كتب دكتور عبد الواحد أيوب: " ومنذ أن تلقفت بالقراءة آراء الأستاذ محمود هذه، أدركت أهمية أن يتصدى علماء الأمة لمناقشتها والرد عليها بلغة الحوار من واقع ما استقر من علوم الشريعة وأدواتها وأنا أجد نفسي مدفوعاً لتدوين موقفي من آرائه وفكرته سعياً إلى تكوين موقف علميٍّ يستند على نصوص ومفاهيم مقتبسة من وحي الشرع وعلومه مستهدياً بأقوال العلماء في المسائل التي تضمنتها الرسالة والله الموفق. (سودانايل – 29 يناير 2020)"، وما يميز كتابته عمن سبقوه من معارضي الفكرة الجمهورية النفس الهادي، والأدب الجم، والابتعاد عن التكفير، وايراد الحجج، ومن هنا نحتفل بما كتب، ونسعى للرد عليه..
هاك ما تريد يا عزيزي: يقول الدكتور: " كان يلزم الأستاذ محمود الإتيان بشاهد من أقوال أو أفعال أو أحوال النبي عليه الصلاة والسلام يعزز به الحديث الذي نسبه إليه بقوله: ((قولي شريعة، وعملي طريقة، وحالي حقيقة))، لأنه – كما يظهر لي- مجرد استنساخٌ غير دقيق لما استقر عند السادة الصوفية من التفريق بين الشريعة والطريقة والحقيقة؛ حيث يقررون أنها تشير إلى مراتب الدين الثلاث: الإسلام والإيمان والإحسان؛ أو أن الشريعة هي أن تعبده والطريقة أن تقصده والحقيقة أن تشهده"، واستجابة لطلب د. عبدالواحد نقول: ورد في أن قوله شريعة ما يلي: "صلوا كما رأيتموني أصلي، وخذوا مناسككم عني"، وورد في أن عمله طريقة: "قيامه بالليل والناس نيام، وصيامه ثلاثة نهارات وليلتين يفطر في مغيب شمس اليوم الثالث وهو صيام المواصلة، وانفاقه ما زاد عن حاجة لحظته الحاضرة، وكان يقول للسيدة عائشة: أوما أمرتكي ألا تعلقي، لا تعلقي؛ فان خالق غد ياتي برزق غد كل غد"، وورد في أن حاله حقيقة: "لي ساعة مع ربي لا يسعني فيها ملك مقرب ولا نبي مرسل"!!..
نختلف معك ونتفق ونورد حججنا: أورد الدكتور عبدالواح ما يلي: " يقرر علماء الأصول أن الشريعة هي الوعاء الشامل لكل أحكام الدين في حين أن السنة هي أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وتقريراته، وبحسب الاستخدام القرآني يمكننا أن نفهم أن السنة أو “سنة الله” هي القانون الطبيعي النافذ الذي لا يتغير ولا يتبدل، في حين أن الشريعة هي القيم المشتركة بين الأنبياء والأمم جميعاً، وتتمثل في التوحيد والقيم الإنسانية وهي قابلة للتبدل والتطور"، نتفق معك أن هناك قيماً مشتركة بين الأنبياء والأمم جميعاً وتتمثل في "لا إله إلا الله"، لقوله: "خير ما جئت به أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله"، ووردت بشأنها الآيات: "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه..."، وهي الضابطة للتوحيد والقيم الانسانية، ونختلف معك في أنها ليست شريعة لهم جميعاً؛ إذ كل الأنبياء يتفقون في لا إاله إلا الله (وهي ثابتة في الجوهر مختلفة في التحقيق)، ويختلفون في شرائعهم لأنفسهم وأقوامهم، فالشرائع متطورة ومختلفة بين الأنبياء، ومن ذلك تزويج الأخ لأخته - توأم شقيقه الآخر - في شريعة آدم عليه السلام، وتحريم ذلك في شرائع اللاحقين من الأنبياء، ونختلف معك ومع علماء الأصول فيما أوردته: "يقرر علماء الأصول أن الشريعة هي الوعاء الشامل لكل أحكام الدين"، فالشريعة عندنا هي المدخل على الدين وليست هي الدين، ففي اللغة الشريعة هي: " والشَّريعةُ والشِّراعُ والمَشْرَعةُ: المواضعُ التي يُنْحَدر إِلى الماء منها، لسان العرب"، إذن من حيث اللغة هي الباب وهي المدخل على الدين وليست هي الدين، فالدين أكبر منها، إذ يشمل الدين ماهو محكم وماهو منسوخ من الادينح المرجأ منه، (الآية "ما ننسخ من آية أو ننسها – قراءة – أو ننسئها – قراءة أخرى تدل على أن ماهو منسأ موجل فحسب)، ونختلف معك – بكل أدب – في قولك: "في حين أن السنة هي أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وتقريراته"، إذ لدى الجمهورين تمييز بين السنة والشريعة (رغم أن الفقهاء لا يمايزون بينهما)، فعندنا أن كل تقريرات النبي شريعة وكل أفعاله – في خاصة نفسه - سنة، وقوله قسمان مادرَّج به أصحابه؛ شريعة، وما نمَّ عن حالة قلبه مع ربه؛ سنة..
خلط بين التبليغ والتبيين: كتب د. عبدالواحد: " وبنفس القدر، فإن أحسن ما يمكن فهمه من تفريق الأستاذ محمود بين السنة والشريعة عند النبي عليه الصلاة والسلام أنه يشير إلى الحكمة المقررة في مخاطبة الناس على قدر عقولها وطاقتها، لكن الأستاذ يهدم ذلك بقوله: "فاذا أرسل، يبلغ شريعة، هي دون نبوته، قولاً واحداً" لأنه يُوهم بكتمان او إخفاء النبي لشئ من رسالته وهو ما يتناقض مع المفهوم التوحيدي للأمانة عند الرسل لقوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ"، وهنا نلحظ بوضوح خلط صاحبنا – عبدالواحد – بين تبليغ النبي ما طلب منه تبليغه بنص الآية: "يا أيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربك"، فالنبي بطبيعة الحال بلغ كل ما أنزل إليه من ربه ولم يكتم شيئاً – حاشاه – من التليغ، فهل بيَّن النبي كل ما أنزل إليه من ربه؟!، والبداهة تقول لا لم يبين كل ما أنزل إليه من ربه، لماذا؟!، لأنه ليس مكلفاً أن يبين كل ما أنزل إليه من ربه، ذلك أن التبيين على الله، وليس على النبي (عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم)، لقوله تعالى: "لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه"..
النبوة ختمت والتقوى باب العلم اللدني: يواصل عبدالواحد: "وعندما يقرر الأستاذ محمود أن: النبوة اعداد من الله للبشر، ليتأهل، ويستحق، ويقوي علي وظيفة الرسالة، فهل يقصد أن ثمة رسالة أخرى يمكن اكتسابها بعد الاستعداد والتقوّي على وظيفتها وأنه قد وجد السبيل إليها فيقدح بذلك في خاتمية رسالة النبي عليه الصلاة والسلام ويُلحق بمُدعيي النبوة أم أنه يقصد الرسالة مطلقاً فيعتبر حينئذٍ قد جزم بأن الرسالات الإلهية كسبية وليست وهبية فيخالف ما عُلم ضرورةً من أن النبوة والرسالة اصطفاءٌ من الله لا دخل للبشر فيها ولا مطمع لنيلها لا بتأهيل ولاغيره"، نعم النبوة ختمت بصريح نص لا مرية فيه: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين"، ومعنى ختم النبوة أن كل ما أراد الله تبليغه للناس موجود بين دفتي المصحف، ولن يتصل جبريل ببشر بعد النبي ليوحي له بزيادة، ومعنى ذلك أن الباب انفتح ليعلم الناس من الله كفاحاً من ما حواه المصحف من نبوة، وعند الجمهوريين أن رسالة النبوة ختمت بالنبي وانفتح الباب لرسالة الولاية التي رسولها هو المسيح بن مريم "كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً مقسطاً يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجورا"، وعندنا أن محمد (صلى الله عليه وسلم)، هو النبي المعرف بالألف واللام وأن المسيح هو الرسول المعرف بالألف واللام.. نواصل..