الكوجيتو البرهاني

 


 

 

أنا أتحدث ,إذن , أنا احكم
المغيرة التجاني علي

mugheira88@gmail.com


الم يكن البرهان هو العسكري الوحيد الذي ركب فرس طموحاته للظفر بالسلطة , و الاستئثار بها , وإن خاطر بحياته أو أطاح بآمال بلاده في الاستقرار و التطور الذي ظلت تنشده طوال تاريخها . و تاريخ أفريقيا الحديث عامر بغامرين من أمثاله منذ اكتمال استقلال دولها بنهاية عقد الستينيات الي تأريخنا الراهن . و لعل معظم أوجاع القارة و مظاهر تخلفها يعود الي الصراع علي السلطة والي الانقلابات العسكرية علي وجه التحديد التي يدعي منفذوها من العسكر, الوصاية علي شعوبها و اتهام الحكومات المدنية و المنتخبة شعبياً في روشتات محفوظة بالفساد والمحسوبية والارتهان الي الخارج .
و الفريق البرهان الذي وصل الي رئاسة المجلس العسكري و مجلس السيادة في أعقاب ثورة ديسمبر المجيدة التي أطاحت بالرئيس المعزول عمر البشير و حكومة المؤتمر الوطني , جاء نتيجة سوء تقدير من الثوار في غمرة حماسهم و رفضهم للفريق إبنعوف , وزير الدفاع و قائد عام الجيش بحجة أنه من قادة الحزب الحاكم , فسنحت الفرصة لعبد الفتاح البرهان ليتسنم قيادة المجلسين العسكري ثم مجلس السيادة .

لم يتسن لنا معرفة البرهان كعسكري لنقف علي مقدراته في هذا المجال و لكنا عرفناه كسياسي في منصب رئيس مجلس السيادة و الذي سعي الي تحويله منصبا يماثل في صلاحياته صلاحيات رئيس الجمهورية , حتف أنف الوثيقة الدستورية , التي حددت مهامه كمجلس ذو اختصاصات سيادية و تشريفية و قراراته جماعية , فصار يتصرف علي هذا النحو مستقلا هشاشة الفترة الانتقالية و تناقض التكوينات و بعد القوي السياسية من ممارسة السلطة إضافة الي موقف القوي المعادية للثورة و الذي عمل ومنذ اليوم الأول علي اجهاضها و الوقوف في طريق استكمال مهامها .

و لسعيه الحثيث و تعطشه للسلطة عمل علي تمكين رفيقه الفريق محمد حمدان دقلو , قائد قوات الدعم السريع , و المستبطن أيضا الصعود الي أعلي درجات الحكم , من التمدد و التمركز في معسكرات حربية بالخرطوم العاصمة امتدت من جنوبها - طيبة الحسناب الي شمالها في قاعدة كرري العسكرية . و تحالفا معا في الانقضاض علي الثورة و ارتكاب جريمة فض الاعتصام أمام اسوار القيادة العامة للجيش بطريقة وحشية أدت الي ازهاق ارواح المئات من الشباب الغض الصائم في صباح يوم عيد الفطر المبارك , كما اتفقا من بعد و نفذا الانقلاب علي الحكومة المدنية و ايداع رئيسها عبد الله حمدوك ووزرائه في الحبس و السجون حينما حان تسليم السلطة للمدنيين حسب ما نصت عليه الوثيقة الدستورية الموقعة بين الأطراف .

و حينما اتفقت القوي السياسية علي المضي في طريق الحلول التفاوضية وقع الجنرالان علي وثيقة ما عرف بالاتفاق الإطاري مع ذات القوي التي تم الانقلاب عليها و ظل موقف الرجل يعكس العديد من المواقف المتناقضة فهو يوم مع الاتفاق و غدا ضده و يوم مع قوي الثورة الحية و يوم ضدها و يشيد يوما بلجان المقاومة و لا يكف عن قتل ذات القوي في ميادين التظاهر و كان لكل موقف خطبة و لكل جهة خطاب و لكل كتلة حديث و لكل حالة لبوس في محاولة لأرباك المشهد العام متجاهلا الحال الذي وصلت اليه البلاد من انفلات أمني داخل الخرطوم و تجدد للاحتراب بين القبائل في اكثر من مكان و للتدهور الاقتصادي العام , و كان , للغرابة يعمد الي تحميل المدنيين كل هذا الاضطراب و الي تبخيس أعمالهم و و دمغها بالفشل منصبا نفسه وصيا , كما قال في أكثر من مناسبة, وينحو الي تبرئة نفسه و طاقمه العسكري , كأنه لم يكن جزاء من هذه التركيبة , و الحقيقة أنه كان المتسبب الأول مع شريكه دقلو في ما آلت اليه الأوضاع حتي انحدرت البلاد الي أتون حرب لم يشهد لها السودان مثيلا , دارت رحاها في عاصمة البلاد القومية , دمرت بنيتها و شردت ساكنيها و لطخت وجهها الجميل بالدماء الزكية من ابناء الوطن , سواء أكانوا في الخدمة العسكرية أو من المدنيين الأبرياء ثم تمددت و توسعت لتشمل عددا كبيرا من ولايات السودان أحالت حيواتهم الي حالة من البؤس و الشقاء و التهجير و الفقر و الجوع .

ظل البرهان طيلة هذه الفترة , خاصة بعد نجاحه في الخروج من أسره, يتحدث و يتحدث ثم يتحدث بعكس ما يقول به و ينفي اليوم ما قاله بالأمس , كأنه يريد أن يثبت يقين وجوده الخاص عن طريق عدم الشك في هذا الوجود ويرنو أن يستشف مقولة الفيلسوف ديكارت فيما عرف بالكوجيتو الديكارتي الذي تم صياغته في عبارة (( أنا افكر , إذن ,أنا موجود -Cogito Ergo Sum)) وكذا يفعل السيد البرهان اليوم , اذ طفق يتكلم و يتكلم في محال و مناسبات كثيرة , و ما ذلك الا أن يقول علي طريقته , حسب الكوجيتو البرهاني ( أنا أتحدث , إذن , أنا احكم )

 

آراء