ولجت حقل التعليم بكامل سمتها التربوي

 


 

 

ولجت حقل التعليم بكامل سمتها التربوي ، واعطت واعطت ولم تستبق شيئا ورحلت وهي عائدة للتو من مدرستها التي احبتها من كل قلبها .
بنتنا الأستاذة الراحلة بلقيس محمد احمد الخليفة ابراهيم كانت مربية قبل أن تكون معلمة وقد نهلت من تربية والدها الخليفة محمد احمد الذي كان سابقا لعصره في حكمته وبعد نظره وتعامله مع الآخرين ومع أبنائه كان يتخذ منهم اصدقاء ودائما تجده مبتسما وهو يتبادل معهم النقاش وقد تعلموا منه حسن الانصات والجدية ووزن الأمور بميزان الصبر والروية وعدم التعجل وأن يضعوا الأمور في نصابها وعندما يستدعي الأمر الحزم يكون حازما في غير تطرف أو شدة بل كان يعطي الدرس في أن لكل مقام مقال ولكل حادث حديث .
كانت الراحلة وقد نشأت في بيت شوري ومنذ الصغر عرفت وعرف الأبناء تداول الآراء وبسطها بكل شجاعة أدبية تدربوا عليها من غير تكلف أو حب للظهور أو للدعاية والاعلان ... ولا ننسي الام التي كانت موئل للعطف والحنان وقد انداح حنانها لأبنائها واحترامها لزوجها والجيران وفاض لعموم الأهل والمعارف فقد جسدت معني الالفة والتآلف والتعامل الذكي العفوي من بطريقة السهل الممتنع وقد صارت رمزا للعمل في صمت من أجل مد يد العون للآخرين بكل أريحية فاقت الوصف .
الراحلة بدأت حياتها العملية معلمة بالمرحلة الأولية وتنقلت خارج العاصمة بكل همة ونشاط وأظهرت منذ البداية عشقها للمهنة وقد استعدت لها تماما بحكم التنشئة من اب مستنير وام مثالية ... وكان لابد لها أن تطور من نفسها وهذا هو ديدن من زرع فيهم الطموح بواسطة آباء غر ميامين ... ومع إرهاق العمل خاصة في المدرسة الأولية التي تكثر فيها مهام المعلم ويكون جدول الحصص عادة مكتظا واصلت دراستها المسائية بجامعة القاهرة فرع الخرطوم وتخرجت فيها بليسانس علم الجغرافيا والدراسات البيئية وتم ترفيعها لتعمل في شعبة الجغرافيا بالمدارس الثانوية وقد أثبتت حقا تفوقها في تدريس هذه المادة التي يسمونها احيانا بعلم الخرائط وقد تميزت برسم الخرائط بإبداع فنان عالي الموهبة من غير النظر إلي كتاب أو مطبوعة وكانت تنقل رأسا خطوطها الجميلة من الذاكرة رأسا وكانت الاحصائيات عندها حاضرة ومعني هذا أنها كانت تدخل الفصل بكامل الاستعداد وهي جاهزة لتقدم ما يفيد خدمة للطلاب واحتراما لاقبالهم علي الدرس في شوق وتوق وحب للمادة ومعلم المادة الذي سخر نفسه تماما من أجل هذه المهمة العلمية التي يحتاجها المجتمع ويحتاجها الوطن الذي لابد من وضعه في حدقات العيون ليأخذ مكانه الطبيعي تحت الشمس بين ارقي الأمم.
من الأشياء أو من المكرمات التي لا انساها لبنتنا الأستاذة الراحلة يوم طلبنا منها يد العون لتسعف بنتنا بمراجعة ضرورية في مادة الجغرافيا وغدا امتحان الشهادة وهي لم تجتهد ابدا في هذه المادة ولم تنتبه للخطر إلا في آخر لحظة وطبعا والأمر كذلك لم يكن أمامها إلا أن تذرف الدموع وتتحسر ... المهم وبسرعة البرق اتصلنا بابنتنا المديرة بلقيس ونحن نعرف مسؤولياتها ومسغولياتها التي لا حصر لها خاصة وهي مديرة لمدرسة نموذجية تنافس علي المراكز الأولي وان مكتبها دائما يكون مكتظ بالمراجعين من أولياء الأمور والطالبات ... ورغم ذلك لم تخذلنا وجاءت الي بيتنا في فترة المساء وظلت تشرح وتشرح في حماس وترفع من روح ابنتنا المعنوية ولا اقول كم ساعة قضت معها ولكن كان وقتا طويلا جعل ابنتنا تنام غربرة العين وقد عرفت في تلك الساعات من علم الخرائط والدراسات البيئية مالم تعرفه منذ سنين ...
وظهرت النتيجة وكانت مادة الجغرافيا عندها متوجة بنتيجة ممتازة ودرجة محترمة ودخلت جامعة الخرطوم الجميلة ومستحيلة وتخرجت بصورة مشرفة.
هذه هي الأستاذة بلقيس محمد الخليفة ابراهيم ابنة اختي الراحلة فاطمة فضل المولي عبد الرحمن قرشي. زوجة المهندس النابغة عبدالرحمن النجومي وتركت وراءها من الأبناء والبنات وكلهم ما شاء الله من الناجحين وقد توارثوا النبوغ من أجدادهم ووجدوا أمامهم أما رعتهم بالحنان والعطف والتربية السليمة بنفس اسلوب والدها الذي يجعل من أبنائه اصدقاء يتناول معهم مايهمهم بمنتهي الشوري والرقي والذوق الرفيع والفهم والعلم النافع .
وكان يوم رحيلها يوم عادت من مدرستها التي احبتها من كل قلبها ودخلت البيت عند المساء ووضعت دفاترها واقلامها علي المنضدة واتكات لتأخذ قسطا من الراحة ومن ثم تهب للصلاة ولتناول وجبة الغداء ...
ويبدو أنها الرقدة الأخيرة وشعرت ببعض التعب مما استدعي نقلها علي عجل للمستشفي وكان الأجل اسرع ففاضت روحها آمنة مطمئنة وكانت مبتسمة .
جعل الله سبحانه وتعالى الجنة متقلبها ومثواها وادخلها فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. و ( إنا لله وانا اليه راجعون ) وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.

حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي.
معلم مخضرم .
خال الراحلة فقيدة التربية والتعليم.

ghamedalneil@gmail.com

 

آراء