عجائب إدوارد لينو!!

 


 

 

زفرات حرى

  

الطيب مصطفى

       لا أظنكم قرائي الكرام نسيتم مدير استخبارات الحركة الشعبية السابق إدوارد لينو... الرجل الذي ـ مع نذير الشؤم باقان أموم أمين عام الحركة الشعبية ـ هدَّد وتوَّعد (بانفجار الغاضبين حول الخرطوم) أو ما سماه باقان أموم بالحزام الأسود وذلك قبل انفجار أحداث الإثنين الأسود في قلب الخرطوم بعدة أشهر والتي عوَّلت عليها الحركة كثيراً في إسقاط الحكومة وإقامة مشروعها القمئ (السودان الجديد) لحكم السودان فيا لهوان السودان!!  آخر تقليعات لينو الذي كانت الحركة الشعبية قد انتدبته بتاريخه الدموي ليتولى رئاسة إدارة أبيي والذي نتج عن نزقه وتصرفاته الهوجاء اشتعال الحرب من جديد في أبيي بين الجيش السوداني والجيش الشعبي... آخر تقليعات الرجل الذي لا تنقضي عجائبه أنه جمَّد نشاطه في المكتب السياسي للحركة بخطاب عاصف وجهه إلى رئيس الحركة الفريق سلفاكير وهدد بالاستقالة من الحركة في حال استمرار ما سماه بالكثير من السياسات التي أعلن أنه يتحفظ عليها ولعل أكثر ما يثير الدهشة في خطاب إدوارد لينو لسلفاكير احتجاجه على (وجود بعض الاتجاهات وسط الحركة الشعبية مؤيدة للرئيس البشير في مواجهة الجنائية وتنازل الحركة عن المشروع العلماني وتخليها عن مبادئ السودان الجديد) بجانب تباطؤ الحركة في حسم بعض القيادات التي وصفها بالمتراخية (والمتفلتة والتي ظلت تعمل بعيداً عن الخط العام للحركة) وأبدى لينو استياءه الشديد من الواقع الذي تعيشه الحركة وقال إنه لا يسر وقال إنه (يشعر بإحباط شديد بسبب عدم تنفيذ بروتوكول أبيي)!  تعالوا بنا نضع تصريحات لينو أمام الفحص المجهري وأود أولاً أن أؤكد ما ذهب إليه حول السياسات الخرقاء التي تنتهجها الحركة الشعبية وأضيف إليه أن الحركة بل جنوب السودان يقف اليوم على حافة الانهيار، وقد تحدث عن ذلك وشهد الكثيرون ولعل مقال الفرد تعبان الذي ذرف الدموع على حال الجنوب مما أوردنا استعراضاً له قبل أيام قليلة بل وشهادة (منظمة اللاجئين الدولية) الأمريكية Refugees International التي وصلت إلى نفس النتيجة وطالبت بالتحرك العاجل لتفادي الإنهيار الذي تجلى في الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتردية وتزايد العنف والنزاعات القبلية في غياب كامل للدولة وبعثة الأمم المتحدة (اليوناميس) ولعل ذلك الواقع المرير هو الذي جعل الكونجرس الأمريكي يعد بتخصيص مبلغ ٥٧٢ مليون دولار لدعم حكومة الجنوب استجابة لوفد الحركة الشعبية الموجود في واشنطن هذه الأيام للاستغاثة بأمريكا راعية الحركة الشعبية وعدو السودان الشمالي وصديقة بل وحليفة جنوب السودان!!  أما احتجاج لينو على الاتجاهات المؤيدة للرئيس البشير في مواجهة الجنائية داخل الحركة الشعبية فهذا يكشف بجلاء ما ظللنا نردده عن موقف الحركة الحقيقي المؤيد للجنائية، وكما ذكرنا فإن هناك موقفين أحدهما يتبناه صقور الحركة من أولاد قرنق مثل باقان ودينق ألور وإدوارد لينو والذي يطالب بتسليم الرئيس للمحكمة الجنائية بصورة فورية وقد عبر لينو عن موقفه بصورة صارخة تتسق مع عدوانيته وكراهيته وبغضه وحقده على الشمال وأهله فقد قال الرجل لصحيفة مصرية إنهم سيرون البشير في الفضائيات مخفوراً ومعتقلاً وإنه لا مخرج آخر للرجل غير الانتحار أما الرأي الثاني المعتدل فقد عبر عنه سلفاكير حين قال أمام الرئيس اليوغندي المعادي للشمال (يوري موسيفيني) إنه يرى أن (يؤجل مثول الرئيس البشير أمام المحكمة لمدة عام واحد) وذلك حتى يقوم خلال ذلك العام بتنفيذ اتفاقية نيفاشا!! لذلك لا غرو في أن يغضب لينو من بعض قيادات الحركة ممن يدعمون البشير بحجة أنه الضامن لإنفاذ الاتفاقية وبالتالي فإن ذهابه يشكل خطراً على اتفاقية نيفاشا التي تعتبر لدى هؤلاء أكبر المكاسب التي حققتها الحركة طوال تاريخها ومعلوم أن صقور الحركة يخوضون معركة لا هوادة فيها ضد د. لام أكول وغازي سليمان وهو ما أثار حفيظة الرجل الدموي الذي لا يعيش إلا في أجواء الحرب ولا تحركه غير الأحقاد فبالله عليكم من هو الأحق بالمحاكمة والمحاسبة غازي سليمان ولام أكول أم إدوارد لينو الذي يشمت في الرئيس البشير رغم أنه هو الذي عيَّنه في منصبه الحالي؟!  لينو هاجم الحركة الشعبية بقوله إنها تخلَّت عن المشروع العلماني وعن مبادئ السودان الجديد وأقول إن الرجل يحلم وحق له أن يسبح في بحور الأحلام ذلك أن لينو يعاني من مشكلة كبرى تتمثل في ضعف قدراته السياسية التي لا تؤهله للتعامل مع واقع الحال في جنوب السودان... فالرجل لا يدرك الأحوال الاقتصادية والأمنية التي تعصف بالجنوب حالياً والتي حولته بالفعل ـ بالمعايير الدولية ـ إلى دولة منهارة وهل من انهيار أكبر من أن يموت الناس بالآلاف في عدة مدن وولايات جنوبية في اقتتال قبلي متواصل في وقت تلوذ فيه حكومة الجنوب بالصمت المطبق بل في الوقت الذي يشارك فيه الجيش الشعبي في إذكاء تلك الصراعات لمصلحة طرف دون آخر وهل من كارثة أكبر من أن يفر أبناء الجنوب من موطنهم إلى الشمال وإلى دول الجوار هرباً من الجوع والخوف الذي يتهدد حياتهم آناء الليل وأطراف النهار وهل من مصيبة أكبر من أن يحن أبناء الجنوب إلى الأيام السابقة لتسلم الحركة الشعبية مقاليد السلطة في جنوب السودان رغم ادعاءات الحركة بأنها حررت الجنوب من حكم الجلابة؟!  بالرغم من ذلك يتحدث لينو عن تطبيق العلمانية وإقامة مشروع السودان الجديد في الشمال وكأن الرجل لا يدرك أن طموحات الحركة ينبغي أن تتردى إلى الاجابة على السؤال: (كيف ننقذ جنوب السودان من الانهيار؟) ولا أجد إجابة على ذلك غير أن تتنازل الحركة وتسلم السلطة للحكومة المركزية وتحل جيشها الشعبي الذي لا تستطيع أن توفر له المرتبات وتسلم الجنوب إلى القوات المسلحة السودانية.  أما مشروع السودان الجديد فقد رأيناه رأي العين في جنوب السودان الذي يعشعش فيه الجوع والخوف والمرض وفاقد الشيء لا يعطيه فالحركة الشعبية التي يطالبها لينو بإقامة مشروع السودان الجديد وفرض العلمانية على الشمال أعجز من أن تقيم حكماً راشداً في جنوب السودان بل أعجز من أن تحكم قرية صغيرة مهما كانت نوعية ذلك الحكم!!  إدوارد لينو يعيش في غيبوبة ولا يدري ما يحدث حوله وإلا خبِّروني بربكم هل يريد الرجل أن يحيل الشمال من خلال مطالبته بتطبيق العلمانية ومشروع الحركة للسودان الجديد... هل يريد أن يحيل الشمال إلى ماخور كبير وخمارة يترنح السكارى في طرقاتها كما هو الحال في جنوب السودان أم يريد أن يحيله إلى دولة بوليسية (تبرطع) فيها عصابات (النقرز والآوت لوظ) وينهش الاقتتال القبلي من لحمها ودمها ويفتك الجوع والخوف والمرض بجسدها؟!  أسأل الله أن يعافي الرجل من غيبوبته وأحقاده الدفينة وأن يهديه إلى الحق ويخرجه من الظلمات إلى النور.   

 

آراء