ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي مقدمة: هذه ترجمة لما جاء في الفصل العاشر من كتاب (السودان في طريق التطور) The Sudan in Evolution الذي صدر بلندن في عام 1921م عن دار نشر كونستابل وشركاه، بقلم المؤلف البريطاني بيرسي أف. مارتن Percy F. Martin (1861 – 1941م). ويتناول المؤلف هنا باختصار نظام الضرائب على التجارة والأموال والحيوانات وغير ذلك، وطرق جمعها، واحتجاجات الأهالي عليها في غضون العقدين الأولين للحكم الإنجليزي – المصري للسودان. المترجم ******* ********** ******* لقد قيل – عن حق - إن حجر الزاوية في النظام السياسي الذي تمت إقامته بكثير من التدبر والعناية بالسودان (ومصر أيضا) كان هو الضرائب المنخفضة. لقد كان للمسؤولين البريطانيين من اللباقة والخبرة ما ساعدهم على سن قوانين جديدة عند بداية الحكم البريطاني للسودان، وكان لهؤلاء المسؤولين الفهم التام لضرورة معاملة محكوميهم من المسلمين بالعدل، وحتى بالرأفة والكثير من التساهل عند تقدير وفرض مساهمتهم في تسيير أعمال الحكومة. وعلى الرغم من أنهم كانوا على علم بأن فرض شكل من أشكال الضرائب أمر لا بد منه، إلا أنهم كانوا يدركون أيضا أن فرض ضرائب عالية على الأهالي الفقراء سيكون أمرا مفرط القسوة، وسيفضي عاجلا إلى كوارث مؤكدة. ويسهل فهم كيف أن هذه الإدارة الجديدة للبلاد (التي لا تعلم الكثير عن الأهالي الذي عُهد إليها برعايتهم) قد تخرَّبَ – دون قصد بالطبع – ما تهدف إليه من نشر التمدن بالبلاد وحفظ الأمن به. فقد كان بعض المسؤولين البريطانيين متشبعين بما ألفوه من أفكار سائدة في الغرب تتعلق بفرض الحكومات لضرائب على مختلف طبقات السكان، وكانت هنالك خشية حقيقية من أن يسعى المسؤولون لتطبيق تلك الأفكار الغربية على السودانيين، إذ أن مصيرها كان سيكون هو الفشل الذريع بلا أدنى ريب. لقد كان الأهالي بالسودان – خاصة طبقة التجار منهم - ضحايا لجشع وطمع النظام المهدوي السابق لأكثر من عقد من الزمان، وكانوا من قبل ذلك ضحايا للحكم المصري - التركي المستبد الفاسد. وفرضت السلطات التي سبقت العهد الحالي الكثير من الضرائب الباهظة على كل من أتاح له الحظ البقاء وأن يحتفظ ببعض العقارات. وكانت تلك الضرائب تفوق بكثير قيمة تلك العقارات نفسها. وعانى ملاك تلك العقارات أشد أنواع العسف والظلم والتعذيب على أيدي جامعي الضرائب الذين كانوا يجوبون البلاد التي أصابوها كالوباء المنتشر. وكان يُعتقد بأن فرض نظام ضرائبي جديد يضع في الاعتبار أحوال هؤلاء الأهالي المساكين، ويجعل طريقة جمع الضرائب (المعتدلة) منهم أكثر رحمة وإنسانية، أمر من شأنه أن يُكْسَبَ الحكومة ثقتهم. وأهل الشرق يؤثرون دوما نوعا مخففا من الضرائب على مما يقدمه له الأوربيون من هدايا "التقدم"، الذي لا يفهمونه ولا يقدرونه حق قدره (هكذا!؟ المترجم). والضرائب ليست محبوبة في السودان، كما هو سائد ببقية أرجاء العالم. وصدق الشاعر البريطاني الكساندر بوب (1688 – 1744م) حين قال: "كل من يأمل في أن يرى ضريبةً لا عيب فيها، يأمل في أن يكون ما لم يكن مطلقًا، وما ليس بكائن، وما سوف لن يكون بتاتا". Whoever hopes, faultless tax to see Hopes what ne’er was, is not, and ne’er shall be. غير أنه مع تطور الاقتصاد بالسودان، صار فرض الضرائب على السكان أمرا لا مناص منه. لقد انقضى إلى غير رجعة – لحسن الحظ - ذلك الزمن الذي كان الحكام فيه (مثل عثمان بيه عام 1825م، وإسماعيل باشا أبو جبل عام 1852م، وحسن بيه عام 1859م، ورؤوف باشا عام 1879م) يقومون بزيادة الضرائب على الأهالي كلما أمرهم كبيرهم (خديوي مصر) بذلك. ويذكر التاريخ أن إسماعيل باشا أيوب كان قد بعث لخديوي مصر في عام واحد (هو عام 1873م) بمئة ألف من الجنيهات نقدا، لا بد أنه كان قد انْتَزَعَها عنوةً من تعساء الحظ السودانيين الفقراء. ولا شك أن هؤلاء الناس كانوا قد خسروا مبلغا مماثلا في عمليات النهب والسلب التي كانت تصاحب عمليات جمع الضرائب دوما. ولا شك في أن مثل تلك الممارسات الهمجية كانت ستدْخل الرَّوْعَ على قَلْبِ آدم اسمث دون ريب، فهو واضع قواعد الضرائب الأربع: العدالة واليقين (الوضوح / الصراحة) والملاءمة والاقتصاد، التي تجاهلها تماما الحكم المصري – التركي في السودان مع جامعي ضرائبه اللصوص الذين دأبوا على اِقْتلاع الضرائب من الأهالي قسرا وسرقة أكثرها. ويدرك السوداني العادي الآن أن عليه أن يدفع للسلطات الحاكمة شيئا قليلا من مصادره المحدودة، ويساهم معها في سبيل تقديم خدمات محددة له. غير أن دفع الضرائب في هذا العهد – خلافا للعهود السابقة - محكوم بالقيمة الفعلية لما يملكه من عقار أو محل تجاري أو أنعام أو غير ذلك، وما كسبه في العام المعين من مهنته في الزراعة أو الرعي أو التجارة أو أي مهنة أخرى. ويتلقى نظير ضرائبه خدمات تشمل الشرطة والدفاع والبريد والبرق والتعليم، وكل الخدمات الضرورية المتعلقة بالمحاكم وإنفاذ أحكامها (العادلة). غير أن دفع الضرائب لم يجلب للسودانيين إلى الآن الحق في إجراء حوارات سياسية مستقلة، إلا أن ذلك سيأتي في مقبل السنوات، كما حدث لجيرانهم المصريين. وكانت أنواع الضرائب التي فرضت على الأهالي في السودان تشمل: (1) ضريبة الأراضي (العشور)، (2) ضريبة التمور، (3) ضريبة الحيوانات، (4) ضريبة الطرق، (5) ضريبة البيوت، (6) ضريبة المراكب، (7) ضريبة التجارة، (8) ضريبة قبائل الرحل. أما الضرائب الأخرى مثل تلك المفروضة على البضائع الواردة (الجمارك)، وعلى عائدات حقوق براءة الاختراع والتأليف (royalties) فلا تمس الأهالي إلا بصورة غير مباشرة. إ غير أنه فُرضت عليهم ضرائب من نوع آخر مثل الدمغات التي يجب وضعها على الطلبات والعرائض (ومعروف أن للأهالي ولع شديد بتقديم العرائض عندما تحين لهم الفرصة في أي مناسبة)، ومثل الضرائب المفروضة على استخدام المعديات والبواخر واستخراج الرخص، وعلى الذبيح في المسالخ. (1) ضريبة الأراضي (العشور): "العُشر" ضريبة قديمة معروفة من قديم عند الأهالي بالسودان. وتعادل ضريبة الأراضي (العشور) عًشر ما تنتجه الأرض، وتدفع غالبا نقدا، وأحيانا عينا. وتقدر هذه الضريبة على مساحة وقيمة الأراضي المروية، وتتراوح قيمتها بين 10 قروش و60 قرشا لكل فدان. أما الأراضي المروية بالأمطار فالعشور عليها أقل من الأراضي المروية. وكذلك تفرض عشورا أقل على الأرضي التي تمت زراعتها حديثا مقارنة بتلك التي سبق زراعتها. وعلى الرغم من أن كلمة "العشور" وكلمتي "ضريبة الأراضي" تستخدمان بنفس المعنى، إلا أن هنالك في الواقع فرق بينهما. فـ "ضريبة الأراضي" تفرض بفئات ثابتة تتراوح بين 10 و60 قرشا على الأراضي التي تروى اصطناعيا أو بمياه فيضان النهر. ولا تفرض ضرائب بتلك الفئات على الأراضي التي تُروى بالأمطار، إذ أن مساحات تلك الأراضي تختلف كثيرا بين عام وآخر، وتختلف كذلك كميات المحاصيل المنتجة منها بحسب معدلات هطول الأمطار. لذا تُفرض ضريبة على هذه المحاصيل تعدل عُشر قيمتها، إما نقدا (كما هو في الغالب) أو عينا. (2) ضريبة التمور: تعادل ضريبة التمور السنوية قرشين على كل نخلة. وهذه ضريبة زهيدة جدا بالنظر إلى أن النخلة الواحدة تنتج بلحا يباع بعشرة شلنات كل عام، وفي بعض السنوات الاستثنائية قد تبلغ قيمة التمور المنتجة من نخلة واحدة جنيها مصريا كاملا، وفي بعض الحالات أكثر من ذلك. وإضافة إلى التمور، فالنخلة تجلب لصاحبها (أو لأصحابها، إذ قد يتشارك شخصان أو أكثر في ملكية نخلة واحدة)، فجريدها يستخدم في سقَّف البيوت وصنع الحبال والمفارش وغير ذلك. وتُستعمل سِيقَانها كمصدر للوقود في البيوت، وللألياف التي تُلف منها حبال المراكب (والعناقريب. المترجم). ويُستفاد حتى من أشجار النخيل الميتة أو تلك التي غدت لا تثمر في تصنيع السواقي أو الشادوف. (3) ضريبة الحيوانات: تفرض هذه الضريبة على الجمال والخيول والبغال والأبقار والغنم بفئات متنوعة. (4) ضريبة الطرق: وهذه الضريبة زهيدة القيمة، وهي تفرض على كل من يمر بطرق معينة، والغرض منها هو إبقاء تلك الطرق آمنة ومفتوحة دوما، والمحافظة على الآبار التي حفرت على جوانب الطرق. (5) ضريبة البيوت: تعادل هذه الضريبة 1/12 (%8.33) من قيمة الإيجار السنوي للمباني. (6) ضريبة المراكب: يعتمد تقدير هذه الضريبة على سعة المركب، ويجب على كل صاحب مركب أن يدفع قرشين عن كل أردب تسعه مركبه. (7) ضريبة قبائل الرحل: تفرض هذه الضريبة سنويا على رجال القبائل الرحل الذين لا يمتلكون أرضا محددة، ولا يعملون بأي نوع من الزراعة. ويقرر مدير المديرية فئات تلك الضريبة، ويقدرها بحسب قيمة ممتلكات القبيلة من البهائم وغيرها. وبالإضافة إلى ما ذُكر أعلاه من ضرائب مباشرة (المفروضة على الأفراد والضروريات)، فإن هنالك بعض الضرائب غير المباشرة الأخرى، وهذه تفرض على السلع الكمالية والمواد الخام. ومن أمثلة تلك الضرائب غير المباشرة ما يُفرض على الصمغ العربي وريش النعام ومطاط الهند (والتجارة في المطاط ممنوعة تماما في الوقت الحالي) والدوم والسنامكي. وأصدرت الحكومة في مارس من عام 1913م قانونا عُرف بـ "قانون الضرائب التجارية" كان مكونا من 25 بندا. ولم يرض هذا القانون بعض طبقات المجتمع التي ازدهرت أحوالها جدا في هذا العهد، وكان بمقدورها دفع تلك الضرائب (القليلة). وليس بمقدور أي حكومة (مهما كانت درجة معقوليتها ولين جانبها) أن تأمل في كسب رضا كل أفراد المجتمع، أو أن تقنعهم بأن الضرائب ضرورية وأنه لا يمكن لأي حكومة أن تستغني عنها، وأن ضرائب الأرباح تُفرض فقط على من عندهم أموال، وتُنفق في خدمة الأغنياء والفقراء على حد سواء. وما من أمل في أن تقنع الناس بأن الضرائب (القليلة) تلك لا تفرض إلا على من ازدهرت أحوالهم بالفعل، وحققوا أرباحا كبيرة، وإن لم يحققوا أرباحا فلن يفرض عليهم شيء مطلقا. ويجب أن نذكر أن التذمر على فرض تلك الضرائب كان أكثر وضوحا في الخرطوم من باقي مناطق البلاد. غير أن تطبيق تلك السياسة الضريبية استمر دون انقطاع رغما عن سخط البعض. وكان واضحا لحكومة السودان في عام 1913م أنها ستواجه عجزا في ميزانيتها يبلغ 78,000 من الجنيهات المصرية (ج م) بسبب تخليها عن الإعانة المصرية (جاء العجز نتيجة لسحب الدعم المصري لحكومة السودان البالغ قدره 163,000ج م، ويعوضه مبلغ 85,000 ج م تتلقاه حكومة السودان من رسوم الجمارك، ويبقى هنالك عجز قدره 78,000 ج م). وكان على حكومة السودان أن تدبر أمر تغطية كل أو بعض ذلك العجز بطريقة أو بأخرى. ولم يكن أمام الحكومة إزاء ذلك الوضع غير فرض "قانون الضرائب التجارية"، الذي كان يستهدف رسميا "الأرباح التجارية"، إلا أن مفهومه توسع حتى شمل كل الأرباح الناتجة عن أي أعمال تجارية وصناعية وخدمية (مثل خدمات المطاعم والفنادق الخ) والتوكيلات وخلافها. غير أن ذلك القانون استثنى في بنده السابع المزارع السوداني عن دفع ضرائب عن أعماله الزراعية. (أورد الكاتب جدولا يوضح تقسيم دافعي الضرائب بالسودان إلى عشر طبقات بحسب أرباحهم السنوية ومقدار ما على كل طبقة من ضريبة، فيدفع مثلا من هم في الطبقة العاشرة (الذين تتراوح أرباحهم السنوية بين 24 إلى 36 ج م) خمسين قرشا فقط، بينما يدفع من هم في الطبقة الأولى (الذين تبلغ أرباحهم السنوية 600 ج م أو أكثر) أربعة جنيهات عن كل مائة جنيه. المترجم). ويتضح من بيانات ذلك الجدول أن الفئات التي لم تجن إلا أرباحا سنوية قليلة كانت معفاة تقريبا من دفع ضريبة الأرباح. ولم تتعد الضريبة 4% من الأرباح بغض النظر عن الفئة. ولا نحسب أن تلك النسبة نسبة مهولة أو تمثل عبئا ثقيلا على دافعي الضرائب (مقارنة بمعدلات الضرائب في بريطانيا مثلا). واحتج البعض على إعفاء المزارعين من ضريبة الأرباح. غير أن هؤلاء يتناسون أن المزارعين يدفعون ضرائب أخرى مثل "ضريبة الأراضي" ويدفعون قيمة المياه التي يستخدمونها في ري ما يزرعونه، وليس من العدل أن يطالبوا بدفع المزيد من الضرائب. وكان المزارعون والرعاة يدفعون الضرائب المفروضة عليهم حتى من قبل أن يصدر قانون الضرائب التجارية. وبإمكان المرء أن يتخيل مقدار النقمة والامتعاض التي ستصيب المزارعين إن تمت مطالبتهم بدفع المزيد من الضرائب. وهذا يذكرني بالقول الهندوسي الذي يمكن ترجمته على النحو التالي: "الضريبة .... لا عجب أن مقتها الناس .... نزرع محصولا ما فيغرمونا عليه". وسعت حكومة السودان لإقناع العاملين بمختلف صُنوف التجارة بأن ما سيدفعونه من ضرائب سيستخدم في تطوير وتشجيع التجارة بالسودان عن طريق مد المزيد من خطوط السكة حديد، وتشغيل المزيد من البواخر، وتشييد المزيد من أعمدة الهاتف والبرق. وكل هذه المشاريع تكلف مالا، والمستفيد الأول منها هم من العاملين في مختلف ضروب التجارة. لذا فإن من واجب رجال الأعمال والتجار وغيرهم تأييد السياسة الضريبية للحكومة، وليس انتقادها. غير أن الانتقاد لم يطل فقط فرض الضرائب التجارية، بل وسائل جمعها أيضا. وهنا، مرة أخرى، يصعب تخيل كيف للحكومة أن تتخذ أي إجراءات ووسائل أخرى لتجمع تلك الضرائب المفروضة، إذ أنها عملية تتطلب آليات معقدة. وبحسب ما في بنود "قانون الضرائب التجارية"، يجب على كل مدير مديرية أن يقسم مديريته إلى "مناطق تقييم assessment areas"، ويعين لكل واحدة من هذه المناطق مجلسا للتقييم يضم أحد المفتشتين ومسؤول حكومي آخر. وبالإضافة لذلك يضم ذلك المجلس ممثلين اثنين للتجار المحليين كمستشارين. ويقوم هؤلاء الأربعة بتصنيف وتقييم أوضاع كل الأشخاص الخاضعين للضريبة بحسب فئاتهم المقررة سلفا، و"بما يتوافق ويتناسب مع الأرباح السنوية التي جنوها أو تلقوها ... في داخل السودان من أعمالهم التجارية". ويجتمع مجلس التقييم سنويا – بعد الأول من يناير، وهو شهر يُعد شهر فرح وبهجة، إذ أن فيه العديد من المناسبات الوطنية التي يتم الاحتفال بها. ويبعث المجلس لكل الأشخاص الذين يحتمل أن يكونوا خاضعين للضريبة (وليسوا مسجلين في قائمة دافعي الضرائب)، برسائل يطلب منهم فيها تقديم قائمة مفصلة بكل الأرباح التي جنوها في العام السابق، وتشمل تلك الرسائل أشياء أخرى أيضا. ويطلب المجلس كذلك من هؤلاء الأفراد المثول أمامه في الوقت الذي تعرض فيه القائمة التي بعثوا بها له. ولا يُجبر أحد على الرد على رسالة المجلس ولا على المثول أمامه إذا لم يكن يرغب في ذلك. غير أنه يحق للمجلس في تلك الحالة أن يستمر في تقييم ما يجب فرضه على الشخص المعني الذي لم يقدم بيانا بما حصل عليه من أرباح ولم يمثل أمام اللجنة. وقد يتساءل القارئ عن الكيفية التي يتم بها تقدير الضرائب بصورة منصفة على شخص لم يقدم بيانا بما حصل عليه من أرباح ولم يمثل أمام اللجنة. لقد كان هدف المشرع بالطبع أن تتاح للشخص الخاضع الضريبة الفرصة كاملةً لتقديم بيان واضح ومفصل وحقيقي للمجلس بأرباحه في العام المنصرم، وأن يمثل أمام المجلس ليجيب على أي سؤال حول ما قدمه من حسابات. ومن أخطاء التجار السودانيين المعروفة عدم احتفاظهم بحسابات مكتوبة بما أنفقوه وما حصلوا عليه من تجارتهم. وكان من يسجل هم مثل تلك الحسابات لا يصدق دوما في تسجيل أرباحه الحقيقية. ولذلك غدا الانطباع العام هو أن حسابات أولئك التجار، إن وجدت، فهي ليست صحيحة عادةً. وكانت الحكومة تدرك أن التجار السودانيين غير معتادين على "مسك /حفظ الدفاتر" الخاصة بمنصرفات وأرباح تجارتهم. لذا قامت الحكومة باتخاذ بعض الخطوات التي من شأنها ضمان عدم معاقبة أولئك التجار بضرائب عالية جدا، تفوق ما عليهم دفعه فعلا. غير أنه من غير المستبعد أن تقع بعض الحالات التي يُظلم فيها بعض التجار. وهذا هو السبب الذي من أجله يرسل المجلس للتاجر المثول أمامه ليوضح له شفاهة ما حصل عليه من أرباح في عامه المنصرم. وتقول الحكومة أن أحد أسباب إصدار "قانون الضرائب التجارية" هو تشجيع التجار على الاحتفاظ بدفتر حسابات منظمة وواضحة. وإن أفلح فرض الضرائب في هذا المسعى، وصار كل (أو معظم) التجار يحتفظون بمثل تلك الدفاتر، فإن إصدار مثل ذلك القانون يكون مبررا تماما. ويجب أن نذكر في الختام أن أهم الاحتجاجات على إصدار "قانون الضرائب التجارية" كان هو البند الذي وردت فيه عبارات تهديد بعقوبات صارمة على الذين يدلون بمعلومات كاذبة هم أرباحهم. غير أن اللغة المستخدمة في هذا البند ليست أشد حدة أو أكثر تهديدا من ذلك البند الوارد في استمارة ضريبة الدخل المستخدمة في بريطانيا العظمى. ويجب على كل من يقدم استئنافا ضد ما قُدر عليه من ضريبة أن يتعهد في نهاية استئنافه بأن كل ما أورده من معلومات هي صحيحة تماما، وأنه يدرك أن تقديم أي معلومات خاطئة يمكن أن يعرضه لعقوبة السجن والغرامة (بحسب ما جاء في الفقرة رقم 142 من قانون العقوبات السوداني). ويجب على مقدم الاستئناف أن يرفق مع استئنافه دفاتر حساباته الموثقة التي توضح أرباحه وخسائره.