هناك تفسيران لا ثالث لهما للربكة التي ظهرت في أداء المجموعة الموقّعة على إعلان الحرية والتغيير مساء الأحد، وهما: إمّا عدم الاتفاق على مجموعة من الوطنيين أصحاب الكفاءة ليديروا الدولة في الفترة الانتقالية، أو أنّهم قد اختاروا مجموعة بطريقة المحاصصة الحزبية فجاءت المجموعة تحت سقف توقعات الجماهير. وهذا قد يشرح السريّة وعدم الإعلان عن هذه الحكومة المختارة حسب تصريحهم.
وأُرجّح أنّ الأحزاب لم تغادر مواقعها الفكرية والسياسية البائدة، ممّا أدي إلى إحباط القيادة الشابة التي كانت تتوقّع، بعد كلّ التجارب السابقة، أداءً أفضل للأحزاب يرتفع إلى مستوي المسئولية الوطنية، ولكنّ خاب ظنّها. ويبدو أنّ الشباب كانوا أكثر حرصاً على وحدة الصف من الحرص على الصدوع بالحق ومواجهة الأحزاب مواجهة حازمة تقصيهم من مواقع القرار، وتجعل الشباب أحراراً يقدمون أفكارهم لجماهيرهم، ويتحملون المسئولية الوطنية وحدهم، فهم لن يكونوا أسوأ أداءً من هذه الأحزاب الهزيلة فكراً وعملاً.
وليعلم الشباب أنّ المساومة الحزبية والمبادئ لا يلتقيان، وأنّ المحاصصة والكفاءة لا يلتقيان، وليعلموا أيضاً أنّ الأمل في إصلاح حال الأحزاب السودانية في الوقت القريب من المستحيلات كالعنقاء.
إنّ هذه الأحزاب أعمتها الأيديلوجية، أو أعمتها الطائفية، أو أعمتها المصالح، ولن تتغيّر للأحسن ولا تصلح في الفترة الانتقالية لأنّها بغير رؤية، أو خطط أو برامج مدروسة ومدعومة بالدليل، ولذلك يجب ذبّها كما يذبّ الذباب عن الطعام، ونصحها بأن تعدل حالها وتنافس مثل غيرها في الانتخابات.
وإن كانوا يريدون لقمة من كسب الشباب فيكفيهم أنَّهم ينعمون الآن بالحرية، ويفيض عليهم الأمل بغدٍ أفضل وليس من الضرورة أن يكونوا حُكّاماً ليرفعوا شأن الوطن.
فنصيحتي لقيادة الشباب أن تفترقا أنتما والأحزاب فأنتما طرفان لا يلتقيان، فذلك أوقى لجسمكم من التلوث، وأنفع لثورتكم، وأكثر أملاً في النجاح.
وكان الأجدر أن تُعلن مساء الأحد مجموعة الشباب من المهنيين للجماهير حقيقة ما يحدث داخل جسمها وما حدث مع المجلس العسكري وأن تُعلن عن أسماء حكومتها.
إنّه ليس من الحكمة استعداء المجلس العسكري برُمَّته، ولكن إعطاء كلّ ذي حقٍّ حقّه، فإن أحسن أثني عليه وإن أساء نُصح، وإن أعرض بعد ذاك وُوجه بإساءته أو أُعلن عنه للملأ. كان ذلك حريّاً أن يجعل المجلس العسكري ينقسم على نفسه ويلفظ الأجسام المعوقة للتحول الديموقراطي، ويبني جسر الثقة بين الطرفين العسكري والمدني فهما شركاء في بناء الوطن، فلكلٍّ دوره المهم، فليس هناك مزايدة على الوطنية، وهذا كان سيؤدي إلى تعاون بينهما يقي الوطن السقوط في هاوية الفوضوية.