ويستمر التصعيد لتحقيق أهداف الثورة

 


 

 


1
رغم المصاعب والعقبات التي تقف في طريق الثورة ، الا أنها تجدد نفسها باستمرار منذ اندلاعها في ديسمبر، ما أن يخبو نارها حتى تشتعل من جديد ، كما في المواكب والاضرابات والوقفات الاحتجاجية والاعتصامات السلمية لتحقيق أهدافها ومطالبها ، وما يجري هذه الأيام من تصعيد ضد سياسات الحكومة الاقتصادية التي خضعت تماما لتوصيات صندوق النقد الدولي التي سار عليها النظام البائد ، وكانت النتيجة المزيد من تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والزيادات الكبيرة في أسعار الوقود والكهرباء والخبز والدواء، وهي نفس سياسات النظام البائد ،لقد أصبحت الحياة جحيما لا يطاق، وفشل الحلول الأمنية في وقف تجارة العملة ، وشل نشاط الفلول فيها حتى تجاوزالدولار حاجز (320) حنيها، مع ارتفاع أسعار السلع والضروريات ، وانهيار القطاعات الإنتاجية ، والخلل في السياسة التجارية التي لا تعود فيها عوائد الصادر لبنك السودان، وتخبط الحكومة الإداري ، وعدم تحركها للجم التدهور الاقتصادي، بل تصر علي عدم تغيير العملة ، واستمرار شركات الجيش والأمن والدعم السريع والاتصالات والمحاصيل النقدية وشركات الماشية والذهب خارج ولاية المالية.
هذا اضافة لتفاقم الصراعات داخل السلطة حول المحاصصات في التشكيل الوزاري ، مثل ما حدث أخيرا في انسحاب المجتمع المدني ، وإعلان المجلس المركزي للحرية والتغييرأنه سيتم اعتماد قائمته للترشيح الوزاري، ، كما تعكف قوي أخري خرجت من المجلس المركزي تقديم قائمة أخري، والصراع داخل الجبهة الثورية حول التشكيل ، وخلاف الأمة مع المجلس المركزي واصراره علي التمثيل ب 6 وزراء، وغير ذلك من أشكال التدهورالسياسي الذي لا يرقي لانجاز مهام الفترة الانتقالية.

2
كان ولا زال مشروعا التصعيد الذي تقوم به لجان المقاومة وتجمع المهنيين والنقابات والجماهير في الأقاليم باعتصاماتها للمطالبة بتحسين وتوفير خدمات التعليم والصحة والأمن ، وجمع السلاح ،ولجم العصابات المنفلتة، الذي له أسبابه الموضوعية، فهو اصلا لم يتوقف منذ اندلاع الثورة ، واستمر تراكمه مثل :استمرار الاعتصام بعد الانقلاب ، مواكب 30 يونيو 2019 بعد مجزرة فض الاعتصام ، وذكري أكتوبر ، والذكري الأولي لثورة ديسمبر ، ومواكب العدالة ، والاضرابات والوقفات الاجتجاجية، واستنكار انتهاكات حق الحياة ، وضد سجون الدعم السريع التي يمارس فيها التعذيب حتى الموت، والمطالبة بوقف ذلك ، وحل مليشيات الدعم السريع وبقية المليشيات وجيوش الحركات وقيام الجيش المهني القومي الموحد ، وجمع السلاح وحصره في يد القوات المسلحة ، وبسط الأمن في كل ربوع البلاد.
فهو تصعيد ضد سياسات النظام الاقتصادية التي أدت للمزيد من التدهور الاقتصادي ، مع تأكيد المقاومة السلمية حتي اسقاط تلك السياسات، وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية ، ودعم الدولة للسلع الأساسية والتعليم والصحة والدواء ، وتوفير فرص العمل للشباب ، بالتوجه للمشاريع الإنتاجية الزراعية والصناعية والخدمية.
هذا اضافة للانفلات الأمني وتدهور الوضع الأمني مثل ما حدث في الشرق وجبال النوبا والانفلات في المدن السودانية ، وفي دارفور ، وتصاعد التوتر علي الحدود الاثيوبية بنشر اثيوبيا (حسب وكالة بلومبيرغ) دبابات ومضادات للطائرات علي الحدود مع السودان.

3
من جانب آخر يستغل الفلول هذا التصعيد مثل : التخريب ونهب ممتلكات الناس ، والهجوم في بورتسودان علي مقر لجنة التفكيك وحرق وثائقها ، و والاعتصام واغلاق الطريق القومي بسنكات والعقبة ، اضافة الي أنهم كانوا خلف الأزمات بتهريب العملة والسلع الأساسية ، ورفع سعر الدولار ، واشعال الفتن القبلية في الشرق ودارفور وجبال النوبا ، مستغلين ضعف الحكومة في مواجهتهم وبسط الأمن، وهي كلها محاولات يائسة لارجاع عقارب الساعة للوراء، باعادة حكم الانقاذ الفاشل الذي لفظه شعب السودان بعد 30 سنة من حكمهم الذين نهبوا فيها ثروات البلاد ومارسوا فيها أقسي أنواع القمع الإبادة الجماعية، كما حدث في بيوت الأشباح التي يعرض فيها التلفزيون السوداني هذه حلقات تعكس تجارب للمناضلين الذين تعرضوا للتعذيب الوحشي ، اضافة للإبادة الجماعية في الجنوب حتي تمّ انفصاله ، وفي دارفور حتى تقديم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية، ومن المهم استمرار توثيق جرائم تلك الفترة في الإعلام بكل جوانبها ونشرها مع والمحاسبة حتى لا تتكرر.

4
كان من أسباب تعثر الثورة انقلاب اللجنة الأمنية الذي قطع الطريق أمام وصول الثورة لحظة اندلاعها في الحكم المدني الديمقراطي، والتدخل الاقليمي والعالمي للدول التي ليس من مصلحتها قيام نظام ديمقراطي في السودان يكون منارة في المنطقة تهدي شعوبها للتغيير الجذري للانظمة الديكتاتورية والقمعية التي مكنت للدول الرأسمالية من نهب ثرواتها وافقار شعوبها، اضافة لحماية مصالح الراسمالية الطفيلية المدنية والعسكرية، والاقتصار علي التغيير الشكلي الذي لا يمس سياسات النظام البائد الاقتصادية والقمعية وتحالفاته العسكرية الخارجية، وفي سبيل ذلك تحالف المكون العسكري مع قوي "الهبوط الناعم" داخل قوى الحرية والتغيير مع تدخل دولي واقليمي مكشوف لتحقيق ذلك بالتوقيع علي " الوثيقة الدستورية" التي كرّست هيمنة المكون العسكري الأمنية والاقتصادية والإعلامية، حتى "الوثيقة الدستورية" لم يلتزم المكون العسكري بها ، فتجاوز صلاحياته في مجلس السيادة التشريفية ، الي الهيمنة علي عملية السلام التي هي من اختصاص مجلس الوزراء، وباشرها حتى توقيع اتفاق جوبا الجزئي التي أكدت تجربة انهيار الأمن في دارفور فشله كما حدث في الانتهاكات خلال الأسابيع الماضية التي راح ضحيتها أكثر من 500 قتيل وجريح ، مع انعدام الأمن وانتشار السلاح ، واستمرار القتل خارج القانون الذي تمارسه المليشيات، وضعف العدالة والافلات من العقاب، وعدم توفير احتياجات المواطنين الأساسية في التعليم والصحة والدواء والكهرباء والماء ، وعودة النازحين لقراهم وتعويضهم. الخ.
كما هيمن علي صلاحيات وزارة الخارجية بالاستيلاء علي ملف العلاقات الخارجية مثل: مقابلة البرهان لنتياهو في عنتيبي، التطبيع مع اسرائيل في غياب البرلمان المنتخب ، حتى الزيارة الأخيرة لوزير الاستخبارات الاسرائيلي ايلي كوهين ، والاتفاق علي إعادة لاجئ العمل السودانيين ( حوالي 6 ألف لاجئ)، الي جانب التعاون الاستخباراتي ، والسماح للطيران الاسرائيلي بالتحليق بحرية في الأجواء السودانية ، والتعاون في مجالات الاقتصاد والزراعة ( حسب تصريح لكوهين في مقابلة مع صحيفة بسرائيل هوم، الراكوبة 28 /1/2021)، تم هذا رغم سريان قانون مقاطعة اسرائيل لعام 1958.
اضافة لتوقيع اتفاقات عسكرية مع أمريكا وأخرها خبر السماح لها بعمل قاعدة عسكرية بحرية في بورتسودان ، واتفاق (الآفريكوم) كما جاء في الأخبار علي جيش سوداني مهني يكون مسؤولا أمام الحكومة والمواطنين ، والسماح بتكوين قاعدة روسية بحرية، وعمل المناورات العسكرية مع مصر في ظل احتلالها لحلايب وشلاتين ، والاستمرار في حلف اليمن، ومحاولة المكون العسكري مع فلول النظام البائد لدق طبول الحرب علي الحدود مع اثيوبيا ، الذي وجد استنكارا واسعا من شعب السودان، وتم التشديد علي الحل السلمي ، ورفض التدخل الخارجي ، مع الاستعداد لرد أي عدوان، وتأكيد أن الفشقة سودانية.
اضافة لمحاصرة المكون العسكري ونقده لتجاوز صلاحياته، والتصريحات غير المؤسسيه لأعضائه مثل نائب رئيس مجلس السيادة حميدتي بفشل الحكومة المدنية وكأنه ليس جزءا منها.
هكذا تواصل الحكومة بشقيها العسكري والمدني في التفريط في السيادة الوطنية كما فعل من قبل نظام عبود الذي فرّط في جزء عزيز من الوطن (حلفا) باغراقها ، وقبل المعونة الأمريكية المشروطة باملاءتها عليه ، حتى تدهورت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وكان اسقاطه في ثورة اكتوبر 1964 ، وكذلك نظام نميري الذي سمح بترحيل اليهود الفلاشا من أراضي البلاد لاسرائيل ، وقبوله بتوصيات صندوق النقد الدولي في تخفيض العملة وزيادة أسعار الخبز والوقود وكان اسقاطه في انتفاضة مارس- أبريل 1985، وكذلك نظام البشير الذي فرط في جنوب السودان بانفصاله وقبوله بتوصيات الصندوق برفع الدعم عن الوقود والخبز وتخفيض الجنية السوداني، وكان اسقاطه في ثورة ديسمبر 2018 ، وستذهب ريح هذه الحكومة التي فرطت في السيادة الوطنية، واستمرت في نفس سياسات النظام البائد الاقتصادية التي دمرت البلاد والعباد.
بالتالي طبيعي أن يتنامي التصعيد الجماهيري ضد سياسات الحكومة التي أدت للتدهور الاقتصادي والمعيشي، وعرقلة المحاسبة واستعادة الأموال المنهوبة وتفكيك التمكين، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وعدم الاسراع في إعلان نتائج التقصي في مجزرة فض الاعتصام ، وعدم إجازة قانون النقابات الذي تمّ التوافق عليه والذي يؤكد ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، والحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة، وغير ذلك من شعارات ثورة ديسمبر، مما يتطلب أوسع تحالف وتلاحم لقوي الثورة لتحقيق أهدافها.

alsirbabo@yahoo.co.uk

 

آراء