اللصّة الظريفة

 


 

د. عمر بادي
12 April, 2009

 

 

مقتطفات من كتابي ( شتات يا فردة )

 

دار جامعة الخرطوم للنشر _ 2003

     المواقف خفيفة الظل والتي تضحك المتلقي هي مواقف نادرة الحدوث والكتابة فيها ليست بالأمر السهل , ولذلك أطلق اللغويّون على مثل تلك المواقف كلمة ( نوادر) مفردها ( نادرة ) وفعلها ( يتنّدر) ونجد في كتب التراث أمثلة لتلك المواقف في كتب (الإمتاع والمؤانسة ) , و (الحـمقى والمغفلين ) و ( البخلاء ) ، و ( نوادر الظرفاء ) وغيرهم  .. وكذلك نجد في كتب الحداثة أمثلة لتلك المواقف في كتب ( نوادر جحا ) ، و ( الولد الشقي ) ، و ( تأملات ساخرة ) وغيرهم من كتب النكات المتعددة ....    في مقالة لي سابقة كتبت عن اللص الظريف وأوضحت كيف تطورت عملية السطو في السودان , فبعد أن كان اللصوص يتوجسون خيفة من إستيقاظ أصحاب البيت أثناء سطوهم , صار اللصوص حالياً يوقظون هم أصحاب البيت ليدلوهم على أماكن مقتنياتهم الثمينة تحت التهديد بالسلاح حتى يوفـّروا عليهم مشقة البحث في الظلام عن تلك المقتنيات ... ثم تحدثت عن السرقات عن طريق النصب والإحتيال ورويت في ذلك عن اللص الظريف ومقالبه الضاحكة.... وعملاً بما نشاهد في الأفلام والمسلسلات الناجحة من إضافة أعمال لها ترضي الجنس الآخر والذي لا يقتنع بمساواة الرجال في الحقوق والواجبات فقط وإنّما يتعدى ذلك للمساواة في المغامرات والـ ( آكشن) , فالرجل الخارق ظهرت مثله إمرأة خارقة والرجل العنكبوت ظهرت مثله إمرأة عنكبوتة والرجل الوطواط ظهرت مثله إمرأة وطواطة وكذا الحال للسوبرمان . بالنسبة للص الظريف أيضاً ظهرت مثله لصة ظريفة .....     حدثتني الأخت إ يمان صادق والتي تعمل موظفة بالمحكمة الشرعية بالخرطوم بحري قالت : [ بينما كنت في بيتنا في إجازة قصيرة من العمل قبل أشهر قلائل , طرق باب البيت وأذنّا بالدخول لإمرأة بصحبة رجلين وكانت تبدو على المرأة آثار النعمة , وعلى الفور بادرتنا بالسؤال :(( أين إيمان ؟)) ، قلت لها:(( أنا إيمان )) , قالت:(( أنا أقصد إيمان صادق )) , قلت لها: (( أنا إيمان صادق )) , قالت : (( دا ما معقول , أنتي ما إيمان صادق )) , قلت لها في حيرة :(( شنو الحكاية ؟ كمان تغالطيني في نفسي؟ )) ونهضت وأحضرت لها بطاقتي الشخصية , وبعد أن تفحصتها أبدت إعتذارها لي وقالت:(( أبقى إتمقلبت وإنضحك عليّ! )) قلنا لها:(( الحصل شنو؟ )) فروت هذه الحكاية .... قالت إنها مغتربة في إحدى دول الإغتراب وأن زوجها كان قد قدم في إجازة للسودان ليشيّد لهم منزلاً , وبعد فترة من قيامه وصلتها خطابات من فاعل خير تفيدها أن زوجها قد خطب فتاة وأنه سوف يتزوج بها بعد أسبوع فقط وأعطوها عنوان أهل الفتاة , فما كان منها إلا وأن إستقلت أول طائرة لتوصلها السودان ، وخارج مطار الخرطوم فتحت حقيبة يدها والتي كانت بها آلاف الدولارات وبعض الحلي ونفحت العامل الذي حمل حقيبتها مبلغاً من المال , وأثناء ذلك لم تنتبه أن بالقرب منها كان يتواجد أناس آخرون ومن ضمنهم فتاة وقفت تراقبها بعد ذلك ... تقدمت المغتربة من أصحاب سيارات الأجرة وبدأت تسأل عمّن يعرف العنوان الذي معها , وهنا تقدمت الفتاة الني كانت تراقبها وحيتها وقالت لها إنها ذاهبة إلى نفس المنطقة , وركبا معاً في سيارة الأجرة وأثناء المشوار حكت المغتربة لمرافقتها قصتها كلها وطمأنتها تلك بأنه سوف يصير خير, وإقترحت عليها أن ترافقها لمقابلة والد الفتاة المخطوبة وتعينها إذا تطلّب الأمر , فوافقت المغتربة على ذلك , وفعلاً وصلا إلى البيت المقصود وإستقبلهم أهل البيت إستقبالاً حسناً وإقترحت الفتاة المرافقة على المغتربة أن تتحدث مع والد الفتاة على إنفراد وفعلاً حدث ذلك في غرفة مجاورة , بينما حقيبة يد المغتربة كانت في مكانها , فانتهزت  الفتاة المرافقة هذه الفرصة وسـطت على الدولارات والحلي ... بعد مدة خرجت المغتربة منفرجة الأسارير وقالت لمرافقتها : (( يلا , خلاص (فركشت) كل شئ وحكيت ليه عن حقيقة الزوج المخادع دا ! )) وإستقلاّ عربة أجرة وبعد مسافة قصيرة إستأذنت الفتاة المرافقة في النزول من السيارة من أجل زيارة أقرباء لها يسكنون قريباً من ذلك المكان , فشكرتها المغتربة على مساعدتها لها ووقوفها بجانبها وسألتها عن إسمها وعنوانها حتى تقابلها و ترد لها بعضاً من جميلها هذا , فقالت لها إن إسمها إيمان صادق وأنها تعمل بالمحكمة الشرعية بالخرطوم بحري ! وعندما إكتشفت المغتربة سرقة دولاراتها وحليها توجهت مع أقرباء لها إلي المحكمة الشرعية وهناك أخبروها أن إيمان صادق في إجازة ودلوها على عنوانها وحدث ما حدث .... بعد ذلك تمّ فتح بلاغ بهذه الحادثة ضد مجهولة بعد أن لم يتعرفوا على الجانية من خلال صور المشتبهات ... لكن رغم فعلة اللصة الظريفة فإن المغتربة كانت في غاية الإغتباط لأنها (فركشت) الزيجة على زوجها ! ]     إن سيكلوجية السرقة في المرتادين لها تبدأ منذ الصغر كترجمة لحب التملك , عندما يتملك الشخص ذلك الشعور ولا يقدر على ردعه وبعد ذلك تصبح السرقة عادةً أو سلوكاً لا إرادي , وبذلك تتحول إلى مرض نفسي , وليست السرقات كلها نتيجة للحاجة المجبرة .... لقد سمعت عن شخص إذا كان يأكل في وليمة وأراد غسل يديه وأعجبته الصابونة المعطّرة في المغسلة فإنه يضعها في جيبه ... وإذا إستلف منك سيجارة وناولته صندوق السجاير فإنه لا يعيده كله . هذا الشخص ذهب مرة لزيارة أقرباء له ووجد على المنضدة صندوقاً للسجاير فأخذه ووضعه في جيبه وهمّ بالإنصراف خارج البيت بينما كان أحد أطفال البيت يناديه : (( يا عم الفسحة , ياعم الفسحة )) فسأله : (( مالك يا ولد ؟ )) , فرد عليه الولد : ((فسحتي ـ وهي عينة البراز ـ ختيتها في الصندوق عشان نودّيها للفحص )) , فأخـرج ذلك الشخص صندوق السجاير من جيبه وناوله للولد قائلاً : (( هاك , الله يلعنك يا قرف ...))  وضحك كل من في البيت…                                                              صحيفة (الخرطوم) – 8/4/1999م   

 

آراء