سياحة داخل نفس سودانية

 


 

فيصل بسمة
3 October, 2024

 

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

يبدوا أن منصات (الإفك الإلكتروني) قد أصبحت هي المصدر الأساسي لأخبار بلاد السودان المنتشرة في تطبيقات الوسآئط الإجتماعية و أسافير الشبكة العنكبوتية ، كما أضحت المعارك بين مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) من جهة و ”الجيش السوداني“ و أتباعه من: كتآئب البرآء بن مالك و الدفاع الشعبي و الظل و جهاز العمليات و العمل الخآص و المستنفرين و القوات المشتركة التي قوامها حركات تحرير السودان المسلحة ذات المسميات المتعددة (المتمردة سابقاً) من الجهة الأخرى تدور في أسافير العالم الإفتراضي أكثر منها على ساحات الأرض...
و مؤخراً تضاربت أنبآء الإنتصارات ”المُبِينَة“ التي حققها ”الجيش“ و حلفآءه في معارك تحرير العاصمة المثلثة (معركة ذات الكباري) ، و في المقابل تحدثت المنصات و الأسافير عن نجاحات مليشيات الجنجويد في (صد الهجوم الفلولي) و تكبيد العدو (الفلول) الخسآئر الفادحة في الأرواح و العتاد ، و دار جدل و لغط عظيمين في الوسآئط و الأسافير حول النصر المزعوم ، و قد دعمت كل طآئفة إدعآءتها بالڨيديوهات التي توثق القتل و التحركات ، كما إنبرت أرتال من المتحدثين الرسميين و النشطآء و المغردين و جمهور من الخبرآء الإستراتيجيين العسكريين و الأكاديميين الراتبين/اللازقين على شاشات القنوات التلڨزيونية الأعرابية بالتصريحات و التحليلات و التنظيرات و التوجيهات...
في الآونة الأخيرة تعالى جعير الحناجر الكيزانية كثيراً في الوسآئط ، و نشطت جهات عديدة في الترويج من جديد لوهم المشروع الحضاري الإسلامي ، كما عاد صوت الخطاب الكيزاني التعبوي الضلالي عالياً يحاكي ذات الزعيق كما في سنين برنامج ساحات الفدآء ، و ظهرت مرة أخرى أوجه قدامى المعتوهين بعد غياب عن الساحات و قد أضيف إليهم كزيادة خير الجيل الخامس و السادس من المهووسين دينياً ، و عوضاً عن جون قرنق و أمريكا التي دنا عذابها فقد وجد المعتوهون القدامى و المهووسون الجدد ضآلتهم في جماعة قوى الحرية و التغيير (قحت) و تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) لإلقآء كل اللوم عليهم و نسب كل أزمة أو نكسة أو نكبة أصابت بلاد السودان منذ نشأة مملكة كوش إلى يومنا هذا إليهم!!! ، و الخوض في الحديث عن الكيزان و عقود حكمهم و فسادهم و بطشهم و تجاوزاتهم لا يحتاج إلى التكرار أو التفصيل ، فقد أصبح الفساد و الإفساد من المعلوم من أمر الجماعة بالضرورة!!!...
و على الجانب الآخر فقد بذل جهاز التسويق الإعلامي و الإلكتروني و جماعات من النخب ”المستنيرة“ المنحازة جهداً جباراً لتسويق قآئد المليشيات الجنجويدية على أنه حامي الثورة و قآئد التغيير و إمام المهمشين الساعي إلى تأسيس الحكم المدني و إقامة الجمهورية الثانية على أنقاض دولة ستة و خمسين (٥٦) ، و طلبوا من الشعوب السودانية تناسي أن مليشيات الجنجويد كيان عرقي و قبلي و عنصري له تاريخ دموي حافل بالقتل و الإبادات الجماعية ، تاريخ ما زالت سطوره تكتب بدمآء الشعوب السودانية المقهورة و دموعها و شقآءها و معاناتها و مآسيها...
الفقرات أعلاه إجتهادٌ في تصوير بعض من وابل أخبار الإفك التي ظلت تتلقفه/تتلقاه و بصورة راتبة و دون هوادة أو رأفة تطبيقات الأجهزة الإلكترونية الذكية و كذلك عقول و قلوب و أفئدة غالبية الأنفس السودانية المهتمة بمجريات الأحداث في بلاد السودان و المتلهفة لتلقي و إستقصآء أخبار الحرب و المستجدات في الأزمة السودانية...
و الملاحظ هو أن أغلب الجهات/الغرف/المنصات الإلكترونية الناشطة في الإفك و أخبار الحرب و الأزمة السودانية تتعمد نشر منتجاتها/بضاعتها الخبيثة و بثها بصورة/بطريقة مكثفة بحيث تضمن إحداث أكبر قدر من الفوضى و الإرباك و المَخوَلَة ، و هذا ما دفع صاحبنا إلى محاولة التجول داخل محطات داخل نفسه السودانية بغرض سبر تفاعلات العقل و القلب و الفؤاد مع السيل الغير منقطع من أخبار الإفك المتضاربة عن الإنتصارات الواردة عبر الوسآئط و الأسافير...
و قد أوضح التوقف عند المحطة الأولى مدى إنتشار الخوف الشديد و الهلع العظيم في منصات و أجهزة إستقبال الأحاسيس و المشاعر لدى صاحبنا و لمجرد التفكير في أن الغلبة في الحرب الدآئرة الآن ربما تكون لمليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) ، و ذلك لأن هذه الغلبة تعني إستمرار مسلسل الهمجية و العنصرية و القتل و الدمار و التشريد و النزوح و الفوضى و حتمية إنهيار الدولة ، و لقد شاهدت جموع من الشعوب السودانية (المناظر) و (دخلت الفلم) الجنجويدي عدة مرات و في جهات مختلفة من بلاد السودان خلال الثلاث عقود الأخيرة ، و لمست و شاهدت و رأت رؤيا الأعين ، خصوصاً خلال سنين الثورة و التسعة عشر أشهر الماضية ، ما مارسه القآئد (الخآئن) و إرتكبته مليشياته من البطش و القتل و الإنتهاكات ، و ما سببته من الشقآء و المعاناة و المآسي للشعوب السودانية ، كما أن الشعوب تعلم جيداً أن قآئد مليشيات الجنجويد و من بعد ترفيعه و تلميعه و إدخاله إلى قصور الحكم و إتخاذ القرار ، و بعد أن لمس و رأى الفساد و الضعف و (الهوان) الإداري الكيزاني إزدادت شهيته/شهوته ، و كذلك شهيات/شهوات بقية العآئلة و البطون القبلية الممتدة ، إلى السلطة و النفوذ و الثروات...
المحطة الثانية كانت عند منصات و أجهزة إستقبال من العقل و القلب تحاول جاهدة أن تفرح و تسعد لأخبار و إرهاصات تشير إلى إحتمال إنتصار ”الجيش السوداني“ ، و هذا إحساس و شعور وطني طبيعي و جميل يستند إلى فرضية أن هذا ”الجيش“ هو (جند الوطن) ، و أنه مؤسسة أمنية موثوق بها و يعتمد عليها ، و أنه هو:
جيش الهنا...
الحارس مالنا و دمنا...
لكن التوقف عند هذه المحطة الثانية ”المفرحة“ لا يدوم طويلاً فسرعان ما تصطدم النفس بالواقع حين يأتي القلق الحقيقي و الهواجس و المنغصات و الكوابيس تهاجم تلك منصات و أجهزة الإستقبال في العقل و القلب و تضيف إلى النفس السودانية المجهدة المزيد من أحاسيس الألم و المعاناة و الشقآء و بدرجات مهولة تصيب العقل و الأطراف بالتبلد و الشلل لمجرد التفكير في إحتمالية إنتصار ”الجيش السوداني“ و ملحقاته من الكتآئب ، الجيش الذي و منذ صبيحة إنقلاب الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ ميلادية أصبح واجهة لجماعة الأخوان المتأسلمين (الكيزان) ، مما يعني أن إنتصار الجيش هو العودة إلى عقود و عهود الحكم الكيزاني البوليسي الديكتاتوري ، و إلى السنين العجاف من القمع و حجر الحريات و التوقيف و الحبس القسري و بيوت الأشباح و التعذيب و القتل و الإبادات الجماعية و الدجل و الهوس الديني و الضلال و المحسوبية و الفساد الإقتصادي و الإجتماعي و... و... و... ، و حديثاً فقد شاهدت الشعوب السودانية (المناظر) و (الأفلام) الكيزانية من حوادث القتل و الإعدامات الميدانية خارج نطاق القانون و بقية الإنتهاكات المرفقة مع خطابات الكراهية و العنصرية ، هذا بالإضافة إلى خطب و تصريحات الفرقآء الأوآئل و توعداتهم بالويل و الثبور للخونة و عملآء السفارات!!! ، و تبشيرهم بالبل و المَتِك و الجَغِم و التَّدبِيل و الزَّعِط و حديثاً بالتَّقرِيط و الزَّرِد!!!...
إن الشعوب السودانية تعلم جيداً أنه و متى إجتمعت القوة الباطشة مع السلطة المطلقة و الطموح الغير سوي (الطمع) و التعصب العرقي/القبلي/الجهوي/الديني/الفكري و في غياب القانون و العدالة فإن ذلك يعني/يمثل وصفة مثالية للطغيان و الظلم و الفساد و الفوضى و الفشل و الإنهيار ، و هذا عين ما أصاب بلاد السودان...
لكن ما يخفف من وطأة القلق و هذه المخاوف و الهواجس و المنغصات و الكوابيس و يزيد من الطمأنينة النفسية حقيقة أن الطآئفتين المتقاتلتين من أجل السلطة و النفوذ و الثروات باغيتان ، و أنهما لن ينتصرا ، و لن يحققا النجاح ، و لن يصيبا الفلاح أبداً ، و ذلك لأن مشروعيهما قد بُنِيَا على باطل ، و الباطلُ زاهقٌ لا محالة ، و أنهما في نهاية الأمر سوف ينهكان و ينهزمان شر هزيمة ، و سوف تتحقق الرؤيا الصادقة في إنتصار الثورة و حدوث التغيير...
و سوف يعود/يُعَاد العسكر إلى ثكناتهم ، و سوف يعاد ترتيب أمر الجيش و بقية المنظومات الأمنية من جديد ، و سوف تفتح ملفات الإنتهاكات ، و سوف تتم المحاسبات ، و سوف تعود الإحترافية و المهنية إلى المؤسسات الأمنية فتنشغل بحراسة الحدود و حماية الأراضي و المواطنين و تثبيت الأمن ، و سوف يهجر العسكر و بقية النظاميين الإنشغال بالسياسة و التجارة و الإقتصاد ، و سوف يتركون الأمر لأصحاب الشأن و الإختصاص...
أما مليشيات الجنجويد فليس لهم سوى الحل و الحساب و العقاب...
و الحمد لله رب العالمين و افضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة

fbasama@gmail.com

 

آراء