أثر انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩ على التعليم (١)
أحمد ضحية
14 January, 2023
14 January, 2023
● منذ العام ٢٠٠٩ بدأت أتابع باهتمام بالغ المقالات المهمة لأستاذنا المفكر الراحل عبد العزيز حسين الصاوي على صفحات سودانيز أون لاين، التي ربط فيها بين التعليم والتنوير ونهضة الأمة وبناء الدولة الوطنية الحديثة، فحرصت في زيارتي للندن العام ٢٠١٠ على زيارته والخوض معه في نقاشات مطولة حول الأزمة الوطنية الشاملة في السودان، والتي على رأسها أزمة التعليم.
سآتي في مقالات أخرى لتناول إسهامات الصاوي في هذا المجال بتفصيل. والتي أتصور أن من الجيد عندما يُعقد مؤتمر (حقيقي) للتعليم في فترة ما بعد المفاوضات الجارية الآن، استصحاب اسهامات الصاوي لأهميتها الكبيرة في تقديري المتواضع.
● من المعروف أن السودان من أقدم دول الإقليم في نظام التعليم، فقد بدأ في العام ١٩٤٣، بتأسيس (معهد التربية بخت الرضا)، وبالمقارنة مع واقع التعليم بعد إنقلاب الحركة الإسلاموية في ٣٠ يونيو ١٩٨٩، يتضح البون الشاسع بين معلمي (معاهد التربية)، وخريجي (كليات التربية) التي أنشأها نظام الحركة الإسلاموية من حيث: التأهيل، التدريب، الوسائل التعليمية، الخبرة والأداء.
إن ضعف التعليم بوجه عام ووصوله لهذه المرحلة، التي أصبح يتضجر منها الجميع الآن، يعود إلى طبيعة نظام الحكم غير الرشيد، الذي سعى لاختزال كل أجهزة الدولة ومؤسساتها، ضمن مشروعه الإسلاموي الشمولي!
● في ١٦ أكتوبر الماضي، رفعت لجنة المعلمين إلى وزارة المالية مذكرة طالبت فيها بالآتي:
"(١) رفع نسبة الصرف على التعليم لتكون ٢٠% من الموازنة العامة و ٦% من الدخل القومي. (٢) دفع فروقات تعديل الهيكل الراتبي المعدل لثلاث شهور. (٣) دفع بدل اللبس والبديل النقدي. (٤) رفع الحد الأدني للأجور ليصبح ٦٧ ألف جنيه. (٥) زيادة العلاوات الثابتة لتتلائم مع التضخم"
وبطبيعة الحال تجاهلت وزارة المالية المذكرة! الأمر الذي دفع لجنة المعلمين الاعلان عن اضراب متدرج، وصل إلى مرحلة الإغلاق التام، فحاولت وزارتا المالية والتربية افشال الاضراب الذي نجح بنسبة ١٠٠% مستخدمةً في ذلك شتى السبل، بدءً بتحديد زمن امتحانات موحدة للطلاب، والرشوة بتوزيع (دقيق مجاني) للمعلمين، مروراً بتهديد المعلمين الممانعين بـ المساءلة والعقاب والخصم والرفد!
وعندما فشل كل ذلك أعلنت وزارة التعليم عن وظائف شاغرة، لاستبدال المعلمين المضربين. ولكن لم يقدم أحداً في هذه الوظائف المعلنة.
بفشل الإجراءات التي رمت لإفشال الإضراب، مضت وزارة التعليم لاتخاذ خطوة أبعد، فأعلنت عن تغيير (التقويم العام) للعام الدراسي، وأعلنت عن (عطلة رسمية) بجميع المدارس الحكومية والخاصة، في اغرب سابقة على الاطلاق!!
● وفي يوم الخميس الماضي ١٢ يناير ٢٠٢٣ أجرى التلفزيون القومي حواراً كان ضمن المتحدثين فيه الأستاذ محمد بابكر محمد رئيس لجنة المعلمين بمحلية أم درمان، وكان مجمل حديث المتحدثين حول المطالب التي حملتها مذكرة ١٦ أكتوبر ٢٠٢٢ التي تجاهلها وزيرا المالية والتعليم وتداعيات الإضراب وردود الأفعال العامة.
ما نسعى قوله هنا، أنه على أهمية الصرف على التعليم، إلا أننا لو كان السودان دولة فقيرة، لكنا -إلى حد ما- سنجد تبريراً لموقف وزارتا التعليم والمالية، لكن عندما ننظر للصرف البذخي علي الأمن والدفاع، ونتذكر أن آخر رصاصة أطلقها الجيش السوداني، في معركة ضد عدو (أجنبي) كانت أثناء الحرب العالمية الثانية في ١٩٤١م اي قبل (٨٢) سنة، على عهد الاستعمار الإنجليزي، حين دخلت قوة تابعة ل(دفاع السودان) في معركة ضد القوات الإيطالية، التي كانت تحاول الدخول إلى مدينة كسلا عبر الحدود الحبشية.
عدا ذلك جميعنا يعلم أن كل حروب الجيش السوداني، التي تستنزف الميزانية العامة، (موجهة ضد مواطنين سودانيين) لديهم مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية محددة. فأكثر من ٧٧% من الميزانية العامة سنوياً تذهب إلى الأمن والدفاع، لخوض حروب داخلية ومطاردة السياسيين المعارضين واعتقالهم، فيما يخصص للتعليم ٢% فقط!
ومن الجهة الأخرى عندما ننظر إلى الحوافز والبدلات، التي تدفع لمنسوبي بعض الوزارات، بصورة تفوق أضعاف مطالب المعلمين، لا نجد أمامنا سوى الوقوف خلف المعلمين لتحقيق مطالبهم المشروعة والعادلة. خاصةً أننا ندرك أن المال العام ظل طوال ثلاثين سنة يُهدر في الصرف البذخي على الاحتفالات والانشاءات الخاصة بالجيش والشرطة والأمن، فضلا عن الاختلاس والنهب لموارد السودان وتهريب ثرواته. في وقت تتداعى مؤسسات الصحة، وتفتقر الأحياء لمياه الشرب النقية، ولا يجد أولياء الأمور قوت اليوم لأبنائهم، مما يجعل مؤسسات التعليم تنزف كل يوم، إذ يستمر الطلاب والتلاميذ يتسربون منها بأعداد مخيفة تهدد مستقبل السودان، ليصبح مصيرهم ومصيره مجهولاً!
هؤلاء الطلاب والتلاميذ الذين يتسربون من المدارس ويهجرون مقاعد الدرس، هم (مستقبل السودان) و(مستقبل الأمة)، بل هم سودان المستقبل نفسه، لذلك يجب التفاف جميع مكونات الشعب حول (قضايا التعليم والمعلم). بدءً بمعالجة مناهج التربية والتعليم، مروراً بالبيئة المدرسية، وتوفير شروط الحياة الكريمة للمعلم، و تأهيله الأكاديمي والتربوي.
● معلوم أن من أسوأ أوجه فساد الحركة الاسلاموية، تزوير الشهادة الثانوية و الجامعية وما فوق الجامعية، بحيث تكون الشهادة المزورة موقعة من قبل الإدارة المعنية ومتضمنة في قواعد البيانات!
وليس خافياً أن مسؤولين كُثُر في دولة الحركة الإسلاموية، كانوا ولا زالوا يحملون شهادات مزورة، ودرجات علمية مغشوشة، وبحوث مسروقة من أصحابها. فضلاً عن نظام امتحانات المجاهدين الخاصة بطلاب الحزب الحاكم، الذي ابتدره إبان حروبه في الهامش. وكذلك المنح والدرجات المضافة المخصصة لطلاب الحركة الاسلاموية، بل وتخريج الشهداء من الجامعات مع أبناء دفعتهم!
وكما هو معروف أن هناك من حاز على شهادات عليا كالدكتوراة ليست في اكتشافات علمية، وإنما في أطروحات هامشية مثل (الطهارة وغسل الجنابة). وهناك الكثير من مثل هذا النوع من رسائل الماجستير والدكتوراة!
● وغني عن القول أن إنشاء جامعات في كل أنحاء القطر تفتقر لمواصفات الجامعات من حيث المعدات والبيئة الجامعية وتأهيل المدرسين، قد ألحق ضرراً كبيراً بالعملية التعليمية. وكذلك توسيع قبول الطلاب في هذه الجامعات التي لا تستوفي شروط التعليم الجامعي، وإلغاء نظام المنافسة الذي كان يجعل الطلاب بارزين في المجالات التعليمية المختلفة وفقا لرغباتهم. ألحق أضراراً كبيرة.
● من المفارقات في عهد الحركة الاسلاموية، أن تشهد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية درجات ومستويات نجاح عالية، مقارنةً بالانهيار التام لنظام وتدني بيئة وأداء ومستوى جودة التعليم.
فقد استهل النظام الاسلاموي البائد استهدافه للتعليم والمعلم، بتفكيك معاهد التربية (كلية المعلمات، بخت الرضا، مبروكة، إلخ) التي كانت تُعِد المعلم والمناهج الدراسية، وكانت شهادة بخت الرضا تفوق الدرجات العلمية العليا بالنسبة لبعض البلدان العربية.
إلى جانب التفكيك الممنهج لمعاهد التربية قام النظام البائد، بتحويل المدارس الثانوية الحكومية مثل (كوستي القوز، حنتوب، وخور طقت، ووادي سيدنا، إلخ) إلى جامعات، تخلو من مواصفات الجامعات حيث لم يتم توفير المعدات اللازمة لتعليم وتدريب طلاب الكليات التطبيقية، كما أن تصميم هذه الجامعات نفسه باعتبارها كانت مدارس ثانوية، لا يسمح بشروط البيئة الجامعية، إذ لا يجد الطلاب حتى مقاعداً للجلوس عليها أو ساحات ومعدات لأنشطتهم في الموسيقى والآداب والفنون والرياضة، بل وحول نظام الحركة الاسلاموية معهد ديني إلى جامعة إسلامية!
ولم يكتفي نظام الحركة الاسلاموية بالغاء نظام الداخليات المتوارث منذ تأسيس العملية التعليمية في السودان، بل عمد أيضاً إلى تسليع التعليم بتعميم المدارس والجامعات الخاصة، الأمر الذي أدى إلى حرمان التلاميذ والطلاب الفقراء، وأسهم كذلك في إضعاف التعليم الحكومي. إلى جانب غياب نظام المنح للطلاب الفقراء والمتفوقين.
● ولم يتوقف الإسلامويون في تخريبهم للتعليم عند هذا الحد، فالاطفال في المدارس الخاصة، يتلقون دروسهم فى غرف النوم الضيقة، التى تفتح أبوابها على المراحيض. حيث لا يتوفر مناخ صحي للتعليم، لأن الغالبية العظمى من المدارس الخاصة هي منشأت بنيت لأغراض أخرى، ولم تُصمم على أساس أن تكون منشأة تعليمية بمواصفات التربية والتعليم. وليس خافياً على أحد، مدى أهمية البيئة المدرسية في عملية التلقي والاستيعاب.
● ورغم القرار الذي أصدرته وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم (مثلاً) في ٢٠١٨، الذي حدد مواصفات المدارس (داخل الولاية) بأن تشمل خريطة أي مدرسة إلى جانب السور والفصول والمكاتب والمعامل ودورات المياه، مسرحاً وملعب للكرة الطائرة ومكتبة ومشتل، وأن تعتمد خُرط المدارس الحكومية والخاصة، من الإدارة الهندسية بالوزارة، على أن تتم متابعة إنشاء واستلام المدرسة بواسطة الإدارة الهندسية بالوزارة. إلا أن شيئا لم يتغير. إذ لا تزال توجد مدارس مساحتها لا تبلغ المئتي متر؟!
● كذلك من الملحوظ خلال سنوات حكم الحركة الاسلاموية، استشراء الفساد لدرجة تسريب امتحانات الشهادة السودانية أكثر من مرة على الملأ، سواء في الولايات أو العاصمة الخرطوم. فمنذ كرس انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩ نفسه في السلطة، ظلت امتحانات الشهادة السودانية تتعرض للتسريب. في البدء كانت الامتحانات تتعرض للكشف على نطاق ضيق في حدود أبناء سدنة النظام واحبابهم فقط.
وربما لا يزال البعض منا يذكر ما أثاره كشف امتحانات العام ٢٠٠٣ التي تمت إعادتها بعد أن أزكمت رائحة فضيحة التسريب الأنوف!
إن ضعف التعليم في أحد أسبابه، يرجع لضعف المقررات وضعف قدرات المعلم، في ظل الحصار المعيشي الذي يواجهه، وانعدام البيئة الصالحة للتعليم. ما أدى لفشل طرق التدريس وهجرة الكفاءات من المعلمين المميزين للخارج، طوال العقود الثلاث الأخيرة. إلى جانب هجرة معلمي الوﻻيات إلى المركز.
هذا كله وغيره أدى الى ضعف المستوى الأكاديمي للطالب، مما دفع بعض المدارس إلى كشف اﻻمتحانات وعدم تشديد المراقبة، وتشجيع كل وسائل الغش من قبل بعض المعلمين.
● لتكريس هذا الوضع المزري للتعليم، استعانت الحركة الاسلاموية بعناصرها داخل قطاعات التعليم المختلفة، وفرضتهم كنقابيين في النقابات والاتحادات. وهؤلاء ظلوا طوال فترة النظام المباد، يعملون على إجهاض قضايا التعليم والمعلمين، لصالح النظام الحاكم، نظير تمكينهم وحصولهم على امتيازات لا يستحقونها. وكان نتاج ذلك الحالة التي وصل لها التعليم والمعلم الآن.
كذلك -وفقا لبيان لجنة المعلمين الآخير- نجد أن بعض المعلمين الذين ظلوا مسيطرين على إدارات التعليم أدمنوا أخذ الجبايات ومد الأيدي لجيوب أولياء الأمور وصار ذلك مصدر دخل ثابت لهم. خاصة بعد انقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١. حيث رجعت المدارس مرة أخرى، مرتعاً للنهب وأكل أموال أولياء الأمور بالباطل، تحت مختلف المسميات: رسوم دراسية، رسوم تحويل، رسوم الامتحانات، رسوم الدورة المدرسية!
(نواصل)
_______________________
# المقاومة الشاملة للضرائب الشاملة
# معا جبهة واحدة خلف المطالب المشروعة والعادلة للمعلمين
# مواطنة_ بلا تمييز
ahmeddhahia@gmail.com
سآتي في مقالات أخرى لتناول إسهامات الصاوي في هذا المجال بتفصيل. والتي أتصور أن من الجيد عندما يُعقد مؤتمر (حقيقي) للتعليم في فترة ما بعد المفاوضات الجارية الآن، استصحاب اسهامات الصاوي لأهميتها الكبيرة في تقديري المتواضع.
● من المعروف أن السودان من أقدم دول الإقليم في نظام التعليم، فقد بدأ في العام ١٩٤٣، بتأسيس (معهد التربية بخت الرضا)، وبالمقارنة مع واقع التعليم بعد إنقلاب الحركة الإسلاموية في ٣٠ يونيو ١٩٨٩، يتضح البون الشاسع بين معلمي (معاهد التربية)، وخريجي (كليات التربية) التي أنشأها نظام الحركة الإسلاموية من حيث: التأهيل، التدريب، الوسائل التعليمية، الخبرة والأداء.
إن ضعف التعليم بوجه عام ووصوله لهذه المرحلة، التي أصبح يتضجر منها الجميع الآن، يعود إلى طبيعة نظام الحكم غير الرشيد، الذي سعى لاختزال كل أجهزة الدولة ومؤسساتها، ضمن مشروعه الإسلاموي الشمولي!
● في ١٦ أكتوبر الماضي، رفعت لجنة المعلمين إلى وزارة المالية مذكرة طالبت فيها بالآتي:
"(١) رفع نسبة الصرف على التعليم لتكون ٢٠% من الموازنة العامة و ٦% من الدخل القومي. (٢) دفع فروقات تعديل الهيكل الراتبي المعدل لثلاث شهور. (٣) دفع بدل اللبس والبديل النقدي. (٤) رفع الحد الأدني للأجور ليصبح ٦٧ ألف جنيه. (٥) زيادة العلاوات الثابتة لتتلائم مع التضخم"
وبطبيعة الحال تجاهلت وزارة المالية المذكرة! الأمر الذي دفع لجنة المعلمين الاعلان عن اضراب متدرج، وصل إلى مرحلة الإغلاق التام، فحاولت وزارتا المالية والتربية افشال الاضراب الذي نجح بنسبة ١٠٠% مستخدمةً في ذلك شتى السبل، بدءً بتحديد زمن امتحانات موحدة للطلاب، والرشوة بتوزيع (دقيق مجاني) للمعلمين، مروراً بتهديد المعلمين الممانعين بـ المساءلة والعقاب والخصم والرفد!
وعندما فشل كل ذلك أعلنت وزارة التعليم عن وظائف شاغرة، لاستبدال المعلمين المضربين. ولكن لم يقدم أحداً في هذه الوظائف المعلنة.
بفشل الإجراءات التي رمت لإفشال الإضراب، مضت وزارة التعليم لاتخاذ خطوة أبعد، فأعلنت عن تغيير (التقويم العام) للعام الدراسي، وأعلنت عن (عطلة رسمية) بجميع المدارس الحكومية والخاصة، في اغرب سابقة على الاطلاق!!
● وفي يوم الخميس الماضي ١٢ يناير ٢٠٢٣ أجرى التلفزيون القومي حواراً كان ضمن المتحدثين فيه الأستاذ محمد بابكر محمد رئيس لجنة المعلمين بمحلية أم درمان، وكان مجمل حديث المتحدثين حول المطالب التي حملتها مذكرة ١٦ أكتوبر ٢٠٢٢ التي تجاهلها وزيرا المالية والتعليم وتداعيات الإضراب وردود الأفعال العامة.
ما نسعى قوله هنا، أنه على أهمية الصرف على التعليم، إلا أننا لو كان السودان دولة فقيرة، لكنا -إلى حد ما- سنجد تبريراً لموقف وزارتا التعليم والمالية، لكن عندما ننظر للصرف البذخي علي الأمن والدفاع، ونتذكر أن آخر رصاصة أطلقها الجيش السوداني، في معركة ضد عدو (أجنبي) كانت أثناء الحرب العالمية الثانية في ١٩٤١م اي قبل (٨٢) سنة، على عهد الاستعمار الإنجليزي، حين دخلت قوة تابعة ل(دفاع السودان) في معركة ضد القوات الإيطالية، التي كانت تحاول الدخول إلى مدينة كسلا عبر الحدود الحبشية.
عدا ذلك جميعنا يعلم أن كل حروب الجيش السوداني، التي تستنزف الميزانية العامة، (موجهة ضد مواطنين سودانيين) لديهم مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية محددة. فأكثر من ٧٧% من الميزانية العامة سنوياً تذهب إلى الأمن والدفاع، لخوض حروب داخلية ومطاردة السياسيين المعارضين واعتقالهم، فيما يخصص للتعليم ٢% فقط!
ومن الجهة الأخرى عندما ننظر إلى الحوافز والبدلات، التي تدفع لمنسوبي بعض الوزارات، بصورة تفوق أضعاف مطالب المعلمين، لا نجد أمامنا سوى الوقوف خلف المعلمين لتحقيق مطالبهم المشروعة والعادلة. خاصةً أننا ندرك أن المال العام ظل طوال ثلاثين سنة يُهدر في الصرف البذخي على الاحتفالات والانشاءات الخاصة بالجيش والشرطة والأمن، فضلا عن الاختلاس والنهب لموارد السودان وتهريب ثرواته. في وقت تتداعى مؤسسات الصحة، وتفتقر الأحياء لمياه الشرب النقية، ولا يجد أولياء الأمور قوت اليوم لأبنائهم، مما يجعل مؤسسات التعليم تنزف كل يوم، إذ يستمر الطلاب والتلاميذ يتسربون منها بأعداد مخيفة تهدد مستقبل السودان، ليصبح مصيرهم ومصيره مجهولاً!
هؤلاء الطلاب والتلاميذ الذين يتسربون من المدارس ويهجرون مقاعد الدرس، هم (مستقبل السودان) و(مستقبل الأمة)، بل هم سودان المستقبل نفسه، لذلك يجب التفاف جميع مكونات الشعب حول (قضايا التعليم والمعلم). بدءً بمعالجة مناهج التربية والتعليم، مروراً بالبيئة المدرسية، وتوفير شروط الحياة الكريمة للمعلم، و تأهيله الأكاديمي والتربوي.
● معلوم أن من أسوأ أوجه فساد الحركة الاسلاموية، تزوير الشهادة الثانوية و الجامعية وما فوق الجامعية، بحيث تكون الشهادة المزورة موقعة من قبل الإدارة المعنية ومتضمنة في قواعد البيانات!
وليس خافياً أن مسؤولين كُثُر في دولة الحركة الإسلاموية، كانوا ولا زالوا يحملون شهادات مزورة، ودرجات علمية مغشوشة، وبحوث مسروقة من أصحابها. فضلاً عن نظام امتحانات المجاهدين الخاصة بطلاب الحزب الحاكم، الذي ابتدره إبان حروبه في الهامش. وكذلك المنح والدرجات المضافة المخصصة لطلاب الحركة الاسلاموية، بل وتخريج الشهداء من الجامعات مع أبناء دفعتهم!
وكما هو معروف أن هناك من حاز على شهادات عليا كالدكتوراة ليست في اكتشافات علمية، وإنما في أطروحات هامشية مثل (الطهارة وغسل الجنابة). وهناك الكثير من مثل هذا النوع من رسائل الماجستير والدكتوراة!
● وغني عن القول أن إنشاء جامعات في كل أنحاء القطر تفتقر لمواصفات الجامعات من حيث المعدات والبيئة الجامعية وتأهيل المدرسين، قد ألحق ضرراً كبيراً بالعملية التعليمية. وكذلك توسيع قبول الطلاب في هذه الجامعات التي لا تستوفي شروط التعليم الجامعي، وإلغاء نظام المنافسة الذي كان يجعل الطلاب بارزين في المجالات التعليمية المختلفة وفقا لرغباتهم. ألحق أضراراً كبيرة.
● من المفارقات في عهد الحركة الاسلاموية، أن تشهد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية درجات ومستويات نجاح عالية، مقارنةً بالانهيار التام لنظام وتدني بيئة وأداء ومستوى جودة التعليم.
فقد استهل النظام الاسلاموي البائد استهدافه للتعليم والمعلم، بتفكيك معاهد التربية (كلية المعلمات، بخت الرضا، مبروكة، إلخ) التي كانت تُعِد المعلم والمناهج الدراسية، وكانت شهادة بخت الرضا تفوق الدرجات العلمية العليا بالنسبة لبعض البلدان العربية.
إلى جانب التفكيك الممنهج لمعاهد التربية قام النظام البائد، بتحويل المدارس الثانوية الحكومية مثل (كوستي القوز، حنتوب، وخور طقت، ووادي سيدنا، إلخ) إلى جامعات، تخلو من مواصفات الجامعات حيث لم يتم توفير المعدات اللازمة لتعليم وتدريب طلاب الكليات التطبيقية، كما أن تصميم هذه الجامعات نفسه باعتبارها كانت مدارس ثانوية، لا يسمح بشروط البيئة الجامعية، إذ لا يجد الطلاب حتى مقاعداً للجلوس عليها أو ساحات ومعدات لأنشطتهم في الموسيقى والآداب والفنون والرياضة، بل وحول نظام الحركة الاسلاموية معهد ديني إلى جامعة إسلامية!
ولم يكتفي نظام الحركة الاسلاموية بالغاء نظام الداخليات المتوارث منذ تأسيس العملية التعليمية في السودان، بل عمد أيضاً إلى تسليع التعليم بتعميم المدارس والجامعات الخاصة، الأمر الذي أدى إلى حرمان التلاميذ والطلاب الفقراء، وأسهم كذلك في إضعاف التعليم الحكومي. إلى جانب غياب نظام المنح للطلاب الفقراء والمتفوقين.
● ولم يتوقف الإسلامويون في تخريبهم للتعليم عند هذا الحد، فالاطفال في المدارس الخاصة، يتلقون دروسهم فى غرف النوم الضيقة، التى تفتح أبوابها على المراحيض. حيث لا يتوفر مناخ صحي للتعليم، لأن الغالبية العظمى من المدارس الخاصة هي منشأت بنيت لأغراض أخرى، ولم تُصمم على أساس أن تكون منشأة تعليمية بمواصفات التربية والتعليم. وليس خافياً على أحد، مدى أهمية البيئة المدرسية في عملية التلقي والاستيعاب.
● ورغم القرار الذي أصدرته وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم (مثلاً) في ٢٠١٨، الذي حدد مواصفات المدارس (داخل الولاية) بأن تشمل خريطة أي مدرسة إلى جانب السور والفصول والمكاتب والمعامل ودورات المياه، مسرحاً وملعب للكرة الطائرة ومكتبة ومشتل، وأن تعتمد خُرط المدارس الحكومية والخاصة، من الإدارة الهندسية بالوزارة، على أن تتم متابعة إنشاء واستلام المدرسة بواسطة الإدارة الهندسية بالوزارة. إلا أن شيئا لم يتغير. إذ لا تزال توجد مدارس مساحتها لا تبلغ المئتي متر؟!
● كذلك من الملحوظ خلال سنوات حكم الحركة الاسلاموية، استشراء الفساد لدرجة تسريب امتحانات الشهادة السودانية أكثر من مرة على الملأ، سواء في الولايات أو العاصمة الخرطوم. فمنذ كرس انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩ نفسه في السلطة، ظلت امتحانات الشهادة السودانية تتعرض للتسريب. في البدء كانت الامتحانات تتعرض للكشف على نطاق ضيق في حدود أبناء سدنة النظام واحبابهم فقط.
وربما لا يزال البعض منا يذكر ما أثاره كشف امتحانات العام ٢٠٠٣ التي تمت إعادتها بعد أن أزكمت رائحة فضيحة التسريب الأنوف!
إن ضعف التعليم في أحد أسبابه، يرجع لضعف المقررات وضعف قدرات المعلم، في ظل الحصار المعيشي الذي يواجهه، وانعدام البيئة الصالحة للتعليم. ما أدى لفشل طرق التدريس وهجرة الكفاءات من المعلمين المميزين للخارج، طوال العقود الثلاث الأخيرة. إلى جانب هجرة معلمي الوﻻيات إلى المركز.
هذا كله وغيره أدى الى ضعف المستوى الأكاديمي للطالب، مما دفع بعض المدارس إلى كشف اﻻمتحانات وعدم تشديد المراقبة، وتشجيع كل وسائل الغش من قبل بعض المعلمين.
● لتكريس هذا الوضع المزري للتعليم، استعانت الحركة الاسلاموية بعناصرها داخل قطاعات التعليم المختلفة، وفرضتهم كنقابيين في النقابات والاتحادات. وهؤلاء ظلوا طوال فترة النظام المباد، يعملون على إجهاض قضايا التعليم والمعلمين، لصالح النظام الحاكم، نظير تمكينهم وحصولهم على امتيازات لا يستحقونها. وكان نتاج ذلك الحالة التي وصل لها التعليم والمعلم الآن.
كذلك -وفقا لبيان لجنة المعلمين الآخير- نجد أن بعض المعلمين الذين ظلوا مسيطرين على إدارات التعليم أدمنوا أخذ الجبايات ومد الأيدي لجيوب أولياء الأمور وصار ذلك مصدر دخل ثابت لهم. خاصة بعد انقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١. حيث رجعت المدارس مرة أخرى، مرتعاً للنهب وأكل أموال أولياء الأمور بالباطل، تحت مختلف المسميات: رسوم دراسية، رسوم تحويل، رسوم الامتحانات، رسوم الدورة المدرسية!
(نواصل)
_______________________
# المقاومة الشاملة للضرائب الشاملة
# معا جبهة واحدة خلف المطالب المشروعة والعادلة للمعلمين
# مواطنة_ بلا تمييز
ahmeddhahia@gmail.com