الذكرى المئوية لثورة 1924 (5)
تاج السر عثمان بابو
6 January, 2024
6 January, 2024
دور المرأة في ثورة 1924
بقلم : تاج السر عثمان
1
لا شك أن النساء لعبن دورا مركزيا في السودان القديم لايقل عن دور الرجال في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية ، فهن الآلهات و المحاربات (الكنداكة) والملكات، والملوك لا يردون لهن شفاعة ، ودور الملكة الأم كان واضحا في السودان القديم، واستمر دورها في الفترات التاريخية المختلفة قوة وضعفا.
منذ بداية الحركة الوطنية الحديثة المناهضة للحكم الثنائي الانجليزي - المصري ، شاركت المرأة في ثورة 1924، يمكن القول أن جذورالحركة النسائية الحديثة ترجع الي ثورة 1924، كما يتضح من الأمثلة التالية:
- شاركت في مظاهرات ثورة 1924م وشجعت بالزغاريد وحماية المتظاهرين.
- تأمين وثائق ثوار 1924 ، وكانت العازة محمد عبد الله زوجة علي عبد اللطيف أول إمرأة سودانية تشارك في المظاهرات والنشاط السياسي في تاريخ الحركة السياسية الحديث.
- الدور الذي لعبه صالون السيدة" فوز" في تأمين نشاط الثوار من خلال صالونها الأدبي والثقافي، ويشير الشاعر خليل فرح لهذا الدورحينما يعتز بصحابه في "دارفوز" الذين يكتمون الأسرار بقوله:
نحن صحبة وإخوان نجاب
لى دعانا المولى استجاب
إن مرقنا السر في الحجاب
وإن قعدنا إخوانك عجاب
( للمزيد من التفاصيل عن السيدة " فوز"، راجع : حسن نجيلة : ملامح من المجتمع السودان، الجزء الأول ، دار جامعة الخرطوم 1971 ، راجع ايضا د. حسن الجزولي : نور الشقائق : هجعة في صفاتها ودارها وزمانها، دار المصورات 2022).
- الدور الذي لعبته عضوة اللواء الأبيض الحاجة نفيسة سرور، في خياطة علم اللواء الابيض الذي اتخذته جمعية اللواء الأبيض شعارا لها بتكليف من الجمعية، رغم مخاطر العمل السرى، وتعرضها للاعتقال، لكن السلطات رفضت اعتقال النساء يومئذ.
(للمزيد من التفاصيل : راجع افادة الحاجة تفيسة سرور أمام اللجنة التي شكلها اللواء جعفر نميري عام 1974 بمناسبة مرور 50 عاما على ثورة 1924 التي تولى رئاستها د. يوسف فضل ود. محمد إبراهيم ابو سليم، ونأمل أن تُنشر تلك الإفادات بمتاسبة الذكرى المئوية لثورة 1924).
اضافة لمشاركة نساء اخريات مثل: خديجة عبد لفضيل الماظ ،.الخ.
2
كان ثوار 1924 مناصرين لتعليم المرأة، فعلي صفحات جريدة الحضارة برزت ايضا الدعوة الي تعليم المرأة ، وكان من ابرز الداعين لذلك الأمين علي مدني والشاعر الغنائي خليل فرح ( وهو من ثوار 1924 كما اشرنا سابقا) ، علي سبيل المثال : نشر خليل فرح في عدد جريد الحضارة الصادر بتاريخ 27 / يناير / 1921 قصيدة بعنوان " في تعليم المرأة " جاء فيها :
ارشدونا ياولاة الأمر في أمرنا ذل جهول خامل
واستعينوا العلم إن ارشدتم غافلا بالعلم يرضي العاقل.
وانصفونا من حياة نصفها حائر والنصف جسم جاهل
الي أن يقول :
علموها إنها مدرسة لحياة وما اليها طائل
ودعوها روضة في بيتها يحسن العلم عليها الوابل.
وللخليل قصيدة اخرى في تعليم المرأة بعنوان (المدرسة) يقول فيها:
يلا نمشى المدرسة سادة غير اساور غير رسا
يلا سيبى الغطرسه قومى افرزى كتب المدرسه
الساعة سته دقت يام رسا نايمه والمنبه حارسا
الى أن يقول:
دارسه ماك جاهله محنسه قادله لى كتابه مؤنسه
حاشا ما تربيتي مدنسه لسه لسه عزك ما اتنسى
اى أن الخليل يرى أن التعليم هو أساس التقدم والنهضة ولابد لنصف المجتمع أن يأخذ نصيبه منه. وكان الخليل يدعو لتحرر المرأة من الجمود والنظره الباليه للمرأة ولتحرر العلائق الاجتماعية في عفة وجمال وفي اطار تقاليد المجتمع.
3
قبل اندلاع ثورة 1924 ، كان التعليم الحديث للمرأة هو المدخل لخروج المرأة إلي العمل، ونقصد عمل المرأة الحديث بأجر،لأن المرأة السودانية قبل ذلك كانت عاملة في الزراعة والرعى وصناعة الغزل والنسيج وصناعة الفخار والأدوات المنزلية وغير ذلك حسب التقسيم الاجتماعي للعمل بين الرجال والنساء في القطاع التقليدي .
كانت النافذة الأولى لخروج المرأة السودانية للعمل هي حقل التعليم والحقل الطبي فيما بعد، ولعب الشيخ باباكر بدري دورا كبيرا في ذلك عندما فتح أول مدرسة لتعليم البنات عام 1907 في رفاعة.
ونظرا للتوسع في تعليم البنات كانت الحاجة ماسة لمدرسات سودانيات لتعليم البنات. وفى إبريل 1921 تم تأسيس كلية المعلمات التي بدأت بست عشر طالبة في السنة الأولى،ودار صراع شديد حول هذه القضية في البداية فقد تردد الآباء في أول الأمر في إرسال بناتهم لكلية المعلمات ، إذ كانت فكرة إلحاق الفتاة بخدمة الحكومة وكسب عيشها عن طريق العمل أمورا جديدة في نظرهم بل خشوا من أن يكون في إكمال لتعليمها ضياع فرص الزواج ، كما كان سن الزواج المبكر يمثل صعوبة أخرى ، وكان الأباء يفضلون زواج بناتهن من السماح لهن بمواصلة التعليم، وحتى في الحالات التي وافق الأباء على التعليم لعقد فترة تدريب المعلمات ، فقد تم ذلك على مضض نظرا لترك بناتهم تحت إشراف جنس آخر ودين مختلف . ( التقرير السنوي لمصلحة المعارف 1928 ).
تم التغلب جزئيا على تلك المشاكل بأن تقرر بأن يسمح للفتاة باصطحاب والدتها أو جدتها للإقامة معها أثناء فترة التدريب ، وان تدفع مكافأة تعادل مرتب شهر بعد الانتهاء من العمل لمدة عام بشرط أن تعمل المدرسة المتمرسة أربع سنوات متوالية بعد تخرجها في الكلية ، وهنا أيضا ساعد المثل العملي الذي ضربه بابكر بدري لما وافق على إرسال ابنته واثنين من بنات أخته للالتحاق بكلية المعلمات على إغراء بعض الآباء لكي يحذوا حذوه .
ارتفع عدد طالبات كلية المعلمات من 20 طالبة عام 1922 إلى 28 طالبة عام 1925 ، وبلغ عدد الطالبات 61 في عام 1930 ( المصدر السابق ، ص 170 ) .
هذا إضافة لعمل المرأة في الحقل الطبي حيث بلغ عدد المؤهلات عام 1946 ( 477 ) وعدد الممرضات ( 137 ) ممرضة ( سجلات السودان ، ص 80 ).
هكذ بدأ يتطور تعليم المرأة و ويتتسع دورها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي ترجع جذوره الي ثورة 1924.
نواصل
alsirbabo@yahoo.co.uk
بقلم : تاج السر عثمان
1
لا شك أن النساء لعبن دورا مركزيا في السودان القديم لايقل عن دور الرجال في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية ، فهن الآلهات و المحاربات (الكنداكة) والملكات، والملوك لا يردون لهن شفاعة ، ودور الملكة الأم كان واضحا في السودان القديم، واستمر دورها في الفترات التاريخية المختلفة قوة وضعفا.
منذ بداية الحركة الوطنية الحديثة المناهضة للحكم الثنائي الانجليزي - المصري ، شاركت المرأة في ثورة 1924، يمكن القول أن جذورالحركة النسائية الحديثة ترجع الي ثورة 1924، كما يتضح من الأمثلة التالية:
- شاركت في مظاهرات ثورة 1924م وشجعت بالزغاريد وحماية المتظاهرين.
- تأمين وثائق ثوار 1924 ، وكانت العازة محمد عبد الله زوجة علي عبد اللطيف أول إمرأة سودانية تشارك في المظاهرات والنشاط السياسي في تاريخ الحركة السياسية الحديث.
- الدور الذي لعبه صالون السيدة" فوز" في تأمين نشاط الثوار من خلال صالونها الأدبي والثقافي، ويشير الشاعر خليل فرح لهذا الدورحينما يعتز بصحابه في "دارفوز" الذين يكتمون الأسرار بقوله:
نحن صحبة وإخوان نجاب
لى دعانا المولى استجاب
إن مرقنا السر في الحجاب
وإن قعدنا إخوانك عجاب
( للمزيد من التفاصيل عن السيدة " فوز"، راجع : حسن نجيلة : ملامح من المجتمع السودان، الجزء الأول ، دار جامعة الخرطوم 1971 ، راجع ايضا د. حسن الجزولي : نور الشقائق : هجعة في صفاتها ودارها وزمانها، دار المصورات 2022).
- الدور الذي لعبته عضوة اللواء الأبيض الحاجة نفيسة سرور، في خياطة علم اللواء الابيض الذي اتخذته جمعية اللواء الأبيض شعارا لها بتكليف من الجمعية، رغم مخاطر العمل السرى، وتعرضها للاعتقال، لكن السلطات رفضت اعتقال النساء يومئذ.
(للمزيد من التفاصيل : راجع افادة الحاجة تفيسة سرور أمام اللجنة التي شكلها اللواء جعفر نميري عام 1974 بمناسبة مرور 50 عاما على ثورة 1924 التي تولى رئاستها د. يوسف فضل ود. محمد إبراهيم ابو سليم، ونأمل أن تُنشر تلك الإفادات بمتاسبة الذكرى المئوية لثورة 1924).
اضافة لمشاركة نساء اخريات مثل: خديجة عبد لفضيل الماظ ،.الخ.
2
كان ثوار 1924 مناصرين لتعليم المرأة، فعلي صفحات جريدة الحضارة برزت ايضا الدعوة الي تعليم المرأة ، وكان من ابرز الداعين لذلك الأمين علي مدني والشاعر الغنائي خليل فرح ( وهو من ثوار 1924 كما اشرنا سابقا) ، علي سبيل المثال : نشر خليل فرح في عدد جريد الحضارة الصادر بتاريخ 27 / يناير / 1921 قصيدة بعنوان " في تعليم المرأة " جاء فيها :
ارشدونا ياولاة الأمر في أمرنا ذل جهول خامل
واستعينوا العلم إن ارشدتم غافلا بالعلم يرضي العاقل.
وانصفونا من حياة نصفها حائر والنصف جسم جاهل
الي أن يقول :
علموها إنها مدرسة لحياة وما اليها طائل
ودعوها روضة في بيتها يحسن العلم عليها الوابل.
وللخليل قصيدة اخرى في تعليم المرأة بعنوان (المدرسة) يقول فيها:
يلا نمشى المدرسة سادة غير اساور غير رسا
يلا سيبى الغطرسه قومى افرزى كتب المدرسه
الساعة سته دقت يام رسا نايمه والمنبه حارسا
الى أن يقول:
دارسه ماك جاهله محنسه قادله لى كتابه مؤنسه
حاشا ما تربيتي مدنسه لسه لسه عزك ما اتنسى
اى أن الخليل يرى أن التعليم هو أساس التقدم والنهضة ولابد لنصف المجتمع أن يأخذ نصيبه منه. وكان الخليل يدعو لتحرر المرأة من الجمود والنظره الباليه للمرأة ولتحرر العلائق الاجتماعية في عفة وجمال وفي اطار تقاليد المجتمع.
3
قبل اندلاع ثورة 1924 ، كان التعليم الحديث للمرأة هو المدخل لخروج المرأة إلي العمل، ونقصد عمل المرأة الحديث بأجر،لأن المرأة السودانية قبل ذلك كانت عاملة في الزراعة والرعى وصناعة الغزل والنسيج وصناعة الفخار والأدوات المنزلية وغير ذلك حسب التقسيم الاجتماعي للعمل بين الرجال والنساء في القطاع التقليدي .
كانت النافذة الأولى لخروج المرأة السودانية للعمل هي حقل التعليم والحقل الطبي فيما بعد، ولعب الشيخ باباكر بدري دورا كبيرا في ذلك عندما فتح أول مدرسة لتعليم البنات عام 1907 في رفاعة.
ونظرا للتوسع في تعليم البنات كانت الحاجة ماسة لمدرسات سودانيات لتعليم البنات. وفى إبريل 1921 تم تأسيس كلية المعلمات التي بدأت بست عشر طالبة في السنة الأولى،ودار صراع شديد حول هذه القضية في البداية فقد تردد الآباء في أول الأمر في إرسال بناتهم لكلية المعلمات ، إذ كانت فكرة إلحاق الفتاة بخدمة الحكومة وكسب عيشها عن طريق العمل أمورا جديدة في نظرهم بل خشوا من أن يكون في إكمال لتعليمها ضياع فرص الزواج ، كما كان سن الزواج المبكر يمثل صعوبة أخرى ، وكان الأباء يفضلون زواج بناتهن من السماح لهن بمواصلة التعليم، وحتى في الحالات التي وافق الأباء على التعليم لعقد فترة تدريب المعلمات ، فقد تم ذلك على مضض نظرا لترك بناتهم تحت إشراف جنس آخر ودين مختلف . ( التقرير السنوي لمصلحة المعارف 1928 ).
تم التغلب جزئيا على تلك المشاكل بأن تقرر بأن يسمح للفتاة باصطحاب والدتها أو جدتها للإقامة معها أثناء فترة التدريب ، وان تدفع مكافأة تعادل مرتب شهر بعد الانتهاء من العمل لمدة عام بشرط أن تعمل المدرسة المتمرسة أربع سنوات متوالية بعد تخرجها في الكلية ، وهنا أيضا ساعد المثل العملي الذي ضربه بابكر بدري لما وافق على إرسال ابنته واثنين من بنات أخته للالتحاق بكلية المعلمات على إغراء بعض الآباء لكي يحذوا حذوه .
ارتفع عدد طالبات كلية المعلمات من 20 طالبة عام 1922 إلى 28 طالبة عام 1925 ، وبلغ عدد الطالبات 61 في عام 1930 ( المصدر السابق ، ص 170 ) .
هذا إضافة لعمل المرأة في الحقل الطبي حيث بلغ عدد المؤهلات عام 1946 ( 477 ) وعدد الممرضات ( 137 ) ممرضة ( سجلات السودان ، ص 80 ).
هكذ بدأ يتطور تعليم المرأة و ويتتسع دورها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي ترجع جذوره الي ثورة 1924.
نواصل
alsirbabo@yahoo.co.uk