الاغتصاب الفكري والجسدي مكملان لبعضهما

 


 

جبير بولاد
17 March, 2022

 

.. الاغتصاب الجسدي كمحسوس و متبدي في إنتهاكات الجسد و انعكاسه علي الروح أمر مقيت و في غاية البشاعة، و هو الاكثر تعريفا في أذهاننا و في ذاكرة المجتمعات ، و دوما حفل التاريخ البشري في صراعاته الممتدة بتلك الجريمة و التي تقتل الروح قبل الجسد حيث كانت حاضرة كصفة تفرد بها هذا الكائن البشري و الذي تزحزح ببطء في خانات التاريخ الي حيز بشريته التواقة لمرحلة إنسانيته و لكنه دوما استصحب ميراث من حيوانيته ما يزال يعاني الحاضر منه و يكلل هذا الشوط الحضاري بالعار بين الفترة و الاخري ليذكرنا بأننا في مرحلة تطورنا ما نزال نحمل في طياتنا سلوك ذلك الحيوان القديم و ان كنا فقنا حتي الحيوان في صفات لم ترصد إلا عند البشر مثل الاغتصاب و قتل بني الجنس في تلذذ عجيب مستخدمين ذات العقل الذي كان من المفترض أن يكون طوق نجاتنا! .
.. الاغتصاب الجسدي يسبقه دوما و يكرس له اغتصاب فكري، و في العموم كان الاغتصاب الفكري دوما يمثل توطئة للجسدي و استباحته .
.. يبدأ الامر احيانا بحمولة ضخمة تمثل منبع الأخلاق، و ذلك لأن البداية بمنبع الأخلاق و الذي في هذه الحالة هي الاديان عند معظم المجتمعات ، حينها يصبح التحلل من المعصمات الاخري هينا و سهل ، ففي البدء عندما تجيز النصوص الدينية في حالة الغزوات السبي و الاسترقاق و استباحة الجسد ، يفعل المنتصر المتدين هذا الفعل براحة ضمير كبري لأن مظلته المقدسة قد اراحت كاهله من تبعات ما يفعل في انعكاسات الضمير .
.. ايضا غير الاديان تظل المفاهيم او التصورات التي ترسخ لفترات عن المنتهك (الضحية) ، تظل هي تحرير جوازات المرور لهذا الانتهاك في توقيت انه اصبح مكرس في العقل و تصوراته بأن المنتهك (الضحية) يجوز انتهاكه وفق الصورة التي حرص المنتهك(الجاني ) بسلطاته ان يضعها بأرتياح في تفكيرنا و تصورنا حتي اصبحنا نجد المبررات للمنتهك(الجاني ) ، بل ندعمه في مزيدا من الانتهاكات لأن المنتهك (الضحية) يستحق ذلك بعد ان ارحنا ضمائرنا بالتكريس المقنن بسلطة الدين احيانا و اخري بسلطة المجتمع نفسه .
.. طيلة فترة نظام الكيزان(الإخوان المسلمين ) كانت أجساد المعارضين لها من نساء عظيمات و رجال اماجد، ارض مستباحة و تمدد نتاج للتكريس الفكري في التصورات الي حيز غير المعارضين من عامة الشعب ممثل في قوانين النظام العام و التي مثلت اكبر الإنتهاكات الحية في ذاكرة نساء السودان و بناته الكريمات ، و كان يشاهد هذا المحفل المهين عشرات من الناس، مزهوين بالانتهاك لأنه في التصورات كان مكرس بأنه فعل جميل و حارس فضائل للمجتمع الخالي من الفضيلة! .
.. الآن ما يفعله الجنجويد و العسكر هو امتداد لذات التكريس في إغتصاب الفكر/ العقل و يليه إغتصاب الجسد ، ففي الأول يظل الحديث بأستمرار من أن هولاء الكنداكات الثوريات عندما يخرجن للمواكب شاهرات سلاح الهتاف السلمي و الذي يقض مضاجع سلطة الوهم البرهان/حميدتي، تقوم حملات ضخمة ضدهن يقودها رجال الدين في المقدمة ثم يليهم متردية المجتمع في صفاقة و دون ضمير، بأن النساء يستحقن ما يحدث لهم من أنتهاكات و انهن دون ولي و إلا ما كن خرجن!!! . مثل هذه السقطات هي ما أعنيه بالاغتصاب الفكري الذي يمهد الطريق دوما لاغتصاب الجسد في صمت المجتمع ان لم نقل معاونة المغتصب بالتبرير المتواصل .
.. يوم 14 مارس من الشهر الجاري تم إغتصاب فتاة غضة، مليئة بالحلم ، من قبل سفهاء السلطة بزيهم العسكري الكامل، جريمة مثل التي حدثت لو كان الضمير في يقظته التامة لما نام سوداني ليلته تلك، و لا كانت استمرت الحياة في عاديتها البلهاء في اليوم التالي، ظلت هناك اصوات تدين و ظلت هناك اصوات هناك تبحث في عار عن ان المغتصبة جنوبية/مسيحية!! اي والله بهذا الوصف ليتحلل الضمير من ثقل هذه التركة .
.. يظل الصمت هو بوابة المرور للمنتهك(الجاني) و الذي سيطالك يوما انت الصامت في بلاهة او تبرر فعله من اقصي حمولات الجهل عندك ، حينها فقط سوف تعلم ان الاغتصاب هو انتهاك للجسد مهما بررته وفق مرجعيتك الدينية او اي انتماء مريض لك هو جريمة لا تغتفر و سقوط في سلم القيم لا يعادله سقوط .
التحية و المجد لكن كنداكات بلادي و ثوارها .
.. الثورة وعي و فعل و بناء مستمر .

tarig@sudanile.com

 

آراء