ابتداءا من بداية شهر سبتمبر 2019م ستبدأ الحكومة المدنية الانتقالية مسيرتها نحو تحقيق اهداف ثورة ديسمبر المجيدة. يسود الآن تفاؤلا كبيرا في أوساط الأغلبية العظمي من أبناء وبنات الشعب السوداني بعد تسمية دكتور عبد الله حمدوك رئيسا لوزراء الحكومة الانتقالية, باعتبار اختياره بالإجماع من مكونات الحرية والتغيير وكونه المرشح الأول الذي تم تداول اسمه منذ انطلاق شرارة الثورة الأولي , يعتبر هذا الاختيار من أهم قرارات قوي اعلان الحرية والتغيير أن لم يكن أهمها علي الاطلاق منذ 11 أبريل 2019م وحتي اليوم.
يرجع هذا الرأي الي كون حمدوك خبيرا متمرسا مختص في الشأن الاقتصادي عمل في مؤسسات عالمية وإقليمية مختصة بالشأن الاقتصادي وهو بذلك يجمع بين التخصص الأكاديمي والخبرة العملية. عادة ما يكون مثل هؤلاء الخبراء الذين يعملون في المنظمات الإقليمية والدولية أكثر موضوعية وأكثر بعدا عن العمل السياسي المباشر أو الانتماء الحزبي السافر, وبذلك يصبح رئيس الوزراء السوداني علي ما أزعم الأول من نوعه في تاريخ السودان الذي يمكن أن يقوم بعمل مؤسسيا مهنيا يجد القبول ليس من كافة مكونات الحرية والتغيير وجميع صناع الثورة فحسب, وإنما من أي كيان أو مكون وطني يريد للفترة الانتقالية أن تسلك مسارها نحو تحقيق اهداف وبرامج الفترة الانتقالية والوصول بسلام الي دولة مدنية ديمقراطية مستقرة بحكم رشيد مستدام.
مع ذلك فلن تكون مسيرة الحكومة الانتقالية نزهة سعيدة لعدة أسباب من ضمنها الصعوبات التي تعترض تنفيذ مهامها في وضع أسس متينة للسلام, تصفية مؤسسات التمكين, معالجة فساد النظام البائد, اصلاح البنية الاقتصادية المنهارة والوصول إلى الاستقرار الاقتصادي كشرط أساسي للتحسن التدريجي في الوضع المعيشي وتهيئة البيئة المناسبة للإنتاج والقدرة التنافسية للاقتصاد السوداني الذي يقف علي حافة الانهيار. هذه المهام وغيرها ستعترضها مجموعة من المصاعب الداخلية والخارجية التي تحتاج للإعداد الجيد لمواجهتها وان تقف (كواسر ) حماية الثورة مكشرة عن أنيابها لحراسة ثورتها ودعم الحكومة الانتقالية وهيأكل الحكم الانتقالي الاخري ومراقبتها.
مثل هذا التحول والانتقال الذي يشهده السودان من حكم دكتاتوري مذهبي فاسد الي دولة مدنية ديمقراطية مستقرة تسود فيها قيم الحرية والعدالة الاجتماعية لهو من أعقد المراحل التي يمكن أن تمر بها أي بلد من البلدان واي شغب من شعوب الارض.
فهم هذه الحقيقة البسيطة يساعد علي ادراك إن الحكومة الانتقالية لا تملك عصي موسي لإصلاح الأوضاع خاصة الاقتصادية المتعلقة بمستويات المعيشة بين عشية وضحاها, وإنما مهمة تحتاج العمل الجاد والصبر الذي من المفترض أن يكون من شيم الثوار الذين قدموا تضحيات جسام من أجل تفجير هذه الثورة والوصول بها الي هذه المرحلة وتطلعهم الي السير بها الي غاياتها العظمي.
بما ان رئيس الوزراء قد وجد كل هذا الدعم والقبول فإن العالم الخارجي من المؤمل أن يتعامل بإيجابية كبيرة مع حكومته وان تجد الدعم خاصة من الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة الأمريكية بما تملكه تلك الدول من إمكانيات وقدرات سياسية واقتصادية, يمكن أن تحفز علي تحقيق السلام والاعفاء من الديون إضافة بالطبع لرفع العقوبات الاقتصادية ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب كامر طبيعي. سيساعد ذلك في توفير الكثير من الموارد وتوجيه قنوات الانفاق نحو التنمية كما يحسن من مناخ الاستثمار ورفع تنافسية الصادرات السودانية وفتح الاسواق الخارجية. من البديهي القول إن المحيط الإقليمي الأفريقي والعربي يجد من مصلحته أن يكون داعما للحكومة الانتقالية التي ستعمل بعيدا عن المحاور, أن لم يكن من أجل مصلحة الشعب السوداني فمن مصلحة شعوب المنطقة والحفاظ علي أمنها واستقرارها في واقع مضطرب.
لكن بالطبع لن يخلو المشهد من المتآمرين والمتربصين والساخطين اللاعنين الذين سيملاون الدنيا ضجيجا ويضعون العصي علي دولايب الحكومة والمؤسسات خاصة وأن القضاء علي (الدولة العميقة) ومؤسسات التمكين والفساد وعلي وجه الخصوص الاقتصادية والإعلامية سيتطلب وقتا. من جانب اخر فإن الانسجام والتناغم بين مؤسسات الحكم الانتقالية سيلعب دورا حاسما في النجاح, علي وجهه الخصوص الجوانب الخاصة بعمل المؤسسة العسكرية ممثلة في وزارة الدفاع, كذلك الأجهزة الشرطية ممثلة في وزارة الداخلية (التي بالمناسبة تتبع لها شرطة الجمارك التي هي تمثل واحدة من أهم مصادر الايرادات العامة), إضافة لعمل جهاز المخابرات.
في المحصلة النهائية علي قوي الحرية والتغيير المحافظة علي وحدتها والعمل علي إنتاج البرامج والسياسات البديلة الداعمة لحكومتها الانتقالية, كما أن بقاء تجمع المهنيين متماسكا وتطويره ليلعب دوره ليس في الفترة الانتقالية فحسب وإنما بشكل مستمر يعتبر مسألة حياة أو موت للثورة السودانية, باعتباره أيقونة الثورة الرئيسية والدينمو المحرك للقاعدة الشبابية, كما أن لجان المقاومة التي كانت من أهم العناصر التي ساعدت على اتقاد جذوة الثورة بعد مأساة فض الاعتصام وقطع الانترنت, أصبحت عنصرا لا غناء عنه, وما ملحمة 30 يونيو 2019م التي أعادت توازن القوة وأعطت الثورة زخما جديدا أوصلها إلى ما هي عليه اليوم إلا شاهدا حيا علي ذلك.
أخيرا بالرغم من أن ما تم التوصل إليه لا يحقق طموحات الثوار ولا يقترب من سقف التضحيات الجسام التي قدمت وفاضت من أجلها أرواح الشهداء الطاهرة, إلا أن ما تحقق إنجازا يستحق الحفاظ عليه وتطويره مما يستدعي الاصطفاف بجرأة وجسارة الثوار حول الحكومة الانتقالية والعمل معها كتفا لكتف لإنجاز مهامها الجسام.