THE CORAL BUILDINGS OF SUAKIN FOREWORD Mansour Khalid منصور خالد ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي تقديم: هذه ترجمة لمقدمة كتبها الدكتور منصور خالد للطبعة الثانية من كتاب "مباني سواكن المرجانية" الذي ألفه جان – بيير قرينلو Jean-Pierre Greenlaw (1910 – ؟)، أول رئيس للقسم العالي للفنون في المعهد الفني ( يسمى الآن كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بجامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا). صدرت الطبعة الأولى من الكتاب عام 1976م، وصدرت الطبعة الثانية منه في 1995م. ويعد هذا الكتاب من أهم الكتب التي صدرت عن تراث سواكن المعماري، ونشر كثير من المختصين عروضا عنه في المجلات المحكمة في مجالات التاريخ والمعمار والتراث. الشكر موصول للأستاذ طارق أبو صالح لمدي بالمقدمة في لغتها الأصلية. المترجم **** **** **** رويت حكاية "سواكن" قديما بطرق عدة وأساليب شتى. وكانت كل واحدة من تلك الطرق تتناول جانبا واحدا من مختلف أوجه تلك الجزيرة الغَاصٌّة بالإبهام والحافلة بالغموض. ومنذ أن اتصلت سواكن بالعالم الخارجي لأول مرة في عام 641م، قام الكثير من الكتاب بدراسة وتحليل قصة سواكن من منظورات وآفاق ورؤى اجتماعية وسياسية واقتصادية وعسكرية عديدة. وكان كل ما سبقت روايته عن سواكن منصبا حول قاطنيها وزوارها وغزاتها، وعن أصدقائها وأعدائها. غير أن هذا الكتاب الذي بين يديك يحكي لأول مرة عن الجزيرة نفسها (أي عن كتلتها الطبيعية). يقدم لنا المؤلف في كتابه "مباني سواكن المرجانية" دراسةً تشريحية لجسد سواكن بعد وفاتها. إنه كتاب يتناول تاريخ تلك الجزيرة عبر دراسة ما بقي من مبانيها، ويدرس بأثر رجعي ما كان من أمرها عندما كانت قِبْلَةً ومركزا حيويا للتجارة الدولية. ويمكن أن نعد هذا الكتاب هو السيرة الصادقة الأولى لذلك الميناءِ التي جسدها الدّكتورِ ويليام جنكرز في 1875م عندما وصفها بأنها "بنت البحرِ"، ونعاها باكيا بعد نحو قرن من ذلك مخرج الأفلام السوداني النشط الهمام حسين شريف في شريطه الوثائقي "انتزاع الكهرمان".
وأقر كل أولئك الذين كَتبوا عن سواكن بصعوبة وتعقيد تناول المدينة كموضوع للبحث. وليس أدل على ذلك من أنها مدينة محيرة بالفعل، لم يتفق من كتبوا عنها حتى على أصل تسميتها بذلك الاسم. فتجد في تاريخها الندرة والوفرة، والدمار والرقي، والتجارة الغنية والسلب التعيس، وشارك في كل ذلك برتغاليون وعرب ورومان ومصريون وأتراك وأقوام أخرى. لقد كانت سواكن مدينة متقلّبة عصية على التنبؤ، وإلى الآن، حتى بَعْدَ أَنْ مَرّتْ بدوراتها العديدة عبر الحقب، ما زال المرء يحار في أمرها ويعجز عن فهمهما فهما كاملا. ولعل مرونة سواكن وقدرتها على التكيف هو ما جعلها باقية بثبات في الذاكرة. ولا غرو، فقد بَنيتْ المدينة عبر حروبِ وفتوحات، وتكونت نتيجةً لتصميم وعزم وقدرة على المنافسة. وكان روادها شديدي الإيمان والثقة في الجزيرةِ حتى غدت المدينة وكأنها قد اكتسبت حياة خاصة بها. وتجاوزت المدينة كل ما مر بها من محن وحروب كان يُظن أنها ستقضي عليها قضاءً مبرما، ولكنها ظلت باقية إلى وقت تجاوز عمرها المتوقع بكثير. وبعد أن هجرها الناس، بقيت المدينة وحيدةً، معرضة لعناصر الطبيعية التي جاهدت بقوة كي تساويها بالأرض. ويجول بنا المؤلف الراحل (جان بيير قرينلو) في كتابه في شوارع سواكن، ويشرح لنا تاريخ المواقع التي نشاهدها، ويوضح لنا أسلوب الحياة لسكانها المحليين وأذواقهم الشخصية وما يفضلونه، ويعطي (مستخدما المؤثرات البصريِة) لقراء كتابه "صورة شخصية" لتلك الجزيرة، ويدعوهم لزيارتها واستكشافها على مهل، ولسَنَوات قادمات بأطول مما يمكن للمباني أَنْ تظل واقفة. ولَيسَ من قبيل الصدفة أو الحظ السعيد أن أنجز قرينلو مثل ذلك التأثيرِ البديع؛ فالرجل مُؤلف وفنان لمواهبه جذور عميقة في سواكن. ولا عجب، إذ أنه عمل لسنوات عديدة في السودان حيث أَسّسَ مدرسةَ الخرطوم للتصميمِ. وتلقى العلم والحرفة على يديه عدد مقدر من طلاب الفنون الجميلة. وساهم تدريب قرينلو لنفر من فناني السودان في سطوع نجوم أسماء مثل شفيق شوقي وعثمان عبد الله وقيع الله وبسطاوي بغدادي وإبراهيم الصلحي. وأعتقد أن أفضل تقدير يمكن أن نقدمه لجهد قرينلو بعد قراءة سفره القيم أن نؤكد الحاجة لصون هذا التراث الغني. فقد تقاعست الحكومات السودانية المتعاقبة بأي محاولة جادة (أو خطوات عملية) لصيانة وحفظ التراث وإدارته بسواكن. ومعلوم أن سواكن لم تعان بسبب قوى الطبيعة التي لا تقهر فحسب. ولذا فإن ما بقي من سواكن ينهار الآن ببطء نتيجة للغفلة والتهاون وليس الغفلة والتهاون فحسب، بل الإهمال المتعمد. لهذا السبب لا يُمْكن أنْ ندع أمر الحفاظ على تراث "بنت البحر" إلى الحكومةِ بمفردها. ولا بد لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافةِ (اليونسكو) من أن تبادر بالمساهمة في حفظ وصيانة تراث هذه المدينة التاريخية، مثلما فعلت من قبل بتوفيق كبير في الحفاظ على المعالم التاريخية الأخرى في السودان مثل كنيسةِ النوبة المسيحية. إن قدر لهذا الكتاب أن يقنع شخصا أَو هيئة ما للتعهد بحماية وصيانة وحفظ تراث سواكن، فإن ذلك سيكون هو أعظم إنجاز للكتاب ومؤلفه. منصور خالد مدير مركز أفريقيا للمواردِ والبيئة نيروبي، أغسطس 1994م