزة. وأن مصر، مدفوعة بشكاوي أمريكية، حذرت السودان من النشاط الإيراني المتنامي لتهريب السلاح إلى غزة.

ومن إفادات قريشن المهمة عدم رضاه عن التفويض الراهن لعملية حفظ السلام المشتركة بين الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي (يوناميد) حيث وصفه بأنه (ضعيف ويحتاج لتغيير)، وكشف عن أنه يعمله مع المسؤولين في بعثة يوناميد لخلق (قطاعات وممرات آمنة) في دارفور. تسهل حركة الناس فيه بأمان، لافتاً إلى أن هذا (قد يحتاج لدعم يوناميد بقدرات جوية)، وقال قريشن إن هناك حاجة لـ (قدرات استخبارية واستطلاعية خاصة، مع تقدم عملية السلام يمكن التنسيق بشأنها مع قوات أفريكوم)، في إشارة إلى قوات القيادة الأمريكية لإفريقيا، وهذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها مسؤول أمريكي صراحة عن نية بلاده استخدام قوات أفريكوم في دارفور، ومن المهم هنا الإشارة إلى مقالة كتبتها في هذا المكان قبل أكثر من عام اشرت فيها إلى أن إصرار الولايات المتحدة على نشر قوات عسكرية في دارفور، والتي تمت في نهاية الأمر بصيغة يوناميد، تؤكد أن حرص واشنطن على إعطاء أولوية للتدخل العسكري في دارفور على حساب التسوية السياسية لحل جذور الأزمة يتعلق بأجندة قوات أفريكوم التي أعلنت عنها قبل بضع سنوات، وبدأت مهمتها العام الماضي، وهي تمثل نموذجاً جديدأ للتدخل العسكري الأمريكي لا يقوم على إرسال حشود من القوات، ولكنها تقوم على فكرة السيطرة والقيادة وترك مهمة الوجود على الأرض لقوات من حلفائها، وتوقعت في ذلك المقال أن مشكلة دارفور لن تجد لها حلاً حتى تضمن واشنطن دوراً لـ(أفريكوم) في دارفور تدشن به نموذجها الجديد وتعتبره مثالاً على النجاح في استراتيجيتها الجديدة للتدخل.

ومن إفادات قريشن المهمة أيضاً اقتراحه السماح لقوات حفظ السلام الدولية في الجنوب (يونميس) بتقديم المساعدة لقوات (يوناميد) في دارفور، وكذلك العكس بأن تساعد (يوناميد)قوات (يونميس في الجنوب).

ومجمل هذه المقترحات التي تأتي من رجل ذي خلفية عسكرية، والتي تتضمن توسيعاً لتفويض القوات الدولية الموجودة في السودان التي يقترب عددها من أربعين ألفاً، ثم مد أذرع التدخل العسكري الأمريكي المباشر تحت مظلة خلق أذرع لدور استخباري لـ(أفريكوم) في دارفور يعني ببساطة أن الجنرال قريشن، التذي تبدو الخرطوم مولعة بقفازاته الحريرية، ليس رجل دبلوماسية رقيق الحاشية كما يبدو، بل يستبطن دوراً أكثر خطورة بكثير مما هو باد على السطح.

وفي إفادة ذات مغزى قال الجنرال قريشن إن الصين تشاطر واشنطن أجندتها تجاه السودان، ودافعها في ذلك هو (حماية استثماراتها)، ولم نسمع توضيحاً أو نفياً من بكين لذلك. فهل تصحو الخرطوم لتجد نفسها ضحية تفاهمات لعبة الكبار على الساحة الدولية؟.

على أية حال يبقى أغلب ما سطرته آنفاً هو نقلاً لوقائع، أكثر منه تحليلاً، لما جرى في جلسة استماع لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ لشهادة الجنرال قريشن، قصدت بها أن يلم الرأي العام بشيئ من التفصيل بما وراء الترحيب الحكومي ببعض إفاداته ورأت فيها دعماً للحراك الجاري بين الطرفين، وكما تساءلت سابقاً إن كان ذلك الترحيب عن وعي بكامل استحقاقات ما طرحه قريشن، وهذا يعني أن ما يجري وراء الكواليس يحمل دلالات بالغة الأهمية لجهة مجريات الأمور في البلاد في الفترة المقبلة، أو أن هذا ترحيب متعجل لم يدقق في بواطن الأمور، وفي هذه الحالة فإن المآلات ستكون اكثر درامية.

 

عن (صحيفة إيلاف) السودانية

 

آراء