هلا توقفتم قليلا أيها السادة والسيدات عن تبادل الأمانى والأشواق المجردة فى ذلك الفضاء الفسيح ؟
بمعنى... إذا تم إعتقال البشير وترحيله للمحكمة الجنائية الدولية ، هل سيؤدى ذلك لنهاية حكم الإسلاميين للسودان ؟.
صحيح أن كثيرا من مقاليد الأمور أصبحت فى يد (البشير) بعد المفاصلة مع (الترابى)...ولكن هذا الأمر تم بمعاونة الإسلاميين أنفسهم ، أو بمعنى أصح ، من قبل الغالبية العظمى من مجموعة الإسلاميين التى رأت الإطاحة بالترابى حتى يتحولوا لمجموعة (ترابيين) بدلا عن (ترابى) واحد !.
خلال السنوات الخمسة عشر الماضية اتضح تماما أن من تآمروا على الترابى ليسوا على قلب رجل واحد...تلك المجموعة تحولت بمرور الزمان وتغير الأحداث والمصالح والسياسات لمجموعات متعددة...وبضرورة الحال كل مجموعة تعمل ضد المجموعة الأخرى حفظا على مصالحها وانطلاقا نحو (القصر)!.
هذا الأمر أدى لتناسى (النغمات القديمة) التى سيطرت على الخطاب الإعلامى لجماعة الإسلام السياسى تماشيا مع المرحلة الجديدة..اذ كيف يكون هنالك ثمة خطاب موحد لمجموعات غير موحدة من الأساس..على الأقل فى (الباطن) ؟!.
وبهذه المناسبة دعونا نتساءل...لماذا رأت (معظم) تلك المجموعات المتصارعة فى شخص (البشير) أنه رجل المرحلة والرئيس الضرورة لسنوات خمس قادمات ؟! .
الإجابة الحاضرة أن (بعض ) تلك المجموعات لم تبلغ مرحلة الفطام بعد...ومتى بلغتها- أى المرحلة - فإنها ستزاحم الرئيس (الضرورة) كتفا بكتف ، فتلك الضرورة المفروضة حتمها (الخوف) من ( فئات أخرى) ظنت أنها بلغت الفطام ، ومن ثم لم تعد هنالك ضرورة -بالنسبة للفئة المفطومة - للرئيس (الضرورة)!!.
تاريخ جماعات الإسلام السياسى فى السودان وجميع العالم يقول لنا أن تلك الجماعات لا تتعمد المواجهة المباشرة، إذ لابد لها من درع تحتمى خلفه...والإنتخابات الأخيرة فى السودان ومعركة الأفيال التى شهدتها أحداث تشكيل الحكومة من داخل المؤتمر الوطنى أسفرت عن حقيقة مهمة ...وهى أن الرئيس الضرورة والذى ظنت تلك الجماعات أنه لازال بمثابة ذلك (الدرع القديم) قد بات فعلا هو المتحكم الأساسى واللاعب الجوكر ...وأن مسألة مغادرته بعد سنوات خمس لن تتحقق فى ظل خط الدفاع الذى إبتدأ فى تشييده حول مملكته. وأن (الجماعة) أصبحوا فى موقف أن يكونوا أولا يكونوا To be or not To be.. فالرجل أصبح غير مضمون العواقب.... هنا لابد من المواجهة..ولكن كيف السبيل ؟.
سؤال آخر تمليه الأحداث.. إذا غادر البشير فى هذه اللحظة منصة الحكم بسبب الإعتقال أو حتى الوفاة ..هل المؤتمر الوطنى بكل فئاته المتناحرة سيتفق حول البديل ؟...أرجوكم لاتحدثونى عن الدستور وعن نصوصه .
لو كانوا سيتفقون أو متفقين من الأساس لما حاولوا تجريد الرجل من أنيابه ومخالبه خلال جلسات تشكيل الحكومة فى الأيام السابقة.
وبالنسبة إلى الجيش ...هل قلت الجيش ؟!!.. فإن مصيره وبكل أسف متعلق بمصير الفئة التى ستقود زمام المؤتمر الوطنى..ولهذا تم ابتداع قوات أمنية منذ زمن طويل لتكون موازية للجيش فى وقت المواجهة..المواجهة بين من ومن ؟!!...
واقع الحال يقول أن تلك القوات الأمنية لايمكن أن تكون صنيعة البشير وهو إبن القوات المسلحة...فإبن الجيش لايخشى جيشه مهما حدث...من الذى ورط الرئيس الضرورة فى تلك القوات ؟ ومن الذى فرضها عليه ؟ وهل القوات المسلحة فى حالة رضاء تمام عن البشير ؟ هل أقول لكم إسألوا محمد ابراهيم وجماعته من الإنقلابيين السابقين ؟ أم أقول فلتسألوا وزير الدفاع الجديد (المؤقت) وخلافه الدائم مع الوزير السابق!!.
إنه فعلا لسمك لبن تمر هندى !!!!.
ختاما....اذا سلمت جنوب أفريقيا (البشير) للمحكمة الجنائية ستخسر وجودها واحترامها فى القارة الأفريقية ...فالبشير بكل فعائله لايمكن أن يكون السبب الأساسى لدق مسمار النعش الأخير فى جسد القارة..خاصة وأن تلك القارة العجوز لازالت وما برحت تقود نضالها منذ سنوات ضد الإمبريالية العالمية...ينبطح من ينبطح من القادة ولكن جزوة النضال مستعرة...فهل تخمدها جنوب أفريقيا ؟. فى اعتقادى وبكل موضوعية أن الإجابة (لا). ولكن تقلبات السياسة والمصالح لا ضمان فيها ولا نتائج حتمية.
بعد ذلك...وحين يعود البشير لبلاده فإن تصفية الحسابات سيكون لها وقع آخر....ومعركة طويلة الأمد...مع من قام بتحريك الملف فى هذا التوقيت من (المتضررين)..الذين ظنوا أن الرئيس الضرورة لم يعد ضرورة!!.
هل قلت معركة الإسلاميين مع الإسلاميين ؟!!.
ورغم ذلك ، فالدول الأفريقية -أو حكوماتها -ليس لها ضمان أو كلمة...ما علينا سوى الإنتظار.
إنتظار المعركة...
وفى كلا الحالتين...حالة الغياب أو القدوم ، فإن الشعب هو الكاسب الأعظم.
فقط إلزموا الصبر.. محمود.
mahmoudelsheikh@yahoo.com
////////////