Viewing Violence in the British Empire: Image of Atrocity from the Battle of Omdurman, 1898 Michelle Gordon ميشيل غردون ترجمة وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي مقدمة: هذه ترجمة وتلخيص لبعض ما ورد في مقال بقلم ميشيل غردون عنوانه هو "مُشَاهَدَة العنف في الإمبراطورية البريطانية: تَصاويرُ فظائع معركة أم درمان، 1898م"، نُشر عام 2019م بالعدد الثاني من "مجلة أبحاث الجناة The Journal of Perpetrator Research". ويدور المقال حول الصور التي اُلْتُقِطَتْ في الأيام الأخيرة للغزو البريطاني – المصري للسودان، وبُعَيْدَ معركة كرري في الثاني من سبتمبر عام 1898م. والمجلة التي نٌشر بها البحث هي دورية حديثة نسبيا، تعُنى بما حدث في الماضي ويحدث الآن من انتهاكات وقتل جماعي وعنف سياسي وإبادة جماعية في أرجاء العالم المختلفة. وتعمل كاتبة المقال باحثة في شؤون الإبادة الجماعية بمركز هوقو فلانتين في جامعة أوبسالا بالسويد. وكانت قد تحصلت على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة لندن بأطروحة عنوانها:" العنف الاستعماري البريطاني في بيراك وسيراليون والسودان British Colonial Violence in Perak, Sierra Leone and the Sudan الشكر موصول للأستاذ طارق أبو صالح لمدي بنسخة من المقال. المترجم ********** ********** ********** يدور هذا المقال حول الصور التي التقطها المراسل الصحفي البريطاني فرانسيس قريقسون في الأيام الأخيرة للحملة البريطانية – المصرية على السودان. وتم جمع تلك الصور في "البوم" (حمل اسم الخرطوم 1898 Khartum 1898. المترجم) حوى كل جوانب الحملة، المعتادة منها، والبالغة الفظاعة. وكانت بعض تلك الصور تتعلق بأكثر الجوانب خلافيةً وإثارة للجدل، وتوضح بجلاء العنف والآثار الحادة والمروعة والممعنة في الفظاعة التي خلفتها معركة أم درمان التي قادها هوراتيو هيربرت كتشنر. وشملت تلك الفظاعات قتل البريطانيين للجرحى من أعدائهم. وأرى أن صور تلك الفظاعات تقدم نوعا من "التأثير المعادل أو الموازنة" لما كان يعرضه المسؤولون البريطانيون من "أعمال استعمارية جريئة" في "حروب بريطانيا الصغيرة"، وتساهم في كشف القناع عن وحشية الحروب البريطانية الاستعمارية. وعند مناقشة مسألة تلك الفظائع يتركز دور الصور في "مسائل أخلاقية"، غير أني أحاول هنا أن أمضي لأبعد من تلك المسائل، وأزعم أن ذلك "الألبوم" يمثل جزءًا من تلك الفظائع، وبالتالي أرى أن المصور قريقسون قد أدى دورا في تلك الأحداث بحسبانه أحد الجناة في ذلك العنف. (يمكن مشاهدة بعض صور ذلك "الألبوم" وقراءة هذا المقال في موقع المجلة: https://jpr.winchesteruniversitypress.org/articles/abstract/10.21039/jpr.2.2.10/ المترجم). ولم تحظ أمثلة الصور البريطانية الدالة على العنف التي أتناولها هنا الا بالقليل من الاهتمام من المؤرخين، وتجاهل الكثيرون منهم تأريخ تلك المعارك، وما وقع فيها من عنف فظيع في مجال التصوير (atrocity photography) بصورة عامة. وبسبب ذلك التجاهل لم تجد تلك الصور الكثير من الذيوع والانتشار، الأمر الذي يمكن أن يعزى جزئيا للتصورات الشعبية عن "الإمبراطورية البريطانية الخيرة"، ولإخفاق بعض مؤرخي الاستعمار في الإحاطة الكاملة بإرثه. وأؤمن بأن تحليل تلك الصور الدالة على عنف الإمبراطورية البريطانية أمر مهم وضروري، وقد يعمل كترياق للصورة الشعبية (المتخيلة) عن "الإمبراطورية البريطانية الخيرة". ********* ********* تمثل المجموعة الأولى من صور الحرب (والفظاعات) سجلا بصريا مهما للعنف الذي أقترفه الجنود البريطانيون في سبيل تحقيق مشروع الإمبراطورية. إلا أن تلك الصور (وكل صور تلك الحملة) لم تُدخل بصورة متكاملة وكافية في تأريخ الإمبراطورية البريطانية، أو في تأريخ الحروب والتصوير. وهذا ما يعيب انتاج غالب مؤرخي (ومصوري) تلك الإمبراطورية الذين جنح بعضهم في بعض الأحيان لـ "تعقيم" العنف الاستعماري. وهنالك أمثلة عديدة لمثل تلك الممارسات الفظيعة في مناطق أخرى، مثل العنف الذي صاحب وأعقب الحرب البريطانية في بورما، وإخماد حرب الأفيون الثانية في الصين، وانتفاضة قامت في الهند عام 1857م (سميت تلك الانتفاضة أيضا "تمرد السيبوى"، وتعد من كبرى الثورات الهندية ضد حكم شركة الهند الشرقية البريطانية التي كانت تمثل سلطة ذات سيادة إنابة عن التاج البريطاني. المترجم). ************ أوضحت الصور التي التقطت في أثناء حملة "استعادة" السودان التي قادها سردار مصر كتشنر (1896 – 1899م) مدى العنف المفرط لتلك القوة، وما خلفه ذلك العنف من الكثير من الجدل والخلاف. وأضطر كتشنر لأن يكتب عند نهاية الحملة إلى الملكة فيكتوريا ليفسر لها أفعاله، مثل قصفه لقبة المهدي ونبشه لقبره ومعاملته للبَقايا. ولا بد أن الهزائم التي ألحقها أنصار المهدي بالحكم التركي – المصري للسودان، وسيطرتهم على العاصمة وقتلهم لغردون، وفشل الحملة التي أرسلها البريطانيون لإنقاذه، كان قد سدد ضربات متوالية ومهينة لهيبة بريطانيا. وأيد الرأي العام البريطاني تلك الأحداث، وناصر العودة إلى السودان للثأر له (خاصة وأن غردون عُد بعد مقتله بطلا مسيحيا). وكانت بريطانيا تخشى من أن تسبقها إيطاليا وتستولى على السودان (بعد هزيمتها في معركة عدوى في الأول من مارس 1896م). لكل تلك الأسباب قرر البريطانيون القيام بحملتهم العسكرية لـ "استعادة" السودان. ونسب الكثيرون العنف المفرط في تلك الحملة إلى "الثأر" من قتلة غردون. وكان كتشنر في أيام تلك الحملة، التي بدأت عنيفة منذ يومها الأول، في حث جنوده دوما على "تذكر غردون". فقد كان رئيس الوزراء، اللورد سالسيبري، قد نصح كرومر بتجويع أفراد العدو في معسكراتهم. وكانت القوات البريطانية – المصرية تستخدم – بصورة روتينية – تكتيكات شملت حرمان الجرحى والمستسلمين من أي مكان يقيمون فيه أو يَلْجَأُونَ إليه، وهدم المدن والقرى ومخازن الأغذية بهما. وكانت أولى معارك الجيش الإنجليزي - المصري في (فريكت) في السابع من يونيو 1896م ضد أنصار المهدي (بقيادة عثمان أزرق. المترجم). وكان الرائد فارلي قد زعم أن الكثير من مقاتلي المهدية كانوا ينتظرون الفرصة كي يستسلموا، وأقبل الكثيرون منهم وهم رافعين أيديهم عاليا في الهواء. ةوومارست القوات البريطانية – المصرية تكتيكات القتل بصورة جماعية في معركة أم درمان، التي وصفها أحد الكتاب بأنها "لم تكن معركة، بل إعدامات". ******* البوم الخرطوم 1898 (Khartum 1898) تشكل الصور التي نحاول هنا تحليلها جزءًا من ألبوم جمعه فرانسيس قريقسون مراسل الصحيفة البريطانية (St. James’s Gazette)، سُمي ببساطة Khartum 1898، لإحياء ذكرى الانتصار على المهدية. ويحوي الألبوم 232 صورة (لكل مراحل الحملة منذ بدايتها حتى نهايتها)، ولا تزال الكثير من نسخها موجودة حتى الآن. وأركز هنا على صور معركة أم درمان، وأشير إلى ما تكشفه (أو تخفيه) من الجوانب الأكثر التقليدية للحملة، وسياق تلك الصور بحسبانها صورا تذكارية، وامتدادا لفظاعات الاستعمار والآثار الواضحة والمضمرة لـ " البقع العمياء الاستعمارية". وخلافا لحروب العصابات التي لا تعترف بالمواجهة المباشرة في ميادين القتال، والتي كانت تستخدمها الشعوب في محاربة الأوربيين الغزاة، آثر المهدويون مواجه قوات كتشنر وجها لوجه في أرض معركة مفتوحة. وكانت النتيجة هزيمة ماحقة لهم، إذ قتل منهم 11.000، وجرح 16,000 فردا. ولا شك أن عدد القتلى كان أكثر مما ذُكر بسبب الإهمال الذي تعرض له الجرحى (الذين ظل بعضهم في ساحة القتال بكرري لعدة أيام بعد انتهاء المعركة). ولم يُقتل من الجيش الإنجليزي – المصري سوى 48 فردا، وجرح 382 رجلا. وأول صورة نتناولها هنا كانت من صور المتحف القومي الحربي البريطاني، وهي لجنود كتشنر وهم يستعدون للقاء الأنصار. والصورة توحي بالعنف المتوقع وشيكا، وذلك من خلال إبراز المصور للحراب اللامعة الحادة المثبتة في مقدمات البنادق. وتمثل تلك الصورة موازنة مهمة للمصادر المكتوبة عن تلك المعركة، التي كانت تركز بشدة على دور مدافع مكسيم في كسب تلك المعركة. وهذا يدحض ما زعم عن أن تكتيكات تلك المعركة كانت "متحضرة / متمدنة"، كما توسع ونستون تشرشل في وصف فظائعها في كتابه "حرب النهر" مثل قتل الجرحى بوسائل "متخلفة". (أشارت الكاتبة هنا أيضا لاستخدام المستعمرين للتقنية الحديثة في ذلك الوقت مثل رصاص "دم دم" ضد من يقاومونهم، رغم زعمهم لقيام بحرب "متحضرة / متمدنة". المترجم). ورغم أنه في أيام المعركة لم تتوفر التقنية اللازمة لتسجيل أحداثها حيةً في شرائط، إلا أن صور فرانسيس قريقسون أفلحت في نقل الوحشية المفرطة للحرب الاستعمارية، وفيما بعد انتهاء المعركة أيضا. وهنالك صورتان لجثث القتلى مبعثرة على أرض المعركة. وعنون فرانسيس قريقسون أولى الصورتين Like snowdrifts مشبها إياها بالرواسب الثلجية المنحوتة بالرياح في تل خلال عاصفة ثلجية. ومن فظائع تلك المعركة أن الجنود كانوا يتأكدون من موت أو حياة من يجدونه مُجندَلا على أرض المعركة بطعنه بحربة البندقية، وكانوا يسلبون من الجثث والجرحى كل ما يمكن لهم غنيمته. أما الصورة الرابعة، التي التقطها قريقسون عند الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا في ساحة معركة كرري فقد عنونها: "أسيتحرك؟ Is he moving "، وهي لجندي مصري قرب جمله على بعد يسير من أحد جرحى جنود المهدية. وقد تم تفسير تلك الصورة بطرق متباينة. فأرشيف السودان بجامعة درم البريطانية يصف الصورة بأنها لـ "جندي مصري يتقدم نحو مهدوي جريح في ساحة المعركة بكرري بعد انتهاء معركة أم درمان". غير أن المجموعة الملكية في وندسور تصف الصورة بشكل أكثر حيادية بـ: "في المقدمة على اليسار صورة مصري يقف بجانب جمل بارِك، وفي خلف الصورة يسارا صورة جندي سوداني مهدوي جريح على ساحة معركة أم درمان يحاول النهوض". وورد وصف مغاير لذات الصورة في صفحة 133 من كتاب لوليام رايت William Wright عنوانه: "أم درمان 1898م" صدر عام 2012م، حيث شرحها بالقول بأنها "صورة نادرة لمراسل ... يحاول تصوير درويش وهو يحتضر". وبهذا الوصف لا يستطيع القارئ أن يحدد إن كان الرجل الواقف بجنب الجمل يحاول أن يتناول سلاحه أم آلة تصويره. ومعلوم أنه كان بوسعه أن يفعل أي من ذَيْنِكَ الخيارين. ولا ريب أن شرح قريقسون لتلك الصورة (وهو يفترض أن يكون عليما بممارسات جنود كتشنر) يجعله خطرا بصورة خاصة، وربما يفاقم من عنف تلك المشاهد. ولا شك في أن التقاط صورة لجندي وهو في لحظات احتضاره هو نوع من العنف، ولا يمكن تخيل الآثار النفسية على المحتضر وهو يُصور في تلك اللحظات. من المعتاد أن تستخدم الصور من أجل التوضيح. ودرج المؤرخون على إيراد نسخ من هذه الصور في كتبهم دون تعليق، وهدفهم هو استخدامها في تحليلاتهم التاريخية، ولتوضيح خلاصة نتائج تحصلوا عليها سلفا، أكثر منه لطرح أسئلة جديدة أو تقديم رؤية نقدية لها. ولا يمكن لنا الآن فهم تلك الصورة إلا في سياق معرفتنا بإجْهَاز جنود كتشنر على الجرحى من أعدائهم. وتشكل تلك المعلومات إدراكنا الحسي للصورة، ويقود شرح الصورة تفسيرنا لمعناها. ولا يكون شرح الصورة بالطبع موضوعيا، كما هو واضح من التفسيرات المتباينة للمصور والأطراف الأخرى. ****** ****** وهناك صورة خامسة أتى شرحها في أرشيف السودان بجامعة درم البريطانية كما يلي: "جنود ينهبون قتلى وجرحى المهدويين في ساحة كرري عقب معركة أم درمان، وهي توضح الممارسة التي كانت شائعة إبان الاستعادة". وكان شرح الصورة في المتحف القومي الحربي مختصرا كما يلي: "النهب بعد المعركة. الثاني من سبتمبر، الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا". وكان سلب ممتلكات القتلى والجرحى ممارسة معيارية بالإمبراطورية البريطانية في كل حروبها الاستعمارية. وفي هذه الحالة كان الجنود يرسلون لعائلاتهم في أوطانهم قوائما يسردون فيها ما غنموه لهم، واشتملت تلك الغنائم على رايات المهدية، وحِراب مقاتليها. ويبدو أن العنف والنهب كانا متداخلين، كما في الصورة التالية (رقم 6) التي جاءت في المتحف القومي الحربي تحت عنوان: "جثث البقارة (أم درمان)". وقد حدث ذات التقتيل في ساحة المعركة صباحا، وفي مدينة أم درمان مساءًا. ووصف تلك المشاهد اللواء آرشيبوولد هنتر بقوله: "كنا نمتع أنفسنا مثل أَيفاع يتأرجحون في ساحة مليئة بأكوام قش. لقد قضينا سحابة عصر ذلك اليوم ونحن ندخل ونخرج عبر تلك الأزقة الضيقة، ونقتحم البيوت، ونكسر أبوابها ركلا، ونطارد أولئك الأشرار في كل مكان. واستسلم معظمهم، غير أنه كان علينا قتل نحو 300 إلى 400". وكانت تلك الصورة أبلغ دليل على الخلو التام من أي قدر من التعاطف مع الذين سقطوا من جنود الأعداء "المتطرفين"، وتصورهم عرايا وتجردهم من إنسانيتهم. وهي بذلك تتطابق مع رؤية المستعمرين. ولا غرابة، فالمشروع البريطاني الاستعماري كان مشبعا بتحيزات عنصرية تقسم وتصنف السكان المحليين إلى قسمين مفترضين، فهم إما "متوحشين" أو "شبه متمدنين". وكانت عمليات تجريد العدو من الإنسانية (dehumanization) واضحة قبل قيام الحملة وفي غضونها. فلم يكن أتباع المهدي بالنسبة لهم بشرا، بل "متطرفين" و"فيزي ويزي". بل ورد في وثيقة بأرشيف السودان بجامعة درم البريطانية أن أحد الضباط (أ. انسويرث) قال بأن منظر تلك الجثث والأعضاء المبتورة لم تترك فيه أثرا إلا كمثل الأثر الذي تتركه رؤية منظر حشرة مصابة. وبهذا يمكن أن نعد صور قريقسون متسقة مع استخدام التصوير في غضون النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وهي تمثل عنفا هو في الواقع جزء من ممارسات ثقافية أوسع، وتتضمن ما يمكن أن يُحسب كـ "إدراك ومعرفةً" في كل ما يتعلق بـ "الأهالي". وكنتيجة لتجريد أولئك الأهالي من الإنسانية في خطابات الإمبراطورية (بساحات المعارك والمدن)، فليس هنالك إذن من داعٍ أو سبب للحزن عليهم. يتفق الكثيرون على أن هنالك شيء واحد ينبغي أن تقدمه الصورة، ألا وهو "إنسانية اللحظة". إلا أن الناظر لصور قريقسون لا يرى فيها أي قدر من الإنسانية. ويعوض المصور ذلك النقص المريع بدور "التمدين البريطاني" في تخليص السودان من أولئك "المتطرفين المتعصبين". غير أننا لا نرى ذلك "التمدين البريطاني" (وبالتالي، اللطف والأدب والكياسة civility البريطانية)، بل نرى الممارسات البربرية التي شاركت فيها القوات البريطانية، والايديلوجية الامبريالية التي شكلت أساس ذلك المشروع. وبهذا فإنه يمكن النظر في تلك الصور بحسبانها صورا ذاتية لِلإِذْلاَلِ والامتهان إنابة عن القوات البريطانية. ***** **** نجد في ذلك الألبوم صورا للعدو وجثثهم متناثرة في ساحة المعركة بجانب صور قتلى البريطانيين الذين ظفروا بدفن "متمدن". ولا تظهر في الصور بالطبع أجساد أولئك البريطانيين، بل نرى فقط قبورهم المرتبة النظيفة. ويشير وضع تلك الصور بجوار بعضها إلى التفاوت الكبير في طريقة معاملة قتلى "غير المتمدنين" مقارنه مع المعاملة "المتمدنة" التي حظي بها من قتلوا من القوات البريطانية. وهنالك اعتراف عام بالعلاقة بين التصوير والأخلاق والدروس الأخلاقية. ويقدم لنا ألبوم قريقسون "دليلا" على أن المهدية قد ماتت، بينما بقي البريطانيون (بحسب ألبوم قريقسون) مُفْعَمٌين بالحيوية، قبل وبعد تلك المعركة الفاصلة. وبدا وكأن تلك الصور تلمح للناظر بأن "المتوحش" سيُهزم لا محالة، وأن طبيعة التصوير أن تحول الحاضر فورا إلى ماضٍ. لا شك في أن إهمال قوات كتشنر لجرحى الأعداء في ساحة القتال أمر شنيع. غير أن هذه الشناعة لم تُبرز في ألبوم قيرقسون. لذا فإن هنالك الكثير مما هو "خارج إطار" ذلك الألبوم. وسيحتاج الناظر للألبوم لتفاصيل أكثر عن تلك الحملة حتى يلم تماما بأهمية تلك الصور وما تعنيه حقيقةً. *********** ********* وأختتم كتشنر حملته بقداس تذكاري لروح غردون، وجد فيه كتشنر فرصة للظهور الإعلامي. ومَثَّلَ ذلك القداس إنقاذا لهيبة بريطانيا، وأداءًا "لواجب تأخر كثيرا" للثأر لغردون. وكانت تلك هي المهمة التي سوغت الأفعال الوحشية التي اقترفتها القوات البريطانية. وقام قريقسون (مع آخرين) بتصوير لمحات من ذلك القداس وما عزف فيه من مارشات وهتافات. وكانت تلك الصور تعبر عن تصلُّف وغطرسة الانتصارات العسكرية military triumphalism، وتمتدح القسوة، عوضا عن أن تدينها.