يا برهان: سارق الثورة من يهيمن على اقتصادنا!!
ركن نقاش
في منتصف أبريل 2017 أقر برلمان (المخلوع) مرسوماً جمهورياً حوَّل (هيئة التصنيع الحربي) الى (منظومة الصناعات الدفاعية) .. أبرز ما قرره المرسوم:
* أن تكون (المنظومة) مستقلة مالياً وإدارياً عن وزارة الدفاع وجهاز الامن .. وتتبع مباشرة إلى رئيس الجمهورية.
* يكون (للمنظومة) مجلس أمناء يعينه ويرأسه رئيس الجمهورية .. ولرئيس الجمهورية حق تعيين مدير المنظومة وإعفائه.
* مُنحت (المنظومة) حق إستثمار أموالها دون الخصوع لسلطات المراجع العام .. على أن تُراجع بواسطة مراجع "خاص" .. يوصي به المراجع العام ويوافق عليه ويعينه رئيس الجمهورية.
* لا تخضع (المنظومة) لقوانين الشراء والتعاقد والاجراءات المالية والمحاسبية.
* مُنحت حصانات واسعة للعاملين (بالمنظومة) .. نصاً يقرر المرسوم (لا يعتبر جريمة أي فعل يصدر من أي من العاملين بالمنظومة أثناء أو بسبب أداء اعمالهم الوظيفية او تنفيذاً لواجب وظيفي أو وفق السلطات الممنوحة لاي منهم).
* مقر (المنظومة) بولاية الخرطوم، ويجوز لها فتح مكاتب بالولايات و"خارج السودان".
ملحظ مهم: يا رئيس الوزراء ويا وزير العدل إن كان هذا المرسوم ما زال سارياً فعليكما وبأسرع ما تيسر إعمال يد الضبط التشريعي فيه ليتماشى مع ولاية المالية على المال العام، وتحويله من هذه الفوضى التي تعتريه من قمة رأسه إلى أخمص قدميه ليكون منضبطاً مع توجهات الدولة الانتقالية، التي تجتهد ليليها نظام ديمقراطي لا دكتاتوري!!..
شركات العسكر وولاية المال العام لمن؟:
1/ الحديث عن ولاية وزارة المالية الإتحادية على المال العام أمر بديهي ومن المسلمات .
2/ قيام وزارة المالية في كل عهودها – ما عدا سنة واحدة على ما أذكر في الديمقراطية الثالثة – بتلبية كل طلبات ومتطلبات الجيش السوداني حقيقة ثابتة. السنة التي إستثنتها هي السنة التي قام بها ضباط القيادة العامة الجنوبية بالتحفظ كرهائن على كل من وزير الدفاع والقائد العام بسبب النقص في إحتياجات القوات المسلحة وهي في حالة حرب بجنوب البلاد وقد تم معالجة الأمر الإ أنه فتح بابا لتدخل الجبهة الإسلامية في حياة القوات المسلحة عن طريق جمع تبرعات وتواصل بين علي عثمان محمد طه وبعض الضباط مما لا مجال له الآن.
3/ وكما في الجيش فإن وزارة المالية الإتحادية لم تتوانى أو تقصرفي تلبية كل طلبات أجهزة الأمن على مختلف مسمياتها وواجباتها وأزمنتها.
4/ أخلص من هذا إلى أن كل ما تملك القوات المسلحة من أجهزة وعتاد وممتلكات وشركات مصدره وزارة المالية الإتحادية. وكما هو معلوم فإن القوات المسلحة على مختلف العهود لم تقم بـ (غزو) دولة أو الحصول على غنائم منها حتى تكون لديها ممتلكات خاصة بها وليس من أغراضها كما أعلم العمل في الزراعة أو الصناعة أو التجارة حتى يكون لها - رأس مال تستثمره في شراء المحاصيل واللحوم وتصديرها.
* أقول هذا وأنا أستصحب رأي العسكرية السودانية ممثلة في اللواء أحمد عبدالوهاب عندما قرر الرئيس جعفر نميري إنشاء مؤسسة عسكرية للزراعة وأخرى للتجارة نصحه بأن يوقف قيام المؤسستين لأنه أولا: هذا ليس من مهام الجيش في بلدنا، وثانيا لانه يدخل الفساد وسط كبار الضباط. وذكر له أنه كان في رحلة تفقدية في المدرعات الجنوبية ووجد قائد الحامية بملكال وهو برتبة عميد قد زرع فول سوداني بقي لحصاده أقل من شهر فأمره أن يقلع الفول قبل العاشرة صباحا ويعتبر نفسه موقوفا ويسبقه إلى الخرطوم. وفشلت كل الوساطات . أوقف الرئيس نميري المؤسسة الزراعية وظلت حبرا على ورق وسمح للمؤسسة التجارية باستمرار نشاطها لفترة تسترد فيها أموالها من شريك أجنبي في تجارة السجائر وبعض المقتنيات. (إبراهيم منعم منصور – وزير مالية سابق – في مخاطبته للبرهان وحميدتي)..
العسكر والتجارة (أطلبوا العلم ولو في الصين):
(دراسة مطولة حول انشغال الجيش بالتجارة والنشاطات الاقتصادية، أجريت في الصين عام ١٩٨٨ علي الجيش الصيني الذي كان يعمل في مجال الاقتصاد والتجارة)، خلصت هذه الدراسة للآتي:
التجارة تغير عقيدة الجيش، حسابات المكسب والخسارة لا تصلح للمؤسسة العسكرية وأفرادها، تحول التجارة ومكاسبها رؤية العسكريين للشعب على اساس انه زبون ويجب التربح منه، يتحول الجيش الى منافس سوقي وليس لمؤسسة من مؤسسات الدولة، لا يمكن للفرد ( في الجيش) أن يجمع بين العقيدة القتالية وافكار الربح والخسارة التجاري ما يفتح الباب للتربح ببيع الضمير والمكاسب الاقتصادية الذاتية، التجارة تغير من سايكلوجيات افراد الجيش في نظره الى واجباته التي من اجلها التحق بالمؤسسة العسكرية، المقارنة التي اجرتها الحكومة الصينية بين جيوش الدول الغربية والجيش الصيني خلصت الى أنه لا يوجد في الغرب باكمله جيش يعمل في مجال الاقتصاد مع الكفاءة القتالية العالية لافراد تلك الجيوش، العمل في مجال التجارة والاقتصاد يزيد من اطماع قادة الجيش للقيام باعمال انقلابية على سلطة الدولة، انشغال الجيش بالتجارة والاقتصاد يؤدي الى اقصاء افراد الشعب العاديين من السوق، تعامل الجيش بالتجارة والاقتصاد يؤدي الى هروب الاستثمارات الاجنبية من البلاد، بعد هذه الدارسة قررت الصين ان تخرج الجيش من التجارة والاقتصاد، وبعدها بثلاث سنوات نجح الاقتصاد الصيني ان يكون قوة ضاربة في الاقتصاد العالمي الى يومنا هذا!!..
تضارب في المعلومات:
"اشار (البرهان) إلى أن الشركات التابعة إلى المنظومة الدفاعية تدفع الضرائب وتساهم في رفع الاقتصاد موضحا أن تصدير السمسم والصمغ العربي والتعدين لاتحتكرها شركات الجيش"، (البرهان يهاجم المدنيين في الحكومة - التغيير الالكترونية)، حديث البرهان هنا يتناقض مع ماهو مقرر من قوانين تحكم (منظومة الصناعات الدفاعية)، فقد جعلها ما تتمتع به من قوانين "دولة موازية" داخل دولة "جمهورية السودان"، دولة قائمة بذاتها وفق قانونها الصادر بمرسوم من (المخلوع)، دولة مستقلة مالياً وإدارياً، لها قوانينها الخاصة في التعاقد والبيع والشراء لا تحكمها قوانين (دولة السودان)، فهل فعلاً كما قال البرهان تدفع شركات المنظومة الدفاعية الضرائب؟، ونضيف لما سها عنه البرهان: وتدفع الجمارك؟!، "البرهان: القوات المسلحة لن تفرط في شبر من أرض السودان مشددا على أن القوات المسلحة متواجدة في مناطق حدودية لا يعلمها السياسيون الذين يتحدثون عن شركات المنظومة الدفاعية"، (البرهان: الجيش سيرفع علم السودان في حلايب وجودة الفخار والفشقة - الخرطوم: التغيير الالكترونية)، بينما نسب البرهان أمر الصرف للمنظومة الدفاعية، نجد أن الفريق أول ياسر العطا يطالعنا في صورة له بملابسه العسكرية (لم نطالع نفياً له لنسبتها إليه) ومكتوب عليها: "جميع شركات المؤسسة العسكرية هي في الأصل صندوق للضمان الاجتماعي للفرد العسكري منذ العام 1972"، "قال البرهان: “من أين يصرف الجيش على صحة الجنود والضباط في المناطق الحدودية النائية، بالتأكيد من شركات الجيش التي توفر عقاقير الملاريا والمضادات الحيوية” وتابع “الجندي في المناطق الحدودية يشتري قطعة الخبز بعشرة جنيهات نحن نريد تحقيق التنمية المتوازنة تعالوا لنحقق ذلك بإزالة التهميش والظلم تعالوا لنعمل سويا“،(البرهان: الجيش سيرفع علم السودان في حلايب... – مصدر سابق - الخرطوم: التغيير الالكترونية)، ونتساءل – في عفوية – من صنع أزمة الخبز يا برهان؟، هل هي الحكومة الانتقالية، أم النظام البائد الذي كنت جزءاً منه حتى انحيازكم إلى ركب ثورة الشعب، ألم تشتعل الثورة في مدينة عطبرة في التاسع عشر من ديسمبر 2018 على أزمة الرغيف، وسؤال آخر: هل عجزت مالية الانتقالية عن تشوين الجيش حتى تقوم شركات المنظومة الدفاعية بالواجب تجاه جنود الوطن؟!..
من فرَّط في الثورة: الانتقالية بـ (18%) أم العسكر بالتقريط على الـ (82%):
قال القائد العام للقوات المسلحة رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان: "ان القوات المسلحة ستقف شوكة حوت لكل من يريد محاولة سرقة ثورة ديسمبر المجيدة وأنها لن تفرط فيها"، (سودانايل - 24 أغسطس 2020 – سونا - في خطاب أقرب للانقلاب: البرهان: الفاشلون يريدون أن يعلقوا إخفاقاتهم على مؤسسات الجيش")، الحكومة الانتقالية أتى بها ثوار ديسمبر وارتضوها قائدة لمسيرتهم لتعبر بهم من الضيق الاقتصادي للفرج المنشود، ولتصل بهم إلى الديمقراطية (الحرية السياسية)، وإلى سد رمق المواطن في طعامه، وفي صحته وفي رفع جهله لتلج به إلى باحة (الحرية الاقتصادية)، وحينما أدركت بعد تجربة مريرة في علاج علل الاقتصاد الكلي أن شركات العسكر (وهي ألوف مؤلفة من الشركات العاملة في التصدير والاستيراد) عرفت مكمن الداء العضال، المتمثل في شركات إمبراطورية العسكر، فطالبت بهدوء الثوار واتزانهم أن تدخل هذه الشركات في بيت طاعة وزارة المالية الاتحادية الوالية حقاً على المال العام، فماذا جرى في الخفاء؟، ولم تكن وحدها (الانتقالية) من تعلم فقد أعلن ذلك البنك الدولي أن ما تطلبه الانتقالية من دعم موجود تحت تصرف شركات العسكر وقدر البنك الدولي أن ما تملكه المؤسسات العسكرية (جيش وشرطة وأمن)، يفوق الـ 100 مليار دولار، وقد قال رئيس وزراء الفترة الانتقالية د. حمدوك: "نحن دولة برأس واحد "، ولكن للأسف اكتشفنا مؤخراً أننا دولة برأسين؛ رأسٌ مدني وآخر عسكري، ويقينا لا يوجد في جميع أنحاء العالم استثمار للجيوش بعيدا عن دولتها المسيطرة، فعلى العسكر إذن أن يعلنوا الحقيقة؛ كيف يستأثر ما لا يشكل نسبة مئوية ذات شأن أمام مجموع الشعب السوداني بنصيب الـ 82% من الدخل القومي ويترك للشعب (الذي تريد المؤسسة العسكرية أن تكون شوكة حوت أمام من يسرق ثورة الشعب) نسبة 18% فقط من الدخل العام، من السارق ومن المسروق؟!..
eisay1947@gmail.com