وكُلُ ذلك لم يُسَلّم رأسَهُ من التدَحرُج على سلالم القصر

 


 

 

في منظرٍ مهيب وطِئت أقدام شيوخ المناضلين شارع الستين مساء الأمس .. أتوا منهُم من يمشي على ثلاثه ومنهُم من يُساعدهُ الأحفاد. شارع الستين الذي إنتزع القُفاز من ( طريقِ الجامعه ) في أدبيات النضال السوداني المَفخَره. أتوا من كلّ فَجٍّ فكأنّما استولدت وجودَهُم هذه اللحظات التاريخيه في حياةِ الأُمّه.. كأنّما نَبَتوا في الزمانِ والمكان بعدَ أن سقتهُما الأكتوبريات التي انسابت هادِره من مُكبّرات الصوت.
طريق الجامعه صار دونَهُ خرط القتاد عندما اعتبر غوردون العصر أن وسط الخرطوم منطقه مُحَرّمه لأنّ فيها قَصرَهُ فأحيا خطوط المواجهه التي أقامَها غوردونٌ سابق وركّز دفاعاته على طول شارع الطابيه وحفر المسافة كخندقٍ كبير طويل وكل ذلك لم يُسَلّم رأسَهُ مِن التدحرج على سلالم القصر. تمترسَت القوات على شارع الطابيه عند موقف شروني واستعملت كل آلتها العسكريه الحديثه في مواجهة الأبناء والبنات حتى أظلمت الشوارع بالبمبان وتغير لونها بمياه المجاري الملوّنه والدماء وعَرَق الثوار وآثار أقدامَهُم النبيله فوق الأسفلت.
نَفَس الشارع هُوَ هُوَ ونفس القصر هُوَ هُوَ .. شارع الطابيه كان غردونهُ في القصر يدافعُ عنهُ في مواجَهة قوات المهدي وغردونٌ آخَر يدافِعُ عن قَصرِهِ ضدّ أبناء بلدِه.
نُصِبَت المنصّه عند تقاطع الستين مع لفّة جوبا كعرشٍ أسطوريٍّ حَفّتهُ ملائكةٌ من سيّداتنا وسادتنا كبارنا وصغارنا. كان الشهداء حاضرين بقوه بأرواحهم وصورهم التي تُطل من ملابس الأمهات. أتت قوة الدَّفْع من الماضي لتجرف إفك الإنقلابيين وسدنتهم وحركاتهم ومليشياتِهِم وخياناتهم وانانيتهم ولتُثَبّت قلوب الصغار وتدعم المبادئ المبذوله من اجل وطن الغد المشرق الجميل.
بعيون شرطيه فاحصه لا تتركُ شيئاً للصُدَف ادهَشنا تأمين المَقَر الذي أتى بأيدٍ مُتَخصّصه من لجان المقاومه التي تمثّلَت في دائرة الإختصاص ( الجريف ) وسيطرتها الواضحه على كلّ شارده ووارده وكأنّما صار لكل لجنه بصماتها المميزه التي اكتسبتها من مدرسة الحياه الجهنميه التي زجّتهم أقدارنا في أتونِها فاكتسبوا المهارات التي قضينا فيها عمراً من التدريب. كانوا يعلمون ماذا تعني المسؤوليه عن آباء وأمّهات وأجداد معظمهم يعاني من الأمراض ومشاكل الرؤيه وصعوبة المشي. قمنا بالمرور حول المنطقه وتأكد لنا أن هؤلاء الشباب جعلوا أمر إقتحامَها عصيًا بل ومستحيلاً بسبب العوائق التي وضعوها بطريقةٍ هي نسيج وحدِها. وضعوا في الإعتبار زمن الإخلاء ومواقع الإخلاء في الجوار. كانوا يُحَوّمون كالفراشات يفرِضون إرادَتَهُم في قوّةٍ وحسمٍ وهدوءٍ وتهذيب.
عندَما أُصدِرَ الشعار وَنُودِيَ به ( نحنَ معاكم ) كُنّا نعلمُ أنّكُم خيرُ مَن يؤتَمَنُ على هذا الوطن. لم نقُل انتم معنا ولكنّا كنا هنالك في الموعِد لنقولَ كلمتنا أمامكم وأمامَكُنّ يا شباب بلادنا ولنخلع شارات قيادتنا لثوراتٍ سابقه ونُعَلّقها على جيدِكُم ونعودُ جنوداً خلفكُم.
من جانبنا نؤمن بأن ما حدث في السادس والعشرين من فبراير هو مجهودٌ مُقَدّر من مجموعةٍ نبيله من ابناء شعبنا هدفَ إلى وضع الجميع أمام مسؤولياتهم وقد نجحَ المسعى. لا اعتقد أنه يوجد عذر بعد الآن لأيّ تقاعس او إتّكاليه فالأمرُ جلل ويحتاج لمجهودنا معاً فنحنُ أمام لصوص استولوا على هذا البلد بمساندة آخرين أتينا نحنُ بهم ولم نُحسِن الإختيار ولم نُدَقّق فيه.
وغداً ، معاً ، سنصل القصر أجيال طريق الجامعه وأجيال شارع الستين. سيمتلئ الشارع العجوز فخراً وسنستعيد وطناً عزيزًا
melsayigh@gmail.com

 

آراء