الذكرى السابعة لرحيل التجاني الطيب: التجاني الطيب وجيله امتداد لثوار 1924.
فارق دنيانا صباح الثالث والعشرين من نوفمبر 2011 المناضل التجاني الطيب بابكر ، وقد قدم الأستاذ التجاني سيرته الذاتية في دفاعه الذي قدمه أمام محكمة ديكتاتورية مايو في أكتوبر 1982 والذي جاء فيه:
" ليست هذه أول مرة اواجه فيها القضاء، فانا مناضل منذ الصبا الباكر، أي قبل اكثر من أربعين عاما، و الفضل في ذلك يعود إلى أبي و معلمي الذي كان قائدا لثورة 1924 في شندي و ظل وطنيا غيورا حتى وفاته قبل شهور، كما يعود إلى جيلنا العظيم جيل الشباب الذي حمل أعباء نهوض الحركة الوطنية و الديمقراطية الحديثة. وأنني أعتز بأنني كنت من المبادرين و المنظمين البارزين لأول مظاهرة بعد 24 و هي مظاهرة طلاب المدارس العليا في مارس 1946، و أعتز بأنني كطالب في مصر أديت نصيبي المتواضع في النضال المشترك مع الشعب المصري الشقيق ضد الاستعمار و حكومات السراي و الباشوات و نلت معه نصيبي المتواضع من الاضطهاد باعتقالي سنة و قطع دراستي، وأعتز بأنني شاركت مع رفاق أعزاء في كل معارك شعبنا من أجل الحرية و التقدم الاجتماعي و الديمقراطي، و قمت بدوري المتواضع في بناء الحركة العمالية و تنظيماتها و نقاباتها و الحركة الطلابية و اتحاداتها، و أعتز بأنني في سبيل وطني و شعبي شردت و اعتقلت و سجنت و لوحقت و أنني لم اسع الى مغنم ولم اتملق حاكما و لا ذا سلطة و لم اتخلف عن التزاماتي الوطنية كما أعتز بأنني ما زلت مستعدا لبذل كل تضحية تتطلبها القضية النبيلة التي كرست لها حياتي، قضية حرية الوطن و سيادته تحت رايات الديمقراطية و الاشتراكية. و لست أقول هذا بأية نزعة فردية فانا لا أجد تمام قيمتي و ذاتي و هويتي الا في خضم النضال الذي يقوده شعبنا و قواه الثورية، الا كمناضل يعبر عن قيم و تطلعات و أهداف ذلك النضال، الا عبر تاريخ شعبنا و معاركه الشجاعة التي بذل و يبذل فيها المال و الجهد و النفس دون تردد في سبيل الحرية و الديمقراطية و التقدم الاجتماعي، انني جزء لا يتجزأ من هذا التاريخ المجيد و هذه القيم و التطلعات النبيلة. إن هدف السلطة من تقديمي لهذه المحاكمة ليس شخصي بالدرجة الأولى و انما مواصلة مساعيها لمحو التاريخ الذي امثله و التطلعات التي أعبر عنها.. و لكن هيهات. وشكرا على سعة صدركم".
التجاني من الذين حملوا أعباء نهوض الحركة الوطنية والديمقراطية الحديثة امتدادا لجيل الحركة الوطنية من ثوار 1924، وكان والده من قادة ثوار 1924 في شندي وظل وطنيا غيورا حتي رحيله. ولم يكن صدفة أن بعض مؤسسي الحركة السودانية للتحرر الوطني" الحزب الشيوعي فيما بعد " كان آباؤهم من ثوار 1924 مثل: عبد الخالق محجوب وعبد الوهاب زين العابدين وعز الدين علي عامر ، بل أن من بعض ثوار 1924 مثل التهامي محمد عثمان انضم للحزب الشيوعي فيما بعد.
يذكر د. محمد محجوب عثمان شقيق عبد الخالق في مقال له بعنوان " عبد الخالق محجوب اسم وضيء في سماء الوطن" عن سبب اسم عبد الخالق:
" سألني واحد مرة، أن كانت تسمية الرجل جاءت مجاراة لاسم عبد الخالق ثروت باشا، رئيس وزراء مصر عام 1922 بعد نفي سعد زغلول، وبعض أعضاء حزبه، حزب الوفد عام 1919، والمعلوم أن عبد الخالق ثروت باشا ينتمي إلى عصبة الباشوات الأتراك الذين كانوا يحكمون مصر وعلى رأسهم الملك فؤاد، وكان جل أولئك الباشوات من ملاك الأراضي أو الإقطاعيين الأغنياء الذين أذاقوا الشعب المصري العسف والعذاب. قلت ردا على هذا أن الصحيح أن الوالد قد سماه عبد الخالق تخليدا لوطنية وشجاعة مأمورا يسمى عبد الخالق حسن حسين عمل في ظل إدارة الحكم الثنائي للسودان، والذي في وفاته خرجت أول مظاهرة ضد الانجليز عام 1924م في مدينة أم درمان، وكان ذلك حدثا فيه كثير من الدلالات والترميز لنضال شعبي مصر والسودان المشترك ومثلت نهوضا للحركة الوطنية السودانية". ( محمد محجوب عثمان ، سودانيز أون لاينز 26 / 11/ 2005 ).
لم يكن صدفة أن تصدر أول صحيفة جماهيرية للحزب الشيوعي عام 1950 باسم " اللواء الأحمر" ، وكان ذلك تعبيرا عن الحزب امتداد لجمعية اللواء الأبيض ، وكذلك أصدر عبد الخالق محجوب مجلة فكرية ثقافية عام 1957 باسم "الفجر الجديد" التي توقفت بعد انقلاب عبود ، وعاد صدورها بعد ثورة أكتوبر 1964 ، وتوقفت بعد حل الحزب الشيوعي في نوفمبر 1965. وكان ذلك تعبيرا عن أنها امتداد لمجلة الفجر التي أصدرها عرفات محمد عبد الله في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي.
يواصل محمد محجوب ويقول : "ولعلي هنا استدعى احدى الحقائق وهي أن القائد الوطني عرفات محمد عبد الله، قد لجأ إلى بيتنا متخفيا من ملاحقات قلم الاستخبارات أي جهاز الأمن على العهد الاستعماري، ولا استطيع أن أؤكد هنا أن شيئا من هذا قد رسخ في عقل عبد الخالق فقد كان طفلا آنذاك. ولكن ترداد اسم وسيرة عرفات في أسرتنا لم ينقطع حتى بعد أن شب عبد الخالق عن الطوق، فقد ربطت بين عرفات والوالد علاقة عمل حيث عمل كلاهما في مصلحة البريد والبرق، وعلاقة سياسية – على درجة ما – في جمعية اللواء الأبيض، فهل يكون هذا قد خلق اثرا في تكوين عبد الخالق العقلي بهذا القدر او ذاك؟ ".( محمد محجوب ، مرجع سابق).
وكذلك د. عبد الوهاب زين العابدين أول سكرتير للحركة السودانية للتحرر الوطني ، كان والده زين العابدين عبد التام من ثوار 1924 م.
ود. عز الدين علي عامر كان والده من ثوار 1924 ، فعندما ولد عزالدين عام 1924 كانت ثورة 1924 مشتعلة ، وسماه والده " علي عبد اللطيف" تيمنا بقائد تلك الثورة ، الا أن الأسرة استعارت اسم عز الدين حفاظا علي المولود من بطش الاستعمار.
من السمات أيضا مواصلة تقاليد جيل الحركة الوطنية في القراءة العميقة في الأدب العربي والانجليزي، والتجويد اللغوي في الكتابة والخطابة ، يقول محمد محجوب عن عبد الخالق والتجاني الطيب والوسيلة.
" لقد كان الوسيلة توأما لعقل وروح عبد الخالق ونابغا على امتداد مراحل تعليمه الأكاديمي، ولقد جلس لامتحان كمبردج في نفس عام 1945 وأحرز شهادة باهرة ضمن المجموعة الممتازة. ويتملكني إحساس بأن عبد الخالق لو لم يكرس حياته لخدمة الاشتراكية والحزب الشيوعي في السودان، لاتجه نحو الادب، لقد كان قارئا موسوعيا في الأدب العربي والانجليزي قديمه وحديثه، وكان يهتم بتجويد اللغة العربية كتابة وخطابة ولعلي أذكر هنا ان المناضل الشيوعي التجاني الطيب بابكر يعد واحدا من البارزين من ذلك الرعيل الذي حمل على عاتقه المحافظة على نقاء اللغة العربية وطلاوتها في كتابة المقالة سواء ما كان يكتبه في صحيفة الميدان التي ترأس تحريرها أو على مستوى الصحافة السودانية على وجه العموم". ( المرجع السابق).
بالتالي ، لم يكن صدفة أن ذكر التجاني الطيب في دفاعه " فانا مناضل منذ الصبا الباكر، أي قبل أكثر من أربعين عاما، و الفضل في ذلك يعود إلى أبي و معلمي الذي كان قائدا لثورة 1924 في شندي و ظل وطنيا غيورا حتى وفاته قبل شهور، كما يعود إلى جيلنا العظيم جيل الشباب الذي حمل أعباء نهوض الحركة الوطنية و الديمقراطية الحديثة. وأنني أعتز بأنني كنت من المبادرين و المنظمين البارزين لأول مظاهرة بعد ثورة 24 و هي مظاهرة طلاب المدارس العليا في مارس 1946".
بالتالي كان التجاني وجيله من المؤسسين للحركة السودانية للتحرر الوطني " الحزب الشيوعي فيما بعد" امتدادا لتطور الحركة الوطنية السودانية الحديثة التي انبلج فجرها بقيام نادي الخريجين، و جمعية الاتحاد السوداني وجمعية اللواء الأبيض ، والأندية الرياضية والجمعيات الأدبية والمسرحية ، وإضراب كلية غردون 1931 ، واضرابات العمال من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية، والصحافة السودانية " الحضارة ،مجلة النهضة السودانية ، مجلة الفجر، وبقية الصحف التي قامت ، وقيام مؤتمر الخريجين والأحزاب بعد الحرب العالمية الثانية ونهوض حركة التحرر الوطني المطالبة بالاستقلال وظهور المعسكر الاشتراكي الذي كان سندا قويا للبلدان المستعمرة في نضالها ضد المحتل الأجنبي، وظهور نقابات واتحادات العمال والموظفين والمعلمين والمزارعين والطلاب والشباب والنساء، واشتداد عود الحركة الوطنية حتي جلاء الاستعمار وانتزاع الاستقلال عام 1956.
alsirbabo@yahoo.co.uk
//////////////////