يا مولانا رفقاً بـ “هُنَّ” .. ! … بقلم: منى أبو زيد

 


 

منى أبو زيد
8 August, 2009

 

 

 

(1)

 

 

سأل الشيخ/ الدكتور(محمد هاشم الحكيم) في إحدى حلقات برنامج (فتاوى) على قناة (النيل الأزرق) ـ سأل ـ الشيخ (جلال الدين المراد)، عضو مجمع الفقه الإسلامي، عن حكم كتمان الزوج أمر زواجه من أخرى ! ..

 

فأجاب الشيخ/ ضيف الحلقة : بأن من حقها عليه أن تطالب بالعدل في حال وجود الشراكة، وليس من حقها أن تعرف بأمر زواجه .. وعندما استوقفه الشيخ/ مقدم البرنامج، عند هذه النقطة (المُربكة) .. أجاب بأن (لا نقول بأن إخبار الرجل زوجته بأمر زواجه من أخرى حرام .. بل نقول إن هذا ليس واجباً عليه) ! ..

 

وفي معرض استرساله في (تفنيد) أسباب الفتوى بعدم وجوب علم الزوجة بأمر زواج زوجها من أخرى، قال الشيخ (جلال الدين) : أنا كرجل (مهيأ) لهذا  ـ يقصد مهيأ للتعدد ـ أما هي : أي المرأة، فليست كذلك ! ..

 

ثم تحدث عن طبيعة نساء يعرفهن، خطبن لأزواجهن، وأشار إلى طبيعة أخريات ـ فهمنا من كلامه أنهن يمثلن الأغلبية ـ لا تقبل الواحدة منهن بوقوع واقعة التعدد عليها ! ..

 

الفتوى الشرعية ـ كما تعلم ـ هي بيان حكم الله ورسوله فيما يتعلق بأفعال المكلفين الشرعية .. يصدر هذا البيان عن عالم متبع لكتاب الله وسنة رسوله، عارف بأدلة لتلقي والاستدلال .. إلخ ..

 

والمفتي ـ كما تعلم ـ هو معلم ومرشد يبين الحكم الشرعي في المسالة (موضوع الفتوى) بحسب اجتهاده .. وعليه فهو لا يلزم السائل برأيه، بل يلتزم الأخير بذلك إيماناً واحتساباً ..

 

الشاهد من هذا أن ملامح (خطاب) إصدار (الفتوى الشرعية) قد تشبه إلى حد كبير ملامح إصدار (الحكم القضائي)، في "إبانة" الوعاء اللفظي الذي يحمل مضمون الحكم، وفي التزام الحياد العاطفي تجاه المسألة موضوع (الحكم) .. إلخ ..

 

مؤكد أن كثيرات ـ كنت منهن ـ كن ينتظرن (هندسة) الشيخ لهذه الفتوى (الغريبة) التي تخالف ما نما إلى علمهن تطبيقه في دول إسلاميه أخرى اتكأت قوانينها على فتاوى علماء أجلاء آخرين (فالقانون الماليزي يشترط رضا الزوجة الأولى، والمصري يشترط علمها، وبالتالي فكلاهما يجيز طلبها الطلاق للضر في حال ثبوت عدم علمها بالأمر) ! ..

 

كنا ـ معشر النساء المتابعات للحلقة ـ بحاجة إلى صيغة (مقنعة) و(حادبة) على شعور الزوجة حتى وإن كانت تقول بعدم أحقيتها في امتلاك ناصية العلم بوجود أخرى تشاركها فراش ومال وقلب زوجها ! ..

 

لكن حديث الشيخ (جلال الدين) بدا ـ بكل أدب واحترام ـ أقرب إلى الجفاء مع المرأة، وأقرب إلى(استفزازها) منه إلى الحرص على إقناعها .. لم يكن القالب جاذباً، وأخشى أن أقول ـ بكل صراحة ـ إنه كان (منفراً)، بل وباعثاً على استخدام (المشاهد) رخصة عدم التزام السائل (أو من يشاركه المقام) برأي المفتي ! ..

 

على كل حال : مؤكد أن الشيخ (جلال الدين) محق في افتراضه بشأن كونه (مهيأ) كرجل، للتعايش مع واقع التعدد في الزواج .. أما افتراضه عدم تهيئة المرأة لذات الواقع .. فهو كلام عوضاً عن كونه (مستفز) لمشاعر النساء .. فهو يقطع الطريق على (اقتناع) كثيرات منهن بعدالة تطبيق الأزواج للرخصة مضمون تلك الفتوى .. و غداً ـ إن مد الله في الآجال ـ للحديث بقية !

 

 

(2)

 

ليس واجباً على الزوج إخبار(إعلام) زوجته بأمر زواجه من أخرى .. والرجل مهيأ بطبيعته للتعدد، أما المرأة فليست مهيأة .. لذلك له أن لا يخبرها وليس لها إلا أن تطالبه بالعدل .. وليس في الدين نص يقول بوجوب علم المرأة بأمر زواج رجلها من أخرى ..

 

هذا ما نصت عليه (فتوى) الشيخ (جلال الدين المراد)، والتي صدرت مشفوعة بقليل من (علمه الشخصي) عن طبيعة المرأة، ورأيه الشخصي في سلوك المرأة ! ..

 

الأمر الذي تمخض عنه سؤالي الذي أوردته في مقال الأمس عن ملامح وضوابط الخطاب عند إصدار الفتاوى الدينية .. وكيف أن مواطن القصور في هذا الخطاب، قد تتراوح بين الغموض والاقتضاب ـ "كما في فتاوى مجمع الفقه الأخيرة .. تنام ملء جفونها .. وتسهر الخلق جراها وتختصم" ـ والشروحات العامرة بالآراء الخاصة ! ..

 

وهكذا .. قد تُبلل بضع قطرات من آراء الشيخ (الخاصة) وانطباعاته الشخصية، (نص) الفتوى، تاركة الباب موارباً أمام الكثير من التساؤلات المشروعة، على غرار التساؤلات التالية أدناه بشأن فتوى جواز (دس العرسة التانية من المرة الأولى ) ! ..

 

بادئ ذي بدء يا (مولانا) : أوليس الذي خلق الرجل وجعله (مهيأ) لواقع مؤسسة الزواج، بقادر على أن يخلق المرأة/ شريكته على ذات النهج وإن اختلفت طبيعتها في قبول الأمر و آليات تعايشها معه ؟! ..

 

ثم : تشجيع الرجل على إخفاء أمر زواجه من أخرى عن زوجته، ألا يتنافى مع مبدأ اشتراط العدل بين الزوجات والذي لا خلاف عليه ؟! .. أوليس في تبعات ذلك الكتمان من ظلم للأخرى/الجديدة، التي يظل مكانها شاغراً على مقعد الإشهار الاجتماعي ـ وليس الشرعي الذي يتحقق بعقد الزواج الرسمي ـ فتظل محرومة من متعة حرية الظهور العفوي و المرتجل مع زوجها خشية علم الأخرى ؟! ..

 

ثم : أوليس (شيوع ثقافة كتمان الزواج من الأخرى) أكثر مدعاة إلى نشوء الفتن والشكوك وانعدام ثقة النساء في أزواجهن ؟! .. ثم إلى أين يذهب (حسن التبعل)، في ظل تلك الأجواء المكهربة،الملغمة بالشكوك وانعدام الثقة التي (تكرس) لنشوئها تلك الرخصة ؟! ..

 

ثم : كيف يطمئن قلب الزوجة إلى تحقق العدل بينها وأخرى لا تستطيع أن تعلم عنها شيئاً .. والسؤال الأهم : لمن تكون (الرقابة) على ميزان العدل إذا انعدم العلم بأمر المشاركة في الحقوق ؟! ..

 

من الذي يحاسب الحكومة ؟! .. من الذي يراقب عدالة (توزيع الحصص) ؟! .. إذا كانت الرعية لا تعلم عن أمر حكومتها مع بعضها شيئاً ؟! ..  

 

ثم : (يا مولانا) اللاتي قلت أنك تعرف أنهن قد خطبن لأزواجهن، لسن بأفضل من أمهات المؤمنين اللاتي نزلت في تبعات حروبهن الأنثوية كضرائر آيات من القرآن الكريم ! ..

 

الضر (حار) يا مولانا ما في كلام ! .. لكن النساء (مثلك) مهيئات له .. كما وأن العدل بين الزوجات أيضاً (حار)، ودقيق، والنجاح في تطبيقه ليس سهلاً، لأن إبليس حاضر .. وأنتم بشر تخطئون (كما) تخطئ النساء (ولو حرصتم) !

 

 

 

منى أبو زيد

munaabuzaid2@gmail.com

 

آراء