مشروع الجزيرة: الماضي الزاهر والحاضر البائس والمستقبل المجهول (2)
صلة لما إنقطع من حديث عن المعالجات التي يمكن بموجبها إتخاذ خطوات تعيد البعث لمشروع الجزيرة وتقيله من عثراته الحالية إلي مجد الزراعة الأول ، برغم عشوائية تصفية مستحقات العاملين به من الذين أنهيت خدماتهم والتي أتت وهي ناقصة 33 راتباً حيث أنهم قد إستلموا ثلاث رواتب كمكافأة بدلا عن ست وثلاثين راتب الخاصة بإلغاء الوظيفة بالدولة ، حسب ماهو معروف عند تصفية أية قطاع حكومي بشكل مفاجيء ، منعا للضرر الذي يصيب تلك الأسر التي كان عائلها منتجاً حتي لا تصاب تركيبة حيواتها الإجتماعية في مقتل مثلما حدث حاليا من حلول عشوائية الملامح لأجيال أعطت زهرات شبابها من أجل هذا الوطن ، ثم تم إخراجهم ( بقد القفة ) عبر خدعة يعتبرها الآخرون إنجازا وكان مجلس الإدارة أهم طرف فيها ، ونقابة العاملين لم تجرأ علي تبيان الأمر لأؤلئك البسطاء والناضجين معاً ، وسوف يسطر التاريخ الحديث كل شيء بالطبع ، فضلا علي السؤال الرباني الذي ينتظر كل من خدع السلطة المركزية بالخرطوم في زمان مضي بشأن هذا المشروع ، بل ينتظر كل من ( ضرب طناش ) من أهل الحكم السابق عمداً عن هذه المهزلة التي تمت لأعظم مرفق زراعي في العالم الثالث كله حيث كان يزوره كل ضيوف السودان من رؤساء العالم ومن المؤسسات العلمية من كل الدنيا ، بدءاً بالرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل والسادات ، وحتي رئيس وزراء الصين في عهد الزعيم ماو تسي تونج وهو شو آن لاي ، وأحمدو بيللو وابوبكر تفاو بليوة رؤساء نجيدريا أيام زمان ، والإمبراطور الأثيوبي هيلا سلاي وزعيم الإتحاد السوفيتي ليونيد برجنيف ، والروماني تشاوسيسكو الذي اهدي للسودان قاعة مجلس الشعب في زمان الرئيس الراحل نميري ( المجلس الوطني حالياً ) واليوغسلافي زعيم دول كتلة عدم الإنحياز ( جوزريف بروز تيتو ) قبل أن تتفكك دولته لاحقا إلي عدة دويلات ، والقائمة تطول بالطبع ، حيث كنا حينذاك في أوائل الستينيات تلاميذا صغيري السن بمدارس بركات فيخرجوننا من مدارسنا لإستقبال الرؤساء الضيوف بشارع مدني – بركات وبشارع الرئاسة ببركات ونحن نحمل أعلام دولهم نلوح بها ، فخورين بزيارتهم لمشروعنا المعجزة العملاق قبل أن يهجم عليه فلاسفة الخصخصة مثل ديوك العدة ، وهم أنفسهم الذين فرطوا في أعظم بنوك الشعب السوداني وشركات إتصالاته وخطوط طيرانه الوطنية والخطوط البحرية في وقت واحد ، ولقد خدعوا شعبنا لقد خدعوا شعبنا علاميا كان ضاجاً بأن لديهم شركات أجنبية ستزرع الجزيرة بأحدث وسائل التقنية والميكنة من أجل خاطر عيون الشعب السوداني .. برغم أن قانون 2005م مضي عليه خمسة عشر عاما الآن ولم نر طحيناً بعد ، ثم ( زاغوا نهائياً ) وتركوا زراعة القطن وتمويل المزارعين لجمهورية الصين التي تشتريه وتقوم بحلجه بمحلج حديث بمنطقة مارنجان ثم تقوم بشحنه إلي ميناء بورتسودان .ليتم تصديره الي بلادهم ، ثم يعود لنا في شكل اقمشة وملبوسات لسنتوردها بأغلي الأثمان بالعملات الأجنيبة ..ولاندري من الذي إتخذ هذا القرار الأهوج الظالم ؟ هل هي العمولات والسمسرة ؟ وهل هناك متابعة محاسبية تتم مع الصينين في مقابل سداد ديونهم علي السودان والتي لا نعرف اين ذهبت تلك القروض حتي اللحظة ـ وكم تبلغ أصلا... ومن الذي يتابع هذا الملف الضبابي من رموز النظام السابق الذين كانوا يتبادلون مقاعد الجهاز التنفيذي مرتين في السنة مثل ادوات الشطرنج .... فتأمل !!!!!!
فكان من الممكن السلطة السابقة والتي استمرت لثلاثين عاما إدخال التقنية الحديثة في زراعة القطن وغيره من المحاصيل المنتجة بدلا عن هذا الإستسلام الضعيف وترك الأمر للأغبياء المستهترين بمقدرات الشعب السوداني. أو ليس تطوير مشروع الجزيرة أجدي من إنشاء كباري علي فروع النيل ومن سفلتة الطرق الضيقة أصلا ، ولو لسنوات معدودة ، وإعطاء الأولوية للزراعة؟
أما إن عدنا إلي امر العاملين بالمشروع ، فقد أوضح لنا أهل الوجعة تفاصيل كل تلك المخالفات في تصفية إستحقاقات العاملين وفي تصفية أصول وممتلكات الشعب السوداني بالمشروع ، حين صرحت كثيرا في زمان مضي قمة قيادات العمل المهني والهندسي والزراعي بالمشروع من الذين تم فصلهم من الخدمة عبر عدة صفحات بالصحف المختلفة وقد أحدثت دويا هز اركان كل المجتمع السوداني ، فلم نر تحقيقا قد فُتح ، وضرب القوم في السلطة المبادة (طناش) كعادتهم حين يعجزون عن الرد في دفع كل الإتهامات أو في فتح أبواب التحقيق القانوني ، وهو ما اثار دهشة أهل الجزيرة والمناقل في ذلك الزمان.
وقد إتضح منذ بداية الإنقاذ أن بداية النهاية للمشروع قد أزفت عمداً ، حين تمركز المسطحين الأكاديميين في قيادة كل وظائف المشروع بعد أن تم إبعاد الكفاءات المهنية العريقة الجادة وغير المأدلجة عن العمل ، شأنهم شأن إبعاد الإدارات المستقلة المهنية والإدارية والحكومية بالخدمة المدنية الحيادية في غيره من مرافق الدولة كلها ، وفي غيره من مثل تلك المؤسسات الإستراتيجية التي لايجدي فيها تغول الإيديولوجية علي الهم الوطني المستقل والمهني المتخصص بجلاء تام وبشفافية عالية المقام ، فتشتت كفاءاتنا الوطنية في كل دول المعمورة وفي معظم دول الخليج .
ونقولها بكامل الصدق الخالي من الغرض ، أننا نري ومن معايشتنا التامة لسبل وطرائق نجاحات هذا المشروع ولسبعين عاماً للوراء حين كان يسند ظهر الإقتصاد الوطني تماماً ، وقد أنجزت عائدات القطن كل مرافق البنية التحتية والخدمية والتعليمية والصحية والثفافية والرياضية وحتي القوي الأمنية النظامية بالسودان الحديث في كافة مجالاتها المعروفة ، نقول بأنه لابد من توفير المعادلات التالية التي تحتاج إلي قرارات مسؤولة بعد إجراء البحث والشوري المتأنية والمتجردة في ذات الوقت من إطار الأيديولوجية بكل ضيق مواعينها التي لم تفد النظام السابق في شيء بقدر ما وضعت أمام الاجيال التالية جبالاً من التعقيدات الإقتصادية التي أضرت بالزراعة والصناعة معاً حين لم ينتبهوا مطلقا لتوظيف جزء من عائدات النفط في إعادة الحياة لمشروع الجزيرة الجاهز أصلاً للتطوير ، ولنتذكر هنا مقولة الرئيس الأسبق جعفر نميري( الثورة تراجع ولا تتراجع ) . فأولئك القوم الإنقاذيون كانوا لا يراجعون ولا يتراجعون وقد كانت العنجهية هي التي يعتبرونها متكئاً لتسيير أمر الإقتصاد إلي أن تهاوت كافة المرافق الواحدة تلو الأخري . ما سبب أضرارا أخري من أهل الإنقاذ لأهل الإنقاذ نفسها.
وهنا لابد من إتخاذ الإجراءات الناجعة لإعادة النظر في كل خطوات الإستعجال التي أودت بالمشروع وبمستقبل سكانه البالغ تعدادهم قرابة الخمسة ملايين مواطن معظمهم من قوي المجتمع السوداني الحية ، وعلي وجه السرعة من الحكومة المركزية دون خوف أو وجل أو إعتماد علي بيانات مضللة من تقارير وزارة المالية في الحكومات الانقاذية السابقة التي ظلت تقدم للسلطة الحاكمة آنذاك أرقام المصروفات الضخمة والخاصة بالمشروع من خزانة الدولة في كل عام ، دون أن ترفقها ببيانات الإيرادات التي كان يحققها المشروع حين كان يزرع ستمائة ألف فدان قطنا سنويا قبل ظهور البترول وقبل أن تتقيص الرقعة الزراعية عاما إثر عام بسبب كلفة الحرب الأهلية بالجنوب التي كان قطن الجزيرة هو الممول الأساس لها ، حتي تتم مقارنة المصروفات التشغيلية بالإيرادات التي تحققها تلك المساحات الزراعية إن تمت زراعتها قطناً وفق تحضيرات محددة معروفة في كل موسم ، ليتم إستخراج ناتج زراعة القطن ، حتي لا تصاب السلطة بمسلسل التضليل المتعمد الذي يظهر فقط ارقام المصروفات التشغيلية التي كان يتم إنفاقها علي بنود الرواتب والإدارة دون تقديم جدوي زراعة كافة المساحات قطناً خاصة وأن أسعار القطن العالمية قد إرتفعت لخمسة أضعافها عن فترة التسعينات . وقاتل الله المضللين أينما وجدوا .
وهنا نقول ، وحتي تتمكن السلطة الانتقالية او التي تأتي بعدها من توفير الحلول المنطقية لإعادة مجد الزراعة بالجزيرة لابد من إتخاذ قرار عاجل بإعفاء مجلس إدارة مشروع الجزيرة الحالي نظراً لعدم خبرته ولتكريسه فقط للقبضة السياسية التي لا يحتاجها المشروع مطلقاً والتي اضرت بالنظام السابق إلي ان تهاوي ورحل ، وقد بان ضعف أداء مجالس الادارات السابقة التي ضربت المشروع في مقتل ، وقد تجمدت أفكارهم الإقتصادية تماماً ( إن كانت لهم افكار اصلا ) بسبب أنهم غريبين عن تراث هذا المشروع وعن اشكالياته التي كات تحتاج حلولا متكاملة وهي ليست بالعصية علي الحل.
كما أنه لابد من حل إتحاد المزارعين الإنقاذي الحالي لأن قياداته قد أخذتهم الخلافات داخل المؤتمر الوطني علي حين غرة ، وبالتالي فقد فقدوا الإستقلالية المهنية لإدارة الإتحاد ، ما أدي الي قيام جسم وطني مناويء يسمي تحالف المزارعين بالجزيرة والمناقل حيث إلتف المزارعون حوله مساندين له.
ونواصل ،،،،،