حسن الترابي: عالم دين إسلامي (1932 – 2016م): بقلم: وليام والييس .. ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
Hassan al -Turabi, Islamist theologian, 1932 – 2016
وليام والييس William Wallis
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
مقدمة: نُشر هذا المقال للصحافي البريطاني وليام والييس محرر الشؤون الأفريقية بصحيفة فايننشال تايمز في السابع من مارس 2016م في نعي حسن الترابي زعيم الحركة الإسلامية بالسودان (1/2/ 1932 – 5 مارس 2016م).
لا يخلو مقال الكاتب من بعض الأخطاء والتعميمات.
المترجم
******* ****** ***** *****
صرم الزعيم الإسلامي الأول بالسودان حسن الترابي (الذي قضى نحبه عن أربعة وثمانين عاما) سنوات عمره الأخيرة وهو يحاول أن يستعيد نفوذ حركته الإسلامية، وأن يرجعها لقلب الحكومة، وأن يصلح ما فسد من إرثه الذي ارتبط بظهور بلاده كدولة منبوذة. ولم تأت محاولتيه تَيْنِكَ بأي نتائج إيجابية، ولا غرو، فقد آوى في سنوات سابقة أسامة بن لادن، وكان حينها هو الحاكم الآمر الناهي مِنْ خَلْف سِتار.
توفي الشيخ (كما يلقبه أتباعه) بأزمة قلبية، ودفن يوم الأحد 6 مارس 2016م. وهو ابن لشيخ من شيوخ طائفة صوفية صغيرة، وولد في مدينة كسلا في عام 1932م. وتلقى تعليمه العالي في لندن وباريس، حيث حصل من جامعة السوربون على درجة الدكتوراه، قبل أن يرسخ مكانته الفكرية في وسط الحركة الفكرية الإسلامية.
لقد قضى الترابي قرابة الخمسين عاما وهو يؤدي أدوارا رئيسة في تشكيل وإدارة دفة السياسة السودانية، وفي العمل على ظهور الإسلام السياسي في العالم الإسلامي.
كان رجلا نحيلا طويل القامة، متأنقا يرتدي دوما جلبابا شديد البياض، وله قهقهة عالية النبرات ومظهر نبل ساحر يناقض شراسة الأحداث التي ساعد على إطلاقها.
وخلافا لحركات إسلامية أخرى كتلك التي نشأت في الجزائر ومصر معتمدة على السند الشعبي، كان الترابي قد أقام حركته الإسلامية من الأعلى للأسفل (أي أنه بدأ أولا بتجنيد قيادات من صفوة المثقفين والخريجين في المناطق الحضرية متدرجا إلى من تحتهم). ومد بعد ذلك نفوذه عبر السنوات على رفاقه الآخرين بتجنيدهم وتوليتهم مواقع عليا في مؤسسات الدولة والسياسة والجيش.
وأفضت تلك السياسة في النهاية إلى عقده تحالفا بين حركته الإسلامية وضباط في الجيش أتى بعمر البشير لحكم السودان بانقلاب عسكري في عام 1989 – ولعل هذا هو أبرز حدث سيتذكره به الناس.
وسيعد (الكثيرون) وقوع ذلك الانقلاب، الذي عمل فيه الترابي دور المرشد الموجه والمنظر الأيديلوجي الأول، هو أشد عصور السودان كارثية طوال سنوات تاريخه المضطرب. فتحت مسمى الجهاد، واصلت الخرطوم في حرب أهلية وحشية ضد المسيحيين والأروحانيين (الوثنيين) في جنوب السودان، أدت في نهاية المطاف إلى انفصاله وتقسيم السودان إلى دولتين في عام 2011م. وغيرت تلك الفترة من وجه السياسة في السودان، وإلى كسر قبضة الطرق الصوفية التقليدية على خناق الأحزاب السياسية، وإلى قمع الجماعات المدنية واليسارية، وأفضى كل ذلك إلى ظهور الجماعات الإسلامية الأكثر تطرفا في تفسير النصوص الإسلامية مثل الوهابية.
وعُدت إجراءات النظام فرض قوانين الشريعة الاسلامية على المسلمين والمسيحيين معاً في كثير من الأحايين كمحاولة لتعريب السودان بأسره، وأشعلت نيران الصراعات في مختلف أجزاء البلاد المترامية الأطراف، خاصة في المناطق التي يقطنها العرب والأفارقة السود. ولا تزال بعض تلك الصراعات قائمة إلى يومنا هذا.
وكتب أحد المعلقين قبل وفاة الترابي بأسابيع قليلة ما نصه: "سيعد الكثير من السودانيين الترابي داهيةً وديماغوجيا مثيرا للانقسام، ترك السودان في غضون سنوات حكمه بلدا مقسما، يتعارك أهله حول ماذا يعني أن تكون سودانيا".
ولم يتعاف السودان بعد من حالة كونه "دولة منبوذة" ومقاطعة منذ أن استضاف أسامة بن لادن وغيره من الإرهابيين في بدايات تسعينيات القرن الماضي.
وخلافا لكثير من الحركات الطائفية الحالية الأكثر تطرفا، حاول الترابي في بعض الأوقات جمع أعداء الولايات المتحدة وإسرائيل مع القوميين العرب واليساريين والمتطرفين الإسلاميين من سنة وشيعة، وإلى جعل الخرطوم مركزا للقوى المضادة للقوى المناهضة للإمبريالية، ووريثة للدور الذي كانت تؤيده إيران الخميني.
ورغم أن الحركة الإسلامية السودانية كانت هي واحدة من حركتين سُنتين نجحتا في تولي السلطة (الأخرى هي حركة طالبان في أفغانستان)، فلم يتأتى لأي منهما غير جعل الإسلام يبدو في نظر الكثيرين ديكتاتوريا وغير متسامح.
ومنذ عام 1999م، اعتقل البشير حليفه السابق وممثله الأيديلوجي عددا من المرات بتهم شملت التآمر وإشعال فتنة التمرد بدارفور (بينما كان ما حدث في دارفور هو سبب اتهام المحكمة الدولية الجنائية للبشير بجرائم حرب). وتعرض الترابي لممارسات أوتوقراطية كانت له أيام سطوته يد في إضفاء المؤسسية عليها. وقضى كثيرا من سنواته بعد المفاصلة بين السجن والإقامة الجبرية في داره.
ثم بدأ الترابي في تخفيف موقفه المناهض للحكومة، مما جعل بعض الأصوليين والمحافظين من علماء الدين يتهمونه بالردة (كان بعض الشيوخ مثل جعفر شيخ إدريس ومحمد عبد الله برات وأبو عبد الله أحمد مالك قد اتهموا الترابي بذلك قبل انقلاب عام 1989م بكثير، وأصدر الأخير عام 1982م في ذمه كتابا بعنوان "الصارم المسلول في الرد على الترابي شاتم الرسول". المترجم).
وقدم الترابي في مقابلة لمحرر صحيفة فايننشال تايمز ببهو داره عام 2006م (حيث كان ما يزال بها متسع لمقاعد لجمع من أعداء الولايات المتحدة) خطبة عن حرية التعبير، ودعا لحرية المرأة ومن ضمنها حق المرأة المسلمة في الزواج من رجل غير مسلم. وبدا الرجل، على الأقل خطابيا، وكأنه صار حليفا للعولمة، ومساندا للدور المهدئ الذي تؤديه الديمقراطية. وكان من ضمن ما قاله: "إن سمحت بالديمقراطية، سيعجز من تبدو آراؤه وأفكاره شاذة أو متطرفة عن تسويقها في الواقع. وسيدرك أنه يعزل نفسه عن الناس، لذا عليه بالتكامل والاندماج في المجتمع بالاعتدال في سلوكياته واتجاهاته وبرامجه. وهذا من الخير لنا وللبشرية جمعاء".
وفي ذلك الاتجاه سعى الترابي مؤخرا للتوسط لتكوين حكومة انتقالية في الخرطوم برئاسة البشير تضم أحزابا معارضة (منها حزبه "المؤتمر الشعبي"). ويرى منتقدو الترابي في ذلك محاولة ميكافيلية أخيرة من الترابي لإعادة ترسيخ نفوذه السابق الذي آذن بأفول. ولم يمهل الموت الرجل حتى يرى ثمار محاولته الأخيرة تلك.
********* **********
ختم الكاتب مقاله بجدول زمني لما أسماه "بزوغ نجم الترابي وأفوله":
1932 المولد في كسلا
1951 انضمامه للإخوان المسلمين وهو طالب بجامعة الخرطوم، ومنها ذهب للندن وباريس
1964 صار أمينا لـ "جبهة الميثاق الإسلامي" التي انبثقت من جماعة "الإخوان المسلمين"
1969 سجن لست أعوام، وقضى ثلاث أعوام منفيا في ليبيا (لم يأت ذكر لهذا من قبل. المترجم)
1979 عين وزيرا للعدل بعد "المصالحة الوطنية" مع نظام النميري
1983 فرض النميري قوانين الشريعة بتأثير من الترابي، مما أشعل الحرب الأهلية بالجنوب
1985 الإطاحة بنظام النميري وعودة الديمقراطية بعد سنوات قليلة
1989 وصول عمر البشير للسلطة بعد انقلاب من تدبير الجبهة الإسلامية القومية
1989 – 1999 عمليات تطهير وطرد في الخدمة المدنية وإعدامات في أوساط الجيش
1999 إزاحة الترابي من السلطة، وسجنه عدة مرات حتى عام 2005م
2002 بدء الحرب الأهلية في دارفور، وكان أحد أتباع الترابي من قادة حركات دارفور
2016 وفاة الترابي قبل أن ينجز التوسط لقيام حكومة انتقالية.
alibadreldin@hotmail.com
/////////////////////