نُضُوبُ مقابرِ الأَفْيَالِ الأَثَرِيَّة عَنِ العَاجْ- مقتطف من كتابي ريحة الموج والنوارس- عن دار عزة للنشر.
ــــــــــــــــــــــــ
بعد أن نضبت مقابر الفيلة الأثريَّة عن مِئات الأطنان من العَاجْ ، توجَّب على اللَّبْؤة أن تبحث عن مصادرٍ جديدة للدخل القومِي، وتُوجِد سلعاً بديلةً للعاج، ترفُدُ بالعائدات من تلك البدائل واردات المِيزان التجاري، بقِيَمٍ ماليَّةٍ مُماثلةٍ لما جنته في السابق من العَاجْ ، حتى لا يعجز الميزان وتميل كفَّتُه، وتخسر تجارة الغابة الخارجية.
وكان من المُمكن أن تجد اللَّبْؤة بدائلاً ممتازة، لو إنها، فقط، استمعت لأراءِ الحَيْوانَات، بعد أن تستشيرهم في الأمر، وتطرح عليهم التحديات الماثلة في الإجتماع المُنعقد في ساحة العَرِيْن كل صباح، أو تفيد من برامج ومقترحات المُعسكر المناويء لحكمها، والذي تضرر في عهدها بليغاً، فصحَّ له أن يتمترس خلف شعاراتٍ مُعارضة، وأن يعمل جهراً على اسقاط سلطتها وإنهاء عهدها الشوم، ولكنها لم تفعل، ولم تلجأ لأي حلولٍ جديدةٍ ومُبدعة، ولوت عنقَها نحو ما تتقنهُ وتعرف له من إجراءات، تمثلت في فاقمة الجبايات والتحصيل، وأمرت بأخذِ نسبةٍ، تقاس بالوزن، من العَاجْ الذي تزدان به أوجهُ الأَفْيَال، ويُنزع منها وهي بعدُ على قيدِ الحياة.
- الأَفْيَال مِنْ سِمْعُوا احتجُّوا، وتضامنت معهم فصائلٌ أُخْرَى، وسَارَت!
وجرت بينهم منقاشاتٌ ثرةٌ، وتبادلوا آراءاً قيِّمة، وقرروا أن يحشدوا طيفاً مقاوماً واسعاً من الحَيْوانَات المُحتجة والتي سبق أن تضررت من قرارات مشابهة، وكان من بين تلك الفصائل: التماسيح، والقرود، والنعام.
ولكن لم تدرك هذه الحَيْوانَاتِ قضيةَ الأَفْيَال جيداً، ولم تعي أبعادَها بالكامل، فرفضت أغلبُها العملَ المشترك.
ولكن، كانت التماسيحُ استثناءاً، فقد كانت تعرف ما تريد، وما يجب عليها أن تفعل، شرطا، من تحتِ الماء.
في عُهُود ما قبل سيطرة سلالة الأَسَدْ الجرباء، أزدهرت صناعةُ الورق، التي كان يشرف عليها، ويديرها خشم بيت من فصيلة السَّنَاجِبْ.
وبموجب أزدهاء تلك الصناعة، توفر الورق وفاضت به المخازن، وأنشأت عدةُ فصائلٍ من الحَيْوانَات مطابعاً للكتب، والمجلَّات، والصحف السيّارة، وكراريس تلاميذ المدارس.
وأُلحقت مطبعةٌ خاصةٌ للعُملة، والأوراق الرسميّة مثل أرانيك التحصيل الحكومي، ومنها أورنيك (15) المالي الهام، بالأدارة الفنيّة للعرين.
ولكن وعندما بارت صناعةُ الورق، فور جلوس الأَسَدْ المهزول على كرسي العَرِيْن، وكتبعة من تبعات ذلك البوار، أُقفلت عدةُ مطابع، وصمدت مطبعتي الغزالة والزرافة وواصلتا إنتاجهما من المطبوعات، ولكن لفترة قصيرة، ثم تقلص نشاطهما الطباعي بالتدريج حتى انحصر وفقط في طباعة الصحف اليومية قبل التوقف النهائي.
وفي عهد اللَّبْؤة، ومن البداية، توقفت مطبعةُ الزرافة، وواصلت مطبعةُ الغزالة انتاجها للصحف فقط، وواصلت الأرانب توزيع تلك الجرائد وتوصيلها للبيوت، أعشاشأ وأوكاراً وجُحُور، في رقعة والمساحة الجغرافيةالتي تستطيع تغطيتها.
أمّا الطيور المُغرِّدة، فقد نهضت بمهمة تغطية المناطق النائية، التي كانت تبعد كثيراً عن موقع المطبعة، ونشر صحف كل يوم، في طول الغابة وعرضها...
ولكن أوعزت اللَّبْؤة للحيوانات اللاحمة وكواسر العَرِيْن، أن تقوم بوقف هذا النشاط، أوعلى الأقل تضعفه: بأيِّ طريقةٍ كانت!
وهكذا صارت الحَيْوانَاتُ اللاحمة تأكل الأرانب، والطيورة القائمة على أمر توزيع صحف الغزالة اليومية، دون أن تقرأ تلك الفصائلُ النابحةُ سطراً واحد من ما حملته من الأسفار، ولم تجذبها لا أخبارٍ، ولا علم، ولاحتى الثقافةٍ.
واستخدمت أوراقُ تلك الصحف، كفرْشَة لأغراض التجفيف، ونزع الزيت من لحوم مناديب التوزيع: (أرانبٌ وطُيورٌ صادِحة)...
وعلى العُمُوم، فقد سلكت اللَّبْؤة طريق العنف وحده لتثبيت أركان سلطتها في العرين، وضربت القُراف حتى تجعل الجمال يخاف.
وفي ذلك العهد الكالح الظلامي، لم يستثني عنفُها وبطشُها أحد.
وعلى سبيل المثال، فقد أهانت اللبؤة وفدَ الأَفْيَالِ، الذي أتي منافحاً عن عاجِ بني فصيلته، المنتزع منه أوجههم وهم على قيد الحياة، ودماؤهم تجرى في عروقهم لا تزال.
ووصلت الإهانة حد التكفيت، والجلد، وأودع كبيرُ الأَفْيَال المُعتقل، ونُزع عن وجهه العَاجْ: (عظةً مُتوهمةً، وعبرةً لمن لن يَعْتَبِر!).
amsidahmed@outlook.com
/////////////////////