قراءة نقدية لقانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018 (2)
د. فيصل عبدالرحمن علي طه
18 April, 2022
18 April, 2022
ftaha39@gmail.com
1
إن اصدار قانون للمناطق البحرية ينبغي أن يستهدف الآتي:
- تأكيد سيادة السودان وحقوقه السيادية وولايته على مناطقه البحرية وثرواتها الحية وغير الحية وتنظيم استغلالها بما يحقق مصالحه الاقتصادية.
- إن القانون والخرائط البحرية التي ستنشر بموجبه ستيسر للوزارات والهيئات التي لها مهام واختصاصات تتصل بالبحر ممارسة هذا المهام. وأعني بذلك حرس السواحل (عندما ينشأ)، والقوات البحرية، والوزارات والهيئات المسؤولة عن النفط والمعادن، ومصايد الأسماك، والبيئة والموانئ، والنقل البحري، والمساحة، والسياحة وغيرها.
- إن القانون سيكون الأساس الذي ستصدر بموجبه أو تتفرع عنه، قوانين ونظم ولوائح تفصل ما أُجمِل في القانون مثل تنظيم الملاحة في المياه الداخلية والبحر الإقليمي. وكذلك القوانين والنظم واللوائح المتعلقة باستغلال الثروات الحية وغير الحية والبيئة والبحث العلمي.
2
مما يؤسف له حقاً أن قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م لا يلبي هذه الأهداف. وإجمالاً فهو مجرد نقل أعمى لمواد بأكملها من اتفاقية الأمم المتحدة للبحار لسنة 1982م. وبحالته الراهنة هذه، فإنه لن يكون مفيداً، أو مفهوماً للوزارات أو المؤسسات التي تتصل مهامها بالبحر. ولن يكون صالحاً كأساس للقوانين والنظم واللوائح التي ستصدر بمقتضاه.
3
إن أول ما يثير الانتباه في قانون 2018م، هو بند «تفسير» المصطلحات الضخم الذي احتوى على 21 مصطلحاً أغلبها كان من الممكن أن يعبر عنه في مواد القانون. واشتمل كذلك على فصول طويلة يعجز المرء عن إدراك سبب إيرادها في القانون.
4
مثلاً الفصل الخامس «المرور العابر»، يتعلق بالمرور في المضائق المستخدمة للملاحة الدولية بين جزء من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة، وجزء آخر من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة: فالسودان لا يشاطئ مضيقاً مستخدماً للملاحة الدولية. وهذا فضلاً عن أن القانون الدولي يكفل للسودان التمتع بالمرور العابر في مضيقي باب المندب وهرمز والمضائق الأخرى التي ينطبق عليها نظام المرور العابر.
5
ونجد مثالاً آخر في «الفصل السادس» من القانون الذي يحمل العنوان «أعالي البحار» والذي ضُمِّن بالنقل العديد من مواد «الجزء السابع» من اتفاقية قانون البحار الموسوم «أعالي البحار». ويتعلق هذا الجزء من الاتفاقية بالحقوق والحريات المكفولة لجميع الدول -ومن بينها السودان- في أعالي البحار. وكذلك الجرائم التي تكون عليها ولاية دولية مثل القرصنة، والاتجار غير المشروع في المخدرات، والبث الإذاعي غير المصرح به من أعالي البحار.
6
لا خفاء في أن البحر الأحمر يدخل في تعريف البحار المغلقة وشبه المغلقة. كما أن أقصى اتساع للبحر الأحمر يبلغ حوالي 190 ميلاً بحرياً. وستغطيه بالكامل البحار الإقليمية والمناطق الاقتصادية الخالصة للدول المطلة عليه. ولن يبقى به بحر عام أو أعالي بحار. لذلك لا يوجد أي سبب لإدراج أعالي البحار في قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م.
7
لقد ظن كُتاب قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م خطأً أن القرصنة لا تحدث إلا في أعالي البحار. فبموجب المادة 58 (2) من اتفاقية قانون البحار، فإن القرصنة يمكن أن تحدث في المنطقة الاقتصادية الخالصة. لذلك فإن تعريف القرصنة في أي قانون سوداني جديد للمناطق البحرية يجب أن يشمل القرصنة التي تحدث في المنطقة الاقتصادية الخالصة.
8
إن القرصنة بتعريفها الحالي لا تشمل الاعتداءات على السفن التي تحدث في الموانئ أو في البحار الإقليمية التي كانت تحدث في منطقة جنوب شرق آسيا وحدثت في ساحل الصومال لذلك تم تكييفها كسطو مسلح. وقد عرَّفت المنظمة البحرية الدولية السطو المسلح بأنه «عمل غير مشروع من أعمال العنف أو الاحتجاز أو أي عمل من أعمال السلب، أو التهديد بالسلب، غير أعمال القرصنة، يرتكب لغايات خاصة، ويكون موجهاً ضد سفينة أو ضد أشخاص أو ممتلكات على متن تلك السفينة، ضمن المياه الداخلية ... والبحر الإقليمي لإحدى الدول».
9
في إطلالة باكرة لي على القانون الجنائي السوداني سنة 1991م، تبين لي أن القانون لا يجرّم أو يعاقب القرصنة التي تحدث في أعالي البحار أو في المنطقة الاقتصادية الخالصة. وفي هذا الصدد يجدر بنا أن نؤكد أن السودان قد شارك في الاجتماع الذي عقد في جيبوتي في 26-29 يناير 2000 برعاية المنظمة البحرية الدولية.
10
تم في اجتماع جيبوتي إبرام مدونة سلوك بشأن قمع القرصنة والسطو المسلح اللذين يستهدفان السفن في غربي المحيط الهندي وخليج عدن. وقد وقع السودان لاحقاً على المدونة.
11
دعت المدونة في المادة 11 كل مشارك لأن يستعرض تشريعاته الوطنية لضمان وجود قوانين لتجريم القرصنة والسطو المسلح، ووجود خطوط توجيهية ملائمة لممارسة الولاية القضائية، وإجراء التحقيقات ومقاضاة المجرمين.
12
يبدو أن الجهة التي أعدت قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م لم تكن على علم أو اطلاع على مدونة جيبوتي. لأن هذا القانون لا يجرّم السطو المسلح في المياه الداخلية والبحر الإقليمي. ولم يرد فيه تعريف مدونة جيبوتي للسطو المسلح.
13
إن البحر الأحمر من البحار الدافئة التي تزدهر فيها وتتنوع الأحياء المائية. ومن هذه الأحياء الأسماك. وتعتبر الثروة السمكية مصدراً للبروتين الآمن. وإذا أُحسن استغلالها وتنميتها، فإنها يمكن أن تكون مصدراً للدخل القومي.
14
ولذلك لا يخلو أي قانون للمناطق البحرية من مادة أو حكم تثبت فيه الدولة الساحلية حقوق الصيد في بحرها الإقليمي أو منطقتها الاقتصادية الخالصة. وكأنموذج للمواد التي تتواتر في هذا الشأن نورد المادة التالية:
- يكون حق الصيد في البحر الإقليمي قاصراً على رعايا الدولة.
- يقتصر حق الصيد في المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة على مواطني الدولة، ومع ذلك يجوز للسلطات المختصة في الدولة وبمقتضى الشروط التي تضعها، أن ترخص لغير المواطنين بالصيد في هذه المنطقة على أن تراعى في ذلك التدابير المتعلقة بالمحافظة على الموارد الحية فيها وترشيد استغلالها.
15
لا توجد مادة كهذه أو حتى تحمل نفس المعنى أو قريباً منه في قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م.
16
لم يأخذ قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م في الاعتبار، الاتفاق المبرم في 16 مايو 1974م بين السودان والمملكة العربية السعودية بشأن الاستغلال المشترك للثروة الطبيعية في قاع وما تحت قاع البحر الأحمر في المنطقة المشتركة بينهما. بموجب هذا الاتفاق فإن استكشاف أو استغلال السودان أو السعودية في منطقة معينة تقع في وسط البحر سيكون مقيداً بهذا الاتفاق. وقد عرَّف الاتفاق الثروة الطبيعية بأنها الثروة غير الحية بما فيها الثروة المعدنية والهيدروكربونية.
17
لذلك كان ينبغي أن يُدرج في قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م حكم مؤداه: «ليس في هذا القانون ما يخل بنفاذ أو تطبيق ما سبق إبرامه من اتفاق مع دولة أخرى بشأن استغلال الثروة الطبيعية للبحر الأحمر». فالقانون بصيغته الراهنة ينتهك اتفاقية 16 مايو 1974 مع المملكة السعودية.
18
حري بنا أن نذكر أن المادة 22 من نظام المناطق البحرية للمملكة العربية السعودية لسنة 1433ه (2011م) تنص على أن تطبيق النظام لا يخل «بما سبق إبرامه من اتفاقيات بين المملكة والدول المجاورة والمقابلة لها فيما يتعلق بالحدود البحرية أو باستغلال الموارد الطبيعية في البحر الأحمر وخليج العقبة والخليج العربي»
19
تنص المادة 49 من اتفاقية المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م على الآتي: مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر، يُعاقب كل من يخالف أحكام هذا القانون بالسجن أو الغرامة التي تحددها المحكمة، كما يجوز لها الحكم بالتعويض بجبر الضرر».
20
إن المادة 49 من القانون تنم عن عجز المشرع وعدم إدراكه للأسباب العديدة التي تحتم أن العقوبات على انتهاكات هذا القانون يجب أن تكون محددة ومنصوص عليها في صلب القانون. وألا تُترك لاجتهاد وتقدير القاضي الذي قد لا يكون على دراية ومعرفة بالقانون الدولي للبحار.
21
وحتى إذا كان القاضي قد درس القانون الدولي في إحدى مراحل تأهيله، فإن انتهاكات قانون 2018م لن تكون ذات نوع ونمط واحد، بل إنها ستختلف وتتنوع. ولذلك فإنه سيحتاج دوماً إلى شهادة خبير من المشهود لهم بالكفاءة في مجال القانون الدولي للبحار.
22
ومما يحتم أن تكون لانتهاكات قانون المناطق البحرية لسنة 2018م عقوبات محددة ومنصوص عليها في صلب القانون، أن هذا القانون سيكون الأساس الذي ستبنى عليه أو تتفرع منه قوانين ونظم ولوائح تتعلق بالبحر. كما أن القانون قد نص على منطقة بحرية جديدة هي المنطقة الاقتصادية الخالصة. فهذه المنطقة لها نظام قانوني خاص. فهي ليست بحراً إقليمياً وليست من أعالي البحار. وتتمتع فيها الدولة الساحلية بحقوق سيادية واسعة على الثروات الحية وغير الحية. وقطعاً ستكون محلاً لشتى أنواع الانتهاكات.
23
ولو تروى المشرع قليلاً وفحص مجموعة قوانين السودان، لوجد فيها قوانين سارية تتعلق بمناطق السودان البحرية القائمة. وأن هذه القوانين تعاقب بالسجن والغرامة على المخالفات التي تقع فيها ومحدد فيها مدة السجن وقيمة الغرامة. ومن هذه القوانين:
- قانون مصايد الأسماك البحرية لسنة 1937.
- قانون الثروة النفطية لسنة 1998.
- قانون حماية البيئة لسنة 2001.
- قانون الثروة المعدنية والتعدين لسنة 2007.
- قانون النقل البحري لسنة 2010.
24
وأخيراً لا أدعي أنني قد أتيت على كل ما في قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م من عوار. ولكن لعل فيما كتبت ما يحمل ولاة الأمر على إلغائه واستبداله بجديد يُعهد بإعداده إلى نفر من ذوي القدرة والدربة.
25
إن هذا القانون مخجل، ولا يشرف السودان. والأشد إيلاماً للنفس أنه يثير تساؤلات بشأن الكفاءة القانونية السودانية، ويقدح في جودة التعليم القانوني.
1
إن اصدار قانون للمناطق البحرية ينبغي أن يستهدف الآتي:
- تأكيد سيادة السودان وحقوقه السيادية وولايته على مناطقه البحرية وثرواتها الحية وغير الحية وتنظيم استغلالها بما يحقق مصالحه الاقتصادية.
- إن القانون والخرائط البحرية التي ستنشر بموجبه ستيسر للوزارات والهيئات التي لها مهام واختصاصات تتصل بالبحر ممارسة هذا المهام. وأعني بذلك حرس السواحل (عندما ينشأ)، والقوات البحرية، والوزارات والهيئات المسؤولة عن النفط والمعادن، ومصايد الأسماك، والبيئة والموانئ، والنقل البحري، والمساحة، والسياحة وغيرها.
- إن القانون سيكون الأساس الذي ستصدر بموجبه أو تتفرع عنه، قوانين ونظم ولوائح تفصل ما أُجمِل في القانون مثل تنظيم الملاحة في المياه الداخلية والبحر الإقليمي. وكذلك القوانين والنظم واللوائح المتعلقة باستغلال الثروات الحية وغير الحية والبيئة والبحث العلمي.
2
مما يؤسف له حقاً أن قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م لا يلبي هذه الأهداف. وإجمالاً فهو مجرد نقل أعمى لمواد بأكملها من اتفاقية الأمم المتحدة للبحار لسنة 1982م. وبحالته الراهنة هذه، فإنه لن يكون مفيداً، أو مفهوماً للوزارات أو المؤسسات التي تتصل مهامها بالبحر. ولن يكون صالحاً كأساس للقوانين والنظم واللوائح التي ستصدر بمقتضاه.
3
إن أول ما يثير الانتباه في قانون 2018م، هو بند «تفسير» المصطلحات الضخم الذي احتوى على 21 مصطلحاً أغلبها كان من الممكن أن يعبر عنه في مواد القانون. واشتمل كذلك على فصول طويلة يعجز المرء عن إدراك سبب إيرادها في القانون.
4
مثلاً الفصل الخامس «المرور العابر»، يتعلق بالمرور في المضائق المستخدمة للملاحة الدولية بين جزء من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة، وجزء آخر من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة: فالسودان لا يشاطئ مضيقاً مستخدماً للملاحة الدولية. وهذا فضلاً عن أن القانون الدولي يكفل للسودان التمتع بالمرور العابر في مضيقي باب المندب وهرمز والمضائق الأخرى التي ينطبق عليها نظام المرور العابر.
5
ونجد مثالاً آخر في «الفصل السادس» من القانون الذي يحمل العنوان «أعالي البحار» والذي ضُمِّن بالنقل العديد من مواد «الجزء السابع» من اتفاقية قانون البحار الموسوم «أعالي البحار». ويتعلق هذا الجزء من الاتفاقية بالحقوق والحريات المكفولة لجميع الدول -ومن بينها السودان- في أعالي البحار. وكذلك الجرائم التي تكون عليها ولاية دولية مثل القرصنة، والاتجار غير المشروع في المخدرات، والبث الإذاعي غير المصرح به من أعالي البحار.
6
لا خفاء في أن البحر الأحمر يدخل في تعريف البحار المغلقة وشبه المغلقة. كما أن أقصى اتساع للبحر الأحمر يبلغ حوالي 190 ميلاً بحرياً. وستغطيه بالكامل البحار الإقليمية والمناطق الاقتصادية الخالصة للدول المطلة عليه. ولن يبقى به بحر عام أو أعالي بحار. لذلك لا يوجد أي سبب لإدراج أعالي البحار في قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م.
7
لقد ظن كُتاب قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م خطأً أن القرصنة لا تحدث إلا في أعالي البحار. فبموجب المادة 58 (2) من اتفاقية قانون البحار، فإن القرصنة يمكن أن تحدث في المنطقة الاقتصادية الخالصة. لذلك فإن تعريف القرصنة في أي قانون سوداني جديد للمناطق البحرية يجب أن يشمل القرصنة التي تحدث في المنطقة الاقتصادية الخالصة.
8
إن القرصنة بتعريفها الحالي لا تشمل الاعتداءات على السفن التي تحدث في الموانئ أو في البحار الإقليمية التي كانت تحدث في منطقة جنوب شرق آسيا وحدثت في ساحل الصومال لذلك تم تكييفها كسطو مسلح. وقد عرَّفت المنظمة البحرية الدولية السطو المسلح بأنه «عمل غير مشروع من أعمال العنف أو الاحتجاز أو أي عمل من أعمال السلب، أو التهديد بالسلب، غير أعمال القرصنة، يرتكب لغايات خاصة، ويكون موجهاً ضد سفينة أو ضد أشخاص أو ممتلكات على متن تلك السفينة، ضمن المياه الداخلية ... والبحر الإقليمي لإحدى الدول».
9
في إطلالة باكرة لي على القانون الجنائي السوداني سنة 1991م، تبين لي أن القانون لا يجرّم أو يعاقب القرصنة التي تحدث في أعالي البحار أو في المنطقة الاقتصادية الخالصة. وفي هذا الصدد يجدر بنا أن نؤكد أن السودان قد شارك في الاجتماع الذي عقد في جيبوتي في 26-29 يناير 2000 برعاية المنظمة البحرية الدولية.
10
تم في اجتماع جيبوتي إبرام مدونة سلوك بشأن قمع القرصنة والسطو المسلح اللذين يستهدفان السفن في غربي المحيط الهندي وخليج عدن. وقد وقع السودان لاحقاً على المدونة.
11
دعت المدونة في المادة 11 كل مشارك لأن يستعرض تشريعاته الوطنية لضمان وجود قوانين لتجريم القرصنة والسطو المسلح، ووجود خطوط توجيهية ملائمة لممارسة الولاية القضائية، وإجراء التحقيقات ومقاضاة المجرمين.
12
يبدو أن الجهة التي أعدت قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م لم تكن على علم أو اطلاع على مدونة جيبوتي. لأن هذا القانون لا يجرّم السطو المسلح في المياه الداخلية والبحر الإقليمي. ولم يرد فيه تعريف مدونة جيبوتي للسطو المسلح.
13
إن البحر الأحمر من البحار الدافئة التي تزدهر فيها وتتنوع الأحياء المائية. ومن هذه الأحياء الأسماك. وتعتبر الثروة السمكية مصدراً للبروتين الآمن. وإذا أُحسن استغلالها وتنميتها، فإنها يمكن أن تكون مصدراً للدخل القومي.
14
ولذلك لا يخلو أي قانون للمناطق البحرية من مادة أو حكم تثبت فيه الدولة الساحلية حقوق الصيد في بحرها الإقليمي أو منطقتها الاقتصادية الخالصة. وكأنموذج للمواد التي تتواتر في هذا الشأن نورد المادة التالية:
- يكون حق الصيد في البحر الإقليمي قاصراً على رعايا الدولة.
- يقتصر حق الصيد في المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة على مواطني الدولة، ومع ذلك يجوز للسلطات المختصة في الدولة وبمقتضى الشروط التي تضعها، أن ترخص لغير المواطنين بالصيد في هذه المنطقة على أن تراعى في ذلك التدابير المتعلقة بالمحافظة على الموارد الحية فيها وترشيد استغلالها.
15
لا توجد مادة كهذه أو حتى تحمل نفس المعنى أو قريباً منه في قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م.
16
لم يأخذ قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م في الاعتبار، الاتفاق المبرم في 16 مايو 1974م بين السودان والمملكة العربية السعودية بشأن الاستغلال المشترك للثروة الطبيعية في قاع وما تحت قاع البحر الأحمر في المنطقة المشتركة بينهما. بموجب هذا الاتفاق فإن استكشاف أو استغلال السودان أو السعودية في منطقة معينة تقع في وسط البحر سيكون مقيداً بهذا الاتفاق. وقد عرَّف الاتفاق الثروة الطبيعية بأنها الثروة غير الحية بما فيها الثروة المعدنية والهيدروكربونية.
17
لذلك كان ينبغي أن يُدرج في قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م حكم مؤداه: «ليس في هذا القانون ما يخل بنفاذ أو تطبيق ما سبق إبرامه من اتفاق مع دولة أخرى بشأن استغلال الثروة الطبيعية للبحر الأحمر». فالقانون بصيغته الراهنة ينتهك اتفاقية 16 مايو 1974 مع المملكة السعودية.
18
حري بنا أن نذكر أن المادة 22 من نظام المناطق البحرية للمملكة العربية السعودية لسنة 1433ه (2011م) تنص على أن تطبيق النظام لا يخل «بما سبق إبرامه من اتفاقيات بين المملكة والدول المجاورة والمقابلة لها فيما يتعلق بالحدود البحرية أو باستغلال الموارد الطبيعية في البحر الأحمر وخليج العقبة والخليج العربي»
19
تنص المادة 49 من اتفاقية المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م على الآتي: مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر، يُعاقب كل من يخالف أحكام هذا القانون بالسجن أو الغرامة التي تحددها المحكمة، كما يجوز لها الحكم بالتعويض بجبر الضرر».
20
إن المادة 49 من القانون تنم عن عجز المشرع وعدم إدراكه للأسباب العديدة التي تحتم أن العقوبات على انتهاكات هذا القانون يجب أن تكون محددة ومنصوص عليها في صلب القانون. وألا تُترك لاجتهاد وتقدير القاضي الذي قد لا يكون على دراية ومعرفة بالقانون الدولي للبحار.
21
وحتى إذا كان القاضي قد درس القانون الدولي في إحدى مراحل تأهيله، فإن انتهاكات قانون 2018م لن تكون ذات نوع ونمط واحد، بل إنها ستختلف وتتنوع. ولذلك فإنه سيحتاج دوماً إلى شهادة خبير من المشهود لهم بالكفاءة في مجال القانون الدولي للبحار.
22
ومما يحتم أن تكون لانتهاكات قانون المناطق البحرية لسنة 2018م عقوبات محددة ومنصوص عليها في صلب القانون، أن هذا القانون سيكون الأساس الذي ستبنى عليه أو تتفرع منه قوانين ونظم ولوائح تتعلق بالبحر. كما أن القانون قد نص على منطقة بحرية جديدة هي المنطقة الاقتصادية الخالصة. فهذه المنطقة لها نظام قانوني خاص. فهي ليست بحراً إقليمياً وليست من أعالي البحار. وتتمتع فيها الدولة الساحلية بحقوق سيادية واسعة على الثروات الحية وغير الحية. وقطعاً ستكون محلاً لشتى أنواع الانتهاكات.
23
ولو تروى المشرع قليلاً وفحص مجموعة قوانين السودان، لوجد فيها قوانين سارية تتعلق بمناطق السودان البحرية القائمة. وأن هذه القوانين تعاقب بالسجن والغرامة على المخالفات التي تقع فيها ومحدد فيها مدة السجن وقيمة الغرامة. ومن هذه القوانين:
- قانون مصايد الأسماك البحرية لسنة 1937.
- قانون الثروة النفطية لسنة 1998.
- قانون حماية البيئة لسنة 2001.
- قانون الثروة المعدنية والتعدين لسنة 2007.
- قانون النقل البحري لسنة 2010.
24
وأخيراً لا أدعي أنني قد أتيت على كل ما في قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2018م من عوار. ولكن لعل فيما كتبت ما يحمل ولاة الأمر على إلغائه واستبداله بجديد يُعهد بإعداده إلى نفر من ذوي القدرة والدربة.
25
إن هذا القانون مخجل، ولا يشرف السودان. والأشد إيلاماً للنفس أنه يثير تساؤلات بشأن الكفاءة القانونية السودانية، ويقدح في جودة التعليم القانوني.