الامام علي(ع) .. سطوع القيم

 


 

 

(فزت ورب الكعبه)..عبارة صدع بها أمام المتقين في صدر الزمان وجلل بها وجه التاريخ..عندما ضربه اللعين الشقي (بن ملجم) علي رأسه بسيف مسموم في ليله التاسع عشر من رمضان من العام٤٠ هجريه..فزت ورب الكعبه..رب سائل متعجب.. مادلالات هذا الفوز.. واين هي أثارها البائنه..وذلك بالنظر لسيرة خلافه امير المؤمنين(ع) التي حفتها الحروب والفتن.. فلقد احتوشته القلاقل وأحاطت به الابتلاءات..وتداعي عليه القاسطين والناكثين والمارقين..لم يهنأ بلحظه استقرار..ولم يحذ علي برهه هدنه..ولاواتته فرصه لالتقاط أنفاسه..كان عليه السلام في حراك دائم يحاول تجميع شعث مجتمع تطاولت غربته عن قيم الدين ومبادئه.ويسعي
لاعادة بناء امة بعدت المسافه بينها وبين نبع الوحي و النبوة الصافي.. ويجاهد كذلك لترسيخ مرتكزات ومبادئ تكاد تتلاشي وتندثر..كان (عليه السلام) سعيه حثيثا ومثابرا ومجدا وصارما في ضرورة العوده الي منابع الاصاله والمبادئ الاولي.. وضرورة إزالة الاختلالات التي ضربت الوعي والادراك بهذه المنابع.. نتيجه لتطاول زمن التشوهات القيميه والالتباسات المفاهيميه التي طالت تلك الاصول والمبادئ..فكان لابد له وهو بهذا الإصرار أن يتصدي له أصحاب المصالح والمنتفعين من ذلك الارتجاج الذي حدث..و الذي توطن في وجدان ونفوس الناس.. وألف المجتمع ما لم يكن مألوفا..واعتاد علي مالم يكن اعتياديا..فأصبح الانحراف تيارا جارفا واصيلا يأخذ كل من يعترضه في طريقه..ولكنه الامام علي الذي كان يمثل الايمان كله في مواجهه الكفر كله والاسلام مازال غضا طريا يتلمس خطاه في المدينه المنوره.ألم يصرح الرسول الاعظم(ص) ..بهذه الكلمه عندما برز الامام علي(ع)..لصنديد العرب وفارسهم (عمرو بن عبد ود العامري) في غزوة الخندق..وأخذ يتبجح ويرسل للمسلمين في رسائله التي تدعوهم للقتال..فما برز له إلا الامام علي(ع)..وهنا قال الرسول الاعظم مقولته(لقد برز الايمان كله للكفر كله)..ولم لا يقول الرسول ذلك؟! وقد كادت أن تحيط بالمسلمين هزيمه معنويه كبري كادت أن تقضي علي يقين المسلمين بدينهم وبنصر ربهم..وذلك عندما كان عمرو بن ود يرتجز ويرسل تحديه للمسلمين ويدعوهم للمبارزه ولا يستجيب له أحد ..حتي برز الامام علي وارسله الي حتفه..لقد شاءت اقدار الله أن ينصر دينه بسيف علي ودعاء الرسول له بالنصر..والا كانت الدعوة ماتت في مهدها..ولكنه الله تعالي ينصر دينه ويتم نعمته بالوسيلة التي يرضاها و يختارها..اذن علي (ع) الذي تربي علي تلك القيم صغيرا وشب عليها يافعا ودافع عنها كبيرا..لا يمكن أن يفرط فيها.. يساوم عليها شيخا كبيرا وراعيا واميرا للمؤمنين.. كان لايأخذه في الحق لومة لائم ولاخذلان مخذول..ولاضلال من ضل ..كان ديدنه ونبراس مسيره(اعرف الحق تعرف اهله) وان الحقوق والواجبات مصانه عنده مهما كانت التضحيات( أن المال مال الله..والله لووجدت أنه أخذ بغير حق لرددته حتي لو تزوجت به النساء)..وكذلك كان لايقدم لتولي أمور المسلمين من كان ذا حسب او نسب أو جاه أو سلطان..الناس عنده(أما اخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)..سلام الله علي والد السبطين في الفردوس الاعلي...بعض المعاصرين عند حديثهم عن الفتنه الكبري..ينتقدون مواقف الامام علي الحديه الغير قابله للتسويف والمزايده.. مما دعاهم لوصفه (بالغير سياسي) في اخف وصف وصفوه به...بالطبع هم ينطلقون من المفاهيم المستحدثة في علم السياسه..التي تدعو للمقاربة والمساومه والتنازل دون تحديد سقف واطر لهذه القيم..ويحاولون أن يسقطوا هذه المفاهيم المستحدثة علي تلك الحقبة التاريخيه..دون وعي بالسياق التاريخي وبالتفاعلات الاجتماعيه والسياسيه آنئذ..و ودون إدراك بالبعد العقدي للصراع..الامام(ع). كان يسعي لاعاده ترسيخ مبادئ واصول دين كادت أن تندثر ولم يتجاوز ميلاده الربع قرن بعد..وبدأت تظهر فيه الانحرافات والاختلالات والتشوهات ..التي كادت ان تكون حالقه له من الوجود لو لم يتصدي الإمام لتلك المحنه والفتنه...ولهذا كان وقوفه شامخا مشريئبا..ساطعا يمثل الدين بأعلي تجليات رمزيته القيميه والمعرفيه..سلوكا وممارسه..وقديما كان بعض الناس يلمزونه كما يفعل الآن رهطا من المعاصرين ..بأنه لم يتخذ من الوسائل المتعارف والمتسالم عليها في الصراع السياسي لكسب معركته ضد خصومه ..كما يفعل خصومه ذلك..كان يرد علي تلك الترهات(والله ما معاويه بأدهي مني ولكنه يغدر ويفجر)..,وفي منحي آخر..كان يقول(لولا التقي لكنت ادهي العرب)..اذن الغايه عند الامام علي(ع) لاتبرر الوسيله..إنما الاستمساك بالمبدأ واعلا القيم واصاله الموقف المرتكز علي تلك القيم والمبادئ هي محددات نهجه ونظرته للحياة وهي كذلك محركات مواقفه من ابتلاءات الواقع ومحنه..ومن هاهنا صاح صيحته(فزت ورب الكعبه)
فالفوز بالنصر علي الأعداء في المعارك الحربيه أو بتسجيل النقاط على الخصوم السياسيين في معتركات السياسه..الفوز في هذه الميادين فوز ربما يستصحب معه بعض من شرور النفس البشريه كالكيد..والانتقام..والازدراء..والسخريه..والتلذذ بالالام المنهزمين ..الي اخر ماتعتمل به النفس البشريه من شرور..هذا فوز به دخن النفس الإمارة...ولكن الفوز في ميادين القيم والمبادئ والاخلاق..والتمسك بها والدفاع عنها حتي آخر رمق من الحياة قطعا هو فوز النفس المطمئنة.. الفوز الذي يجعلك علي ذري التاريخ..قائدا لرسنه وموجها لبوصلته..وعنوانا للسطوع الباذخ والكبرياء الماتع.. كنت انت ذلك الرجل ياسيدي يا أمير المؤمنين.. يحدث كل هذا وانت في نظر قصيري البصر وعديمي البصيره انك قدخسرت معركتك الزمانيه الآنيه..وان خصومك قد تفوقوا عليك بدهائهم ومكرهم..ولكن صيرورة التاريخ ومسيرته..اخبرتنا من بقي نبراسا وهاديا ومرشدا..ومن الذي سقط من ذاكرة التاريخ لايذكرونه الا لماما وبإستحياء..وتبقي مسيرة الامام وسيرته عبره للاعتبار..عبره للأمة التي يجب أن تقرأ جيدا حركة التاريخ وقوانينه وان تقف في الجانب الصواب من هذه الحركة..وانها..اي الامه..هي من تحدد مرادها من الوقوف في هذا الجانب أو ذلك..وعليها أن تدرك كذلك ألا تترك قائدها وحده يقابل الصعاب والابتلاءات والأهوال لوحده..وهي إما لأهيه..أو غافلة ساذجه ..اومتمرده كثيره الحديث قليله الفعل.. فالقائد ..اي قائد مهما أوتي من قدرات وامكانيات.. إن لم يجد امه من الناس مخلصه تسنده وتعضده وتكون له ظهيرا ونصيرا..قطعا لايصل الي مرامه ولايحقق أهدافه..ولقد كان للوقوف الخطاء من حركة التاريخ اثمانا فادحا وتكاليفا باهظه تردت بنا للحضيض..الذي نقبع فيه حتي الآن..فأهتبال اللحظه التاريخيه الفارقه..يغير حركه التاريخ ومسارها...والتاريخ عبر.. فمااكثر العبر وأقل الاعتبار كما قال الامام علي عليه السلام..

ameinmusa@gmail.com

 

آراء